إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 29 أبريل 2016

104 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الثالث ذكر وفاة عبد الملك


104

الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الثالث

ذكر وفاة عبد الملك

في هذه السنة توفي عبد الملك بن مروان منتصف شوال وكان يقول‏:‏ أخاف الموت في شهر رمضان فيه ولدت وفيه فطمت وفيه جمعت القرآن وفيه بايع لي الناس فمات للنصف من شوال حين أمن الموت في نفسه‏.‏

وكان عمره ستين سنة وقيل ثلاثًا وستين سنة وكانت خلافته من لدن قتل ابن الزبير ثلاث عشرة سنةً وأربعة أشهر إلا سبع ليالٍ وقيل وثلاثة أشهر وخمسة عشر يومًا‏.‏

ولما اشتد مرضه قال بعض الأطباء‏:‏ إن شرب الماء مات‏.‏

فاشتد عطشه فقال‏:‏ يا وليد اسقني ماء‏.‏

قال‏:‏ لا أعين عليك‏.‏

فقال لابنته فاطمة‏:‏ اسقيني ماء‏.‏

فمنعها الوليد‏.‏

فقال‏:‏ لتدعنها أو لأخلعنك‏.‏

فقال‏:‏ لم يبق بعد هذا شيء فسقته فمات‏.‏

ودخل الوليد عليه وابنته فاطمة عند رأسه تبكي فقال‏:‏ كيف أمير المؤمنين قال‏:‏ هو أصلح‏.‏

فلما خرج قال عبد الملك‏:‏ ومستخبر عنا يريد لنا الردى ومستخبرات والدموع سواجم وأوصى بنيه فقال‏:‏ أوصيكم بتقوى الله فإنها أزين حلية وأحصن كهف ليعطف الكبر منكم على الصغير وليعرف الصغير حق الكبير وانظروا مسلمة فاصدروا عن رأيه فإنه نابكم الذي عنه تفترون ومجنكم الذي عنه ترمون فأكرموا الحجاج فإنه الذي وطأ لكم المنابر ودوخ لكم البلاد وأذل الأعداء وكونوا بني أم بردة لا تدب بينكم العقارب وكونوا في الحرب أمرارًا فإن القتال لا يقرب ميتة وكونوا للمعروف منارًا فإن المعروف يبقى أجره وذكره وضعوا معروفكم عند ذوي الأحساب فإنهم أصون له وأشكر لما يؤتى إليهم منه وتمغدوا ذنوب أهل الذنوب فإن استقالوا فأقيلوا وإن عادوا فانتقموا‏.‏

ولما توفي دفن خارج باب الجابية وصلى عليه الوليد فتمثل هشام‏:‏ فما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قومٍ تهدما فقال الوليد‏:‏ اسكت فإنك تتكلم بلسان شيطان ألا قلت كما قال أوس بن حجر‏:‏ إذا مقرمٍ منا ذرا حد نابه تخمط منا ناب آخر مقرم وقيل‏:‏ إن سليمان تمثل بالبيت الأول وهو الصحيح لأن هشامًا كان صغيرًا له أربع عشرة سنة‏.‏

وقد رثى الشعراء عبد الملك كثير عزة وغيره فمما قيل فيه‏:‏ سقاك ابن مروانٍ من الغيث مسبل أجش شمالي يجود ويهطل فما في حياةٍ بعد موتك رغبة لحرٍ وإن كنا الوليد نؤمل أما نسبه فهو أبو الوليد عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف‏.‏

وأمه عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية‏.‏

وأما أولاده وأزواجه فمنهم‏:‏ الوليد وسليمان ومروان الأكبر درج وعائشة أمهم ولادة بنت العباس بن جزء بن الحارث بن زهير بن خزيمة العبسية ومنهم يزيد ومروان ومعاوية درج وأم كلثوم وأمهم عاتكة ابنة يزيد بن معاوية بن معاوية بن أبي سفيان ومنهم هشام وأمه أم هشام بنت إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومية واسمها عائشة ومنهم أبو بكر وهو بكار أمه عائشة بنت موسى بن طلحة بن عبيد الله ومنهم الحكم درج أمه أم أيوب بنت عمرو بن عثمان بن عفان ومنهم فاطمة بنت عبد الملك أمها أم المغيرة بنت المغيرة بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة ومنهم عبد الله ومسلمة والمنذر وعنبسة وحمد وسعيد الخير والحجاج لأمهات أولاد‏.‏

وكان له من النساء شقراء بنت مسلم بن حليس الطائي وأم أبيها ابنة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب‏.‏

وقيل‏:‏ كان عنده ابنة لعلي بن أبي طالب ولا يصح‏.‏كان عبد الملك عاقلًا حازمًا أديبًا لبيبًا عالمًا‏.‏

قال أبو الزياد‏:‏ كان فقهاء المدينة أربعة‏:‏ سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وقبيصة بن ذؤيب وعبد الملك بن مروان‏.‏

وقال الشعبي‏:‏ ما ذاكرت أحدًا إلا وجدت لي الفضل عليه إلا عبد الملك فإني ما ذاكرته حديثًا إلا زادني فيه ولا شعرًا إلا زادني فيه وقال جعفر بن عقبة الخطائي‏:‏ قيل لعبد الملك‏:‏ أسرع إليك الشيب‏.‏

فقال‏:‏ شيبني ارتقاء المنابر وخوف اللحن‏.‏

وقال عبد الملك‏:‏ ما أعلم أحدًا أقوى على هذا الأمر مني إن ابن الزبير لطويل الصلاة كثير الصيام ولكن لبخله لا يصلح أن يكون سائسًا‏.‏

قال أبو مسهر‏:‏ قبل لعبد الملك في مرضه‏:‏ كيف تجدك قال‏:‏ أجدني كما قال الله تعالى‏:‏ ‏ «‏ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرةٍ وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم‏» ‏ ‏ «‏الأنعام‏:‏ 94‏» ‏‏.‏ الآية وقال المفضل بن فضالة عن أبيه‏:‏ استأذن قوم على عبد الملك بن مروان وهو شديد المرض فدخلوا عليه وقد أسنده خصي إلى صدره فقال لهم‏:‏ إنكم دخلتم علي عند إقبال آخرتي وإدبار دنياي وإني تذكرت أرجى عمل لي فوجدتها غزوة غزوتها في سبيل الله وأنا خلو من هذه الأشياء فإياكم وإيا أبوابنا هذه الخبيثة أن تطيفوا بها‏.‏

وقال سعيد بن عبد العزيز التنوخي‏:‏ لما نزل بعبد الملك بن مروان الموت أمر بفتح باب قصره فإذا قصار يقصر ثوبًا فقال‏:‏ يا ليتني كنت قصارًا‏!‏ يا ليتني كنت قصارًا‏!‏ مرتين‏.‏

فقال سعيد بن عبد العزيز‏:‏ الحمد الله الذي جعلهم يفزعون إلينا ولا نفزع إليهم‏.‏

وقال سعيد بن بشير‏:‏ إن عبد الملك حين ثقل جعل يلوم نفسه ويضرب يده على رأسه وقال‏:‏ وددت أني كنت أكتسب يومًا بيوم ما يقوتني وأشتغل بطاعة الله فذكر ذلك لابن خازم فقال‏:‏ الحمد لله الذي جعلهم يتمنون عند الموت ما نحن فيه ولا نتمنى عند الموت ما هم فيه‏.‏

وقال مسعود بن خلف‏:‏ قال عبد الملك بن مروان في مرضه‏:‏ والله وددت أني عبد لرجل من تهامة أرعى غنمًا في جبالها وأني لم أك شيئًا‏.‏

وقال عمران بن موسى المؤدب‏:‏ يروى أن عبد الملك بن مروان لما اشتد مرضه قال‏:‏ ارفعوني على شرف‏.‏ ففعل ذلك‏.‏

فتنسم الروح ثم قال‏:‏ يا دنيا ما أطيبك‏!‏ إن طويلك لقصير وإن كبيرك لحقير وإن كنا منك لفي غرور‏!‏ وتمثل بهذين البيتين‏:‏ إن تناقش يكن نقاشك يار ب عذابًا لا طوق لي بالعذاب أو تجعوز فأنت رب صفوح عن مسيء ذنوبه كالتراب ويروى أن هذه الأبيات تمثل بها معاوية ويحق لعبد الملك أن يحذر هذا الحذر ويخاف فإن من يكن الحجاج بعض سيئاته يعلم على أي شيء يقدم عليه‏.‏

قال عبد الملك لسعيد بن المسيب‏:‏ يا أبا محمد صرت أعمل الخير فلا أسر به وأصنع الشر فلا أساء به‏.‏

فقال‏:‏ الآن تكامل فيك موت القلب‏.‏

وكان عبد الملك أول من غدر في الإسلام وقد تقدم فعله بعمرو بن سعيد وكان أول من نقل الديوان من الفارسية إلى العربية وأول من نهى عن الكلام في حضرة الخلفاء وكان الناس قبله يراجعونهم وأول خليفة بخل وكان يقال له رشح الحجارة لبخله وأول من نهى عن المر بالمعروف فإنه قال في خطبته بعد قتل ابن الزبير‏:‏ ولا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه‏.‏



يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق