إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 6 أبريل 2016

46 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الاول ذكر ملك بهرام بن يزدجرد الأثيم


46

الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الاول

ذكر ملك بهرام بن يزدجرد الأثيم
 

لما ولد يزدجرد بهرام جور اختار لحضانته العرب فدعا بالمنذر بن النعمان واستحضنه بهرام وشرفه وكرمه وملكه على العرب فسار به المنذر واختار لرضاعه ثلاث نسوة ذوات أجسام صحيحة وأذهان ذكية وآداب حسنة من بنات الأشراف منهن عربيتان وعجمية فأرضعنه ثلاث سنين‏.‏ فلما بلغ خمس سنين أحضر له مؤدبين فعلموه الكتابة والرمي والفقه بطلب من بهرام بذلك وأحضر حكيمًا من حماء الفرس بتعلم ووعى كل ما علمه بأدنى تعليم‏.‏

فلما بلغ اثنتي عشرة سنة تعلم كل ما أفيد وفاق معلميه فأمرهم المنذر بالانصراف وأحضر معلمي الفروسية فأخذ عنهم كل ما ينبغي له ثم صرفهم‏.‏

ثم أمر فأحضرت خيل العرب للسباق فسبقها فرس أشقر للمنذر وأقبل باقي الخيل بداد بداد فقرب المنذر الفرس بيده إليه فقبله وركبه يومًا للصيد فبصر بعانة حمرٍ وحش فرمى عليها وقصدها وإذا هو بأسد قد أخذ عيرًا منها فتناول ظهره بفيه فرماه بهرام بسهم فنفذ في الأسد والعير ووصل إلى الأرض فساخ السهم إلى ثلثه فرآه من معه فعجبوا منه ثم أقبل على الصيد واللهو والتلذذ‏.‏

فمات أبوه وهو عند المنذر فتعاهد العظماء وأهل الشرف على أن لا يملكوا أحدًا من ذرية يزدجرد لسوء سيرته فاجتمعت الكلمة على صرف الملك عن بهرام لنشوئه في العرب وتخلقه بأخلاقهم ولأنه من ولد يزدجرد وملكوا رجلًا من عقب أردشير بن بابك يقال له كسرى‏.‏

فانتهى هلاك يزدجرد وتمليك كسرى إلى بهرام فدعا بالمنذر وابنه النعمان وناس من أشراف العرب وعرفهم إحسان والده إليهم وشدته على الفرس وأخبرهم الخبر‏.‏

فقال المنذر‏:‏ لا يهولنك ذلك حتى ألطف الحيلة فيه وجهز عشرة آلاف فارس ووجههم مع ابنه النعمان إلى طيسفون وبهرسير مدينتي الملك وأمره أن يعسكر قربًا منهما ويرسل طلائعه إليهما وأن يقاتل من قاتله ويغير على البلاد ففعل ذلك وأرسل عظماء فارس حوابى صاحب رسائل يزدجرد إلى المنذر يعلمه أمر النعمان فلما ورد حوابى قال له‏:‏ الق الملك بهرام‏.‏

فدخل عليه فراعه ما رأى منه فأغفل السجود دهشا فعرف بهرام ذلك فكلمه ووعده أحسن الوعد ورده إلى المنذر وقال له‏:‏ أجبه‏.‏

فقال له‏:‏ إإن الملك بهرام أرسل النعمان إلى ناحيتكم حيث ملكه الله بعد أبيه‏.‏

فلما سمع حوابى مقالة المنذر وتذكر ما رأى من بهرام علم أن جميع من تشاور في صرف الملك عن بهرام محجوج فقال للمنذر‏:‏ سر إلى مدينة الملوك فيجتمع إليك الأشراف والعظماء وتشاوروا في ذلك فلن يخالفوا ما تشير به‏.‏

وسار المنذر بعد عود حوابي من عنده بيوم في ثلاثين ألفًا من فرسان العرب إلى مدينتي الملك بهرام فجمع الناس وصعد بهرام على منبر من ذهب مكلل بالجوهر وتكلم عظماء الفرس فذكروا فظاظة يزدجرد أبي بهرام وسوء سيرته وكثرة قتله وإخراب البلاد وأنهم لهذا السبب صرفوا الملك عن ولده‏.‏

فقال بهرام‏:‏ لست أكذبكم وما زلت زاريًا عليه ذلك ولم أزل أسأل الله أن يملكني لأصلح ما أفسد ومع هذا فإذا أتى على ملكي سنة ولم اف بما أعد تبرأت من الملك طائعًا وأنا راضٍ بأن تجعلوا التاج وزينة الملك بين أسدين ضاريين فمن تناولهما كان الملك له‏.‏

فأجابوه إلى ذلك ووضعوا التاج والزينة بين أسدين وحضر موبذان موبذ فقال بهرام لكسرى‏:‏ دونك التاج والزينة‏.‏فقال كسرى‏:‏ أنت أولى لأنك تطلب الملك بوراثة وأنا فيه مغتصب‏.‏

فحمل بهرام جرزًا وتوجه نحو التاج فبدر إليه أحد الأسدين فوثب بهرام فعلًا ظهره وعصر جنبي الأسد بفخذيه وجعل يضرب رأسه بالجزر الذي معه ثم وثب الأسد الآخر عليه فقبض أذنيه بيده ولم يزل يضرب رأسه برأس الأسد الآخر الذي تحته حتى دمغهما ثم قتلهما بالجزر الذي معه وتناول بعد ذلك التاج والزينة‏.‏

فكان أول من أطاعه كسرى وقال جميع من حضر‏:‏ قد أذعنا لك ورضينا بك ملكًا وإن العظماء والوزراء والأشراف سألوا المنذر ليكلم بهرام في العفو عنهم‏.‏

فسأل المنذر الملك بهرام ذلك فأجابه‏.‏

وملك بهرام وهو ابن عشرين سنة وأمر أن يلزم رعيته راحة ودعة وجلس للناس يعدهم بالخير ويأمرهم بتقوى الله ولم يزل مدة ملكه يؤثر اللهو على ما سواه حتى طمع فيه من حوله من الملوك في بلاده وكان أول من سبق إلى قصده خاقان ملك الترك فإنه غزاه في مائتي ألف وخمسين ألفًا من الترك فعظم ذلك على الفرس ودخل العظماء على بهرام وحذروه فتمادى في لهوه ثم تجز وسار إلى أذربيجان ليتنسك في بيت نارها ويتصيد بأمنيته في سبعة رهط من العظماء وثلاثمائة من ذوي البأس والنجدة واستخلف أخاه نرسي فما شك الناس في أنه هرب من عدوه فاتفق رأي جمهورهم على الانقياد إلى خاقان وبذل الخراج له خوفًا على نفوسهم فبلغ ذلك خاقان فأمن ناحيتهم وسار بهرام من أذربيجان إلى خاقان في تلك العدة فثبت للقتال وقتل خاقان بيده وقتل جنده وانهزم من سلم من القتل وأمعن بهرام في طلبهم يقتل ويأسر ويغنم ويسبي وعاد وجنده سالمين وظفر بتاج خاقان وإكليله وغلب على طرف من بلاده واستعمل عليها مرزبانًا وأتاه رسل الترك خاضعين مطيعين وجعلوا بينهم حدًا لا يعدونه وأرسل إلى ما وراء النهر قائدًا من قواده فقتل وسبى وغنم وعاد بهرام إلى العراق وولى أخاه نرسي خراسان وأمره أن ينزل مدينة بلخ‏.‏

واتصل به أن بعض رؤساء الديلم جمع جمعًا كثيرًا وأغار على الري وأعمالها فغنم وسبى وخرب البلاد وقد عجز أصحابه في الثغر عن دفعه وقد قرروا عليهم إتاوة يدفعونها إليه فعظم ذلك عليه وسير مرزبانًا إلى الري في عسكر كثيف وأمره أن يضع على الديلمي من يطمعه في البلاد ويغريه بقصدها ففعل ذلك فجمع الديلمي جموعه وسار إلى الري فأرسل المرزبان إلى بهرام جور يعلمه خبره فكتب إليه يأمره بالمسير نحو الديلمي والمقام بموضع سماه له ثم سار جريدة في نفر من خواصه فأدرك عسكره بذلك المكان والديلمي لا يعلم بوصوله وهو قد قوي طمعه لذلك فعبى بهرام أصحابه وسار نحو الديلم فلقيهم وباشر القتال بنفسه فأخذ رئيسهم أسيرًا وانهزم عسكره فأمر بهرام بالنداء فيهم بالأمان لمن عاد إليه فعاد الديلم جميعهم فآمنهم ولم يقتل منهم أحدًا وأحسن إليهم وعادوا إلى أحسن طاعة وأبقى على رئيسهم وصار من خواصه‏.‏

وقيل‏:‏ كانت هذه الحادثة قبل حرب الترك والله أعلم‏.‏

ولما ظفر بالديلم أمر ببناء مدينة سماها فيروز بهرام فبنيت له هي ورستاقها‏.‏

واستوزر نرسي فأعلمه أنه ماضٍ إلى الهند متخفيًا فسار إلى الهند وهو لا يعرفه أحد غير أن الهند يرون شجاعته وقتله السباع‏.‏

ثم إن فيلًا ظهر وقطع السبيل وقتل خلقًا كثيرًا فاستدل عليه فسمع الملك خبره فأرسل معه من يأتيه بخبره‏.‏

فانتهى بهرام والهندي معه إلا الأجمة فصعد الهندي شجرة ومضى بهرام فاستخرج الفيل وخرج وله صوت شديد فلما قرب منه رماه بسهم بين عينيه كاد يغيب ووقذه بالنشاب وأخذ مشفره ولم يزل يطعنه حتى أمكن من نفسه فاحتز رأسه وأخرجه‏.‏

وأعلم الهندي ملكهم بما رأى فأكرمه وأحسن إليه وسأله عن حاله فذكر أن ملك فارس سخط عليه فهرب إلى جواره وكان لهذا الملك عدو فقصده فاستسلم الملك وأراد أن يطيع ويبذل الخراج فنهاه بهرام وأشار بمحاربته فلما التقوا قال لأساورة الهندي‏:‏ احفظوا لي ظهري ثم حمل عليهم فجعل يضرب في أعراضهم ويرميهم بالنشاب حتى انهزموا وغنم أصحاب بهرام ما كان في عسكر عدوه فأعطى بهرام الدبيل ومكران وأنحكه ابنته فأمر بتلك البلاد فضمت إلى مملكة الفرس‏.‏

وعاد بهرام مسرورًا وأغزى نرسي بلاد الروم في أربعين ألفًا وأمره أن يطالب ملك الروم بالإتاوة فسار إلى القسطنطينية فهادنه ملك الروم فانصرف بكل ما أراد إلى بهرام‏.‏

وقيل‏:‏ إنه لما فرغ من خاقان والروم سار بنفسه إلى بلاد اليمن ودخل بلاد السودان فقتل مقاتلتهم وسبى لهم خلقًا كثيرًا وعاد إلى مملكته‏.‏

ثم إنه في آخر ملكه خرج إلى الصيد فشد على عنز فأمعن في طلبه فارتطم في جب فغرق فبلغ والدته ذلك فسارت إلى ذلك الموضع وأمرت بإخراجه فنقلوا من الجب طينًا كثيرًا حتى صار إكامًا عظامًا ولم يقدروا عليه‏.‏

وكان ملكه ثماني عشرة سنة وعشرة أشهر وعشرين يومًا وقيل‏:‏ ثلاثًا وعشرين سنة‏.‏

هكذا ذكر أبو جعفر في اسم بهرام جور أن أباه أسلمه إلى المنذر بن النعمان كما تقدم وذكر عند يزدجرد الأثيم أنه سلم ابنه بهرام إلى النعمان بن امرئ القيس ولا شك أن بعض العلماء قال هذا وبعضهم قال ذلك إلا أنه لم ينسب كل قول إلى قائله‏.‏لما لبس التاج جلس للناس ووعدهم وذكر أباه ومناقبه وأعلمهم أنهم إن فقدوا منه طول جلوسه لهم فإن خلوته في مصالحهم وكيد أعدائهم وأنه قد استوزر نرسي صاحب أبيه‏.‏

وعدل في رعيته وقمع أعداءه وأحسن إلى جنده وكان له ابنان يقال لأحدهما هرمز وللآخر فيروز وكان لهرمز سجستان فغلب على الملك بعد هلاك أبيه يزدجرد فهرب فيروز ولحق ببلاد الهياطلة واستنجد ملكهم فأمده بعد أن دفع إليه الطالقان فأقبل بهم فقتل أخاه بالري وكانا من أم واحدة وقيل لم يقتله وإنما أسره وأخذ الملك منه‏.‏

وكان الروم منعوا الخراج عن يزدجرد فوجه إليهم نرسي في العدة التي أنفذه أبوه فيها فبلغ إرادته‏.‏

وكان ملك يزدجرد ثماني عشرة سنة وأربعة أشهر وقيل تسع عشرة سنة‏.‏



يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق