62
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الثالث
ذكر مهلك شبيب
وفي هذه السنة هلك شبيب. وكان سبب ذلك أن الحجاج أنفق في أصحاب سفيان بن الأبرد مالًا عظيمًا بعد أن عاد شبيب عن محاربتهم وقصد كرمان بشهرين وأمر سفيان وأصحابه بقصد شبيب فسار نحوه وكتب الحجاج إلى الحكم بن أيوب زوج ابنته وهو عامله على البصرة يأمره أن يرسل أربعة آلاف فارس من أهل البصرة إلى سفيان فسيرهم مع زياد بن عمرو العتكي فلم يصل إلى سفيان حتى التقى سفيان مع شبيب وكان شبيب قد أقام بكرمان فاستراح هو وأصحابه ثم أقبل راجعًا فالتقى مع سفيان بجسر دجيل الأهواز فعبر شبيب الجسر إلى سفيان فوجد سفيان قد نزل في الرجال وجعل مهاصر بن سيف على الخيل.
واقبل شبيب في ثلاثة كراديس فاقتتلوا أشد قتال ورجع شبيب إلى المكان الذي كان فيه ثم حمل عليهم هو وأصحابه أكثر من ثلاثين حملة ولا يزول أهل الشام وقال لهم سفيان: لا تتفرقوا وليزحف إليهم الرجال زحفًا.
فما زالوا بضاربونهم ويطاعنونهم حنى اضطروهم إلى الجسر.
فلما انتهى شبيب إلى الجسر نزل ونزل معه نحو مائة فقاتلوهم حتى المساء وأوقعوا بأهل الشام من الضرب والطعن ما لم يروا مثله.
فلما رأى سفيان عجزه عنهم وخاف أن ينصروا عليه أمر الرماة أن يرموهم وذلك عند المساء وكانوا ناحية فتقدموا ورموا شبيبًا ساعة فحمل هو وأصحابه على الرماة فقتلوا منهم أكثر من ثلاثين رجلًا ثم أعطف على سفيان ومن معه فقاتلهم حتى اختلط الظلام ثم انصرف فقال سفيان لأصحابه: لا تتبعوهم.
فلما انتهى شبيب إلى الجسر قال لأصحابه: اعبروا وإذا أصبحنا باكرناهم إن شاء الله.
فعبروا أمامه وتخلف في آخرهم وجاء ليعبر وهو على حصان وكانت بين يديه فرس أنثى فنزا فرسه عليها وهو على الجسر فاضطربت الحجر تحته ونزل حافر فرس شبيب على حرف السفينة فسقط في الماء فلما سقط قال: «ذاك تقدير العزيز العليم» «الأنعام: 96» . وغرق.
وقيل في قتله غير ذلك وهو أنه كان مع جماعة من عشيرته ولم تكن لهم تلك البصيرة النافذة وكان قد قتل من عشائرهم رجالًا فكان قد أوجع قلوبهم وكان منهم رجل اسمه مقاتل من بني تيم بن شيبان فلما قتل شبيب من بني تيم أغار هو على بني مرة بن همام رهط شبيب فقتل منهم فقال له شبيب: ما حملك على قتلهمبغير أميري فال: له: قتلت كفار قومي فقتلت كفار قومك ومن ديننا قتل من كان على غير رأينا وما أصبت من رهطي أكثر مما أصبت من رهطك وما يحل لك يا أمير المؤمنين أن تجد على قتل الكافرين.
قال: لا أجد.
وكان معه أيضًا رجال كثير قد قتل من عشائرهم فلما تخلف في آخر الناس قال بعضهم لبعض: هل لكم أن تقطع به الجسر فندرك ثأرنا فقطعوا الجسر فمالت به السفن فنفر به الفرس فوقع في الماء فغرق.
والأول أصح وأشهر.
وكان أهل الشام يريدون الانصراف فاتاهم صاحب الجسر فقال لسفيان: إن رجلًا منهم وقع في الماء فنادوا بينهم: غرق أمير المؤمنين! ثم إنهم انصرفوا راجعين وتركوا عسكرهم ليس فيه أحد فكبر سفيان وكبر أصحابه وأقبل حتى انتهى إلى الجسر وبعث إلى العسكر وإذا ليس
فيه أحد وإذا هو أكثر العساكر خيرًا ثم استخرجوا شبيبًا فشقوا جوفه وأخرجوا قلبه وكان صلبًا كأنه صخرة فكان يضرب به الصخرة فيشبب عنها قامة الإنسان.
قيل: وكان شبيب ينعى إلى أمه فيقال: قتل فلا تقبل ذلك فلما قيل لها غرق صدقت ذلك وقالت: إني رأيت حين ولدته أنه خرج مني شهاب نار فعلمت أنه لا يطفئه إلا الماء.
وكانت أمه جارية رومية قد استراها أبوه فأولدها شبيبًا منه سنة خمس وعشرين يوم النحر وقالت: إني رأيت فيما يرى النائم أنه خرج من قلبي شهاب نار فذهب ساطعًا في السماء وبلغ الآفاق كلها فبينما هو كذلك إذ وقع في ماء كثير فخبا وقد ولدته في يومكم هذا الذي تهريقون فيه الدماء وقد أولت ذلك أن ولدي يكون صاحب دماء وأن أمره سيعلو فيعظم سريعًا.
وكان أبوه يختلف به إلى اللصف أرض قومه وهو من بني شيبان.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق