45
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الاول
ذكر ملك يزدجرد الأثيم بن بهرام بن سابور ذي الأكتاف
ومن أهل العلم من يقول إن يزدجرد هذا هو أخو بهرام كرمان شاه بن سابور لا ابنه وكان فظًا غليظًا ذا عيوب كثيرة يضع الشيء في غير مواضعه كثير الرؤية في الصغائر واستعمال كل ما عنده في المواربة والدهاء والمخاتلة مع فطنة بجهات الشر وعجب به وكان غلقًا سيئ الخلق لا يغفر الصغيرة من الزلات ولا يقبل شفاعة أحد من الناس وإن كان قريبًا منه كثير التهمة ولا يأتمن أحدًا على شيء ولم يكن يكافئ أحدًا على حسن البلاء وإن هو أولى الخسيس من العرف استعظمه وإذا بلغه أن أحدًا من أصحابه صافى أحدًا من أهل صناعته نحاه عن خدمته.
وكان فيه مع ذلك ذكاء ذهن وحسن أدب وقد مهر في صنوف من العلم واستوزر نرسي حكيم زمانه وكان فاضلًا قد كمل أدبه ولقبه هزار بيده فأمل الناس أن يصلح نرسي منه فكان ما أملوه بعيدًا.
فلما استوى له الملك واشتدت شوكته هابته الأشراف والعظماء وحمل على الضعفاء فأكثر من سفك الدماء.
فلما ابتليت الرعية به شكوا ما نزل بهم منه إلى الله تعالى وسألوه تعجيل إنقاذهم منه فزعموا أنه كان بجرجان فرأى ذات يوم في صره فرسًا عائرًا لم ير مثله فأخبر به فأمر أن يسرج ويلجم ويدخل عليه فلم يقدر أحد على ذلك فأعلم بذلك فخرج إليه بنفسه وألجمه بيده وأسرجه فلما رفع ذنبه ليثفره رمحه على فؤاده رمحة هلك منها مكانه وملأ الفرس فروجه جريًا ولم يعلم له خبر وكان ذلك من صنع الله ورأفته بهم.
وكان ملكه اثنتين وعشرين سنة وخمسة أشهر وستة عشر يومًا.وأما العرب فقيل إنه لما هلك عمرو بن امرئ القيس البدء بن عمرو ابن عدي في عهد سابور استخلف سابور على عمله أوس بن قلام وهو من العماليق فملك خمس سنين وقتل في عهد بهرام بن سابور ساستخلف بعده في عمله امرؤ القيس بن عمرو بن امرئ القيس البدء فبقي خمسًا وعشرين سنة وهلك أيام يزدجرد الأثيم فاستخلف بعده في عمله ابنه النعمان وأمه شقيقة ابنة أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان وهو صاحب الخورنق.
وسبب بنائه له أن يزدجرد الأثيم كان لا يبقى له ولد فسأل عن منزل مريء صحيح فدل على ظاهرة الحيرة فدفع ابنه بهرام جور إلى النعمان هذا وأمره ببناء الخورنق مسكنًا له وأمره بإخراجه إلى بوادي العرب وكان الذي بنى الخورنق رجلًا اسمه سنمار.
فلما فرغ من بنائه تعجبوا منه فقال: لو علمت أنكم توفونني أجري لعملته يدور مع الشمس.
فقال: وإنك لتقدر على ما هو أفضل منه! ثم أمر به فألقي من رأس الخورنق فهلك فضربت العرب بجزائه المثل وهو مذكور في أشعارها.
وغزا النعمان هذا الشام مرارًا وأكثر المصائب في أهلها وسبى وغنم وجعل معه ملك فارس كتيبتين يقال لإحداهما دوس وهي لتنوخ وللأخرى الشهباء وهي لفارس فكان يغزو بهما الشام ومن لم يطعه من العرب.
ثم إنه جلس يومًا في مجلسه من الخورنق فأشرف منه على النجف وما يليه من البساتين والأنهار في يوم من أيام الربيع فأعجبه ذلك فقال لوزيره: هل رأيت مثل هذا المنظر قط قال: لا لو كان يدوم.
قال: فما الذي يدوم قال: ما عند الله في الآخرة.
قال: فبم ينال ذلك قال: بتركك الدنيا وعبادة الله.
فترك ملكه من ليلته ولبس المسوح وخرج هاربًا لا يعلم به فأصبح الناس فلم يروه.
وكان ملكه إلى أن تركه وساح تسعًا وعشرين سنة وأربعة أشهر من ذلك في أيام يزدجرد خمس عشرة سنة وفي زمن بهرام جور بن يزدجرد أربع عشرة سنة.
وأما علماء الفرس فإنهم يقولون غير هذا وسيرد ذكره.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق