15
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الثالث
يوم الشرعبية
ثم التقوا بالشرعبية وعلى قيس عمير بن الحباب وعلى تغلب وألفافها ابن هرير فكان بينهم قتال شديد قتل يومئذٍ عمار بن المهزم السلمي وكان لتغلب على قيس قال الأخطل: ولقد بكى الجحاف لما أوقعت بالشرعبية إذ رأى الأهوالا يعني أوقعت الخيل.
والشرعبية: من بلاد تغلب.
والشرعبية أيضًا: ببلاد منبج فبعضهم يقول: إن هذه الوقعة كانت ببلاد منبج وذلك خطأ.
يوم البليخ واجتمعت تغلب وسارت إلى البليخ وهناك عمير في قيس والبليخ نهر بين حران والرقة فالتقوا وانهزمت تغلب وكثر القتل فيها وبقرت بطون النساء كما فعلوا يوم الثرثار فقال ابن صفار: زرق الرماح ووقع كل مهندٍ زلزلن قلبك بالبليخ فزالا يوم الحشاك ومقتل عمير بن الحباب السلمي وابن هوبر التغلبي لما رأت تغلب إلحاح عمير بن الحباب عليها جمعت حاضرتها وباديتها وساروا إلى الحشاك وهو تل قريب من الشرعبية وإلى جنبه براق ودلف إليه عمير في قيس ومعه زفر بن الحارث الكلائي وابنه الهذيل بن زفر وعلى تغلب ابن هوبر واقتتلوا عند تل الحشاك أشد قتال وأبرحه حتى جن عليهم الليل ثم تفرقوا واقتتلوا من الغد إلى الليل ثم تحاجزوا.
وأصبحت تغلب في اليوم الثالث فتعاقدوا أن لا يفروا فلما رأى عمير حدهم وان نساءهم معهم قال لقيس: يا قوم أرى لكم أن تنصرفوا عن هؤلاء فإنهم مستقتلون فإذا اطمأنوا وصاروا إلى سرحهم وجهنا إلى كل قوم منهم من يغير عليهم.
فقال له عبد العزيز بن حاتم بن النعمان الباهلي: قتلت فرسان قيس أمس وأول أمس ثم ملئ سحرك وجبنت! ويقال: إن عيينة بن أسماء بن خارجة الفزاري قال له ذلك وكان أتاه منجدًا فغضب عمير وقال: كأني بك وقد حمس الوغى أول فار! فنزل عمير وجعل يقاتل راجلًا وهو يقول: أنا عمير وأبو المغلس قد أحبس القوم بضنك فاحبس وانهزم زفر يومئذ وهو اليوم الثالث فلحق بقرقيسيا وذلك أنه بلغه أن عبد الملك بن مروان قد عزم على الحركة غليه بقرقيسيا فبادر للتأهب وقيل: إنه ادعى ذلك حين فر اعتذارًا وانهزمت قيس وركبت تغلب ومن معها أكتافهم وهم يقولون: أن تعلمون أن تغلب تغلب وشد على عمير جميل بن قيس من بن زهير فتله وقيل: بل تغاوى على عمير غلامان من بني وأصابت ابن هوبر يومئذٍ جراحة فلما انقضت الحرب أوصي بني تغلب بأن يولوا أمرهم مراد بن علقمة الزهيري.
وقيل: خرج ابن هوبر في اليوم الثاني من أيامهم هذه الثلاثة وأوصى أن يولوا ظامرهم مرادًا ومات من ليلته وكان مراد رئيسهم في اليوم الثالث فعباهم على راياتهم وأمر كل بني أب أن يجعلوا نساءهم خلفهم فلما أبصرهم عمير قال ما تقدم ذكره قال الشاعر:
أرقت بأثناء الفرات وشفني ** نوائح أبكاها قتيل ابن هوبر
ولم تظلمي أن نحت أم مغلسٍ قتيل النصارى في نوائح حسر
وقال بعض الشعراء ينكر قتل ابن هوبر عميرًا:
وإن عميرًا يوم لاقته تغلب ** قتيل جميل لا قتيل ابن هوبر
وكثر القتل يومئذٍ في بني سليم وغني خاصة وقتل من قيس أيضًا يومئذٍ بشر كثير وبعثت بنو تغلب رأس عمير بن الحباب إلى عبد الملك بن مروان بدمشق فأعطى الوفد وكساهم.
فلما صالح عبد الملك زفر بن الحارث واجتمع الناس عليه قال الأخطل: بني أمية قد تناضلت دونكم أبناء قومٍ هم آووا وهم نصروا وقيس عيلان حتى أقبلوا رقصًا فبايعوا لك قسرًا بعدما قهروا في أبيات كثيرة.
فلما قتل عمير بن الحباب وقف رجل على أسماء بن خارجة الفزاري بالكوفة فقال: قتلت بنو تغلب عمير بن الحباب.
فقال: لا بأس إنما قتل الرجل في ديار القوم مقيلًا غير مدبر ثم قال: يدي رهن على سليمٍ بغارةٍ تشيب لها أصداغ بكر بن وائل وتترك أولاد الفدوكس عالةً يتامى أيامى نهزة للقبائل يوم الكحيل وهو من أرض الموصل في جانب دجلة الغربي.
وسببه أنه لما قتل عمير بن الحباب السلمي أتى تميم بن عمير زفر بن الحارث فسأله أن يطلب له بثأره فامتنع فقال الهذيل بن زفر لأبيه: والله لئن ظفرت بهم تغلب إن ذلك لعار عليك ولئن ظفروا بتغلب وقد خذلتهم إن ذلك لأشد.
فاستخلف زفر على قرقيسيا أخاه أوس ين الحارث وعزم على أن يغير على بني تغلب وغزوهم فوجه خيلًا إلى بني فدوكس بطن من تغلب فقتل رجالهم واستبيحت أموالهم ونساؤهم حتى لم يبق غير إمرأة واحدة استجارت فأجارها يزيد من حمران.
ووجه زفر بن الحارث ابنه الهذيل في جيش إلى بني كعب بن زهير فقتل فيهم قتلًا ذريعًا وبعث زفر أيضًا مسلم بن ربيعة العقيلي إلى قوم تغلب مجتمعين فأكثر فيهم القتل.
ثم قصد زفر لبني تغلب وقد اجتمعوا بالعقيق من أرض الموصل فلما أحست به ارتحلت تريد عبور دجلة فلما صارت بالكحيل لحقهم زفر في القيسية فاقتتلوا قتالًا شديدًا وترجل أصدار زفر أجمعون وفي زفر على بغل له فقتلوهم ليلتهم وبقروا بطون نساء منهم وغرق في دجلة أكثر ممن قتل بالسيف فأتى فلهم لبى فوجه زفر ابنه الهذيل فأوقع بهم إلا من عبر فنجا وأسر زفر منهم مائتين فتقلهم صبرًا فقال زفر: ألا ياعين بكي بانكساب وبكي عاصمًا وابن الحباب فإن تك تغلب قتلت عميرًا ورهطًا من غني في الحراب فقد أفنى بني جسم بن بكر ونمرهم فوارس من كلاب قتلنا منهم مائتين صبرًا وما عدلوا عمير بن الحباب وقال ابن صفار المحاربي: أم ترح حبربنا تركت حبيبًا محالفها المذلة والصغار وقد كانوا أولي عزٍ فأضحوا وليس لهم من الذل انتصار وأسر القطامي التغلبي في يوم من أيامهم وأخذ ماله فقام زفر بأمره حتى رد عليه ماله ووصله فقال فيه: إني وإن كان قومي ليس بينهم وبين قومك إلا ضربة الهادي مثن عليك بما أوليت من حسنٍ وقد تعرض لي من مقتلٍ بادي حبيح الذي في الشعر هو بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وهو في نسب بني تغلب.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق