103
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الاول
يوم الفجار الأول للأنصار وليس بفجار كنانة وقيس
فلما قتلت الأوس الغلمان جمع الخزرج وحشدوا والتقوا بالحدائق وعلى الخزرج عبد الله بن أبي بن سلول وعلى الأوس أبو قيس بن الأسلت فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى كاد بعضهم يفنى بعضًا.
وسمى ذلك اليوم يوم الفجار لغدرهم بالغمان وهو الفجار الأول فكان قيس بن الخطيم في حائط له فانصرف فوافق قومه قد برزوا للقتال فعجز عن أخذ سلاحه إلا السيف ثم خرج معهم فعظم مقامه يومئذ وأبلى بلاء حسنًا وجرح جراحة شديدة فمكث حينًا يتداوى منها وأمر أن يحتمي عن الماء فلذلك يقول عبد الله بن رواحة: رميناك أيّام الفجار فلم تزل حميًّا فمن يشرب فلست بشارب يوم معبس ومضرس ثم التقوا عند معبس ومضرس وهما جداران فكانت الخزرج وراء مضرس وكانت الأوس وراء معبس فأقاموا أيامًا يقتتلون قتالًا شديدًا ثم انهزمت الأوس حتى دخلت البيوت والآطام وكانت هزيمة قبيحة لم ينهزموا مثلها.
ثم إن بني عمرو بن عوف وبني أوس مناة من الأوس وادعوا الخزرج فامتنع من الموادعة بنو عبد الأشهل وبنو ظفر وغيرهم من الأوس وقالوا: لا نصالح حتى ندرك ثأرنا من الخزرج.
فألحت الخزرج عليهم بالأذى والغارة حين وادعهم بنو عمرو بن عوف وأوس مناة فعزمت الأوس إلا من ذكرنا على الانتقال من المدينة فأغارت بنو سلمة على مال لبني عبد الأشهل يقال له الرعل فقاتلوهم عليه فجرح سعد بن معاذ الأشهلي جراحة شديدة واحتمله بنو سلمة إلى عمرو بن الجموح الخزرجي فأجاره وأجار الرعل من الحريق وقطع الأشجار فلما كان يوم بعاث جازاه سعد على نذكره إن شاء الله.
ثم سارت الأوس إلى مكة لتحالف قريشًا على الخزرج وأظهروا أنهم يريدون العمرة.
وكانت عادتهم أنه إذا أراد أحدهم العمرة أو الحج لم يعرض إليه خصمه ويعلق المعتمر على بيته كرانيف النخل.
ففعلوا ذلك وساروا إلى مكة فقدموها وحالفوا قريشًا وأبو جهل غائبٌ.
فلما قدم أنكر ذلك وقال لقريش: أما سمعتم قول الأول: ويل للأهل من النازل! إنهم لأهل عدد وجلد ولقل ما نزل قوم على قوم إلا أخرجوهم من بلدهم وغلبوهم عليه.
قالوا: فما المخرج من حلفهم قال: أنا أكفيكموهم ثم خرج حتى جاء الأوس فقال: إنكم حالفتم قومي وأنا غائب فجئت لأحالفكم وأذكر لكم من أمرنا ما تكونون بعده علظ على رأس أمركم.
إنا قوم تخرج إماؤنا إلى أسواقنا ولا يزال الرجل منا يدرك الأمة فيضرب عجيزتها فإن طابت أنفسكم أن تفعل نساؤكم مثل ما تفعل نساؤنا خالفناكم وإن كرهتم ذلك فردوا إلينا حلفنا.
فقالوا: لا نقر بهذا.
وكانت الأنصار بأسرها فيهم غيرة شديدة فردوا إليهم حلفهم وساروا إلى بلادهم فقال حسان بن ثابت يفتخر بما أصاب قومه من الأوس: ألا أبلغ أبا قيس رسولا إذا ألقى لها سمعًا تبين يدين لها العزيز إذا رآها ويهرب من مخافتها القطين تشيب الناهد العذراء منها ويسقط من مخافتها الجنين يطوف بكم من النجّار أسدٌ كأسد الغيل مسكنها العرين يظلّ الليث فيها مستكينًا تله في كلّ ملتفت أنين كأنّ بهاءها للناظريها من الأثلات والبيض الفتين كأنّهم من الماذي عليهم جمالٌ حين يجتلدون جون فقد لاقاك قبل بعاث قتلٌ وبعد بعاث ذلٌّ مستكين وهي طويلة أيضًا.
يوم الفجار الثاني للأنصار كانت الأوس قد طلبت من قريظة والنضير أن يحالفوهم على الخزرج فبلغ ذلك الخزرج فأرسلوا إليهم يؤذنونهم بالحرب فقالت اليهود: إنا لا نريد ذلك فأخذت الخزرج رهنهم وعلى الوفاء وهم أربعون غلامًا من فريظة والنضير ثم إن يزيد بن فسحم شرب يومًا فسكر فتغنى بشعر يذكر فيه ذلك: إذا ما امرؤٌ منهم أساء عمارة بعثنا عليهم من بني العير جادعا فأمّا الصريخ منهم فتحمّلوا وأمّا اليهود فاتخذنا بضائعا أخذنا من الأولى اليهود عصابةً لغدرهم كانوا لدينا ودائعا فذلّوا لرهنٍ عندنا في حبالنا مصانعة يخشون منّا القوارعا وذاك بأنّا حين نلقى عدوّنا نصول بضربٍ يترك العز خاشعا فبلغ قوله قريظة والنضير فغضبوا.
وقال كعب بن أسد: نحن كما قال: إن لم نغر فخالف الأوس على الخزرج.
فلما سمعت الخزرج بذلك قتلوا كل من عندهم من الرهن من أولاد قريظة والنضير فأطلقوا نفرًا منهم: سليم ابن أسد القرظي جد محمد بن كعب بن سليم.
واجتمعت الأوس وقريظة والنضير على حرب الخزرج فاقتتلوا قتالًا شديدًا وسمي ذلك الفجار الثاني لقتل الغلمان من اليهود.
وقد قيل في قتل الغلمان غير هذا وهو: إن عمرو بن النعمان البياضي الخزرجي قال لقومه بني بياضة: إن أباكم أنزلكم منزلة سوء والله لا يمس رأسي ماء حتى أنزلكم منازل قريظة والنضير أو أقتل رهنهم! وكانت منازل قريظة والنضير خير البقاع فأرسل إلى قريظة والنضير: إما أن تخلوا بيننا وبين دياركم وإما أن نقتل الرهن.
فهموا بأن يخرجوا من ديارهم فقال لهم كعب بن أسد القرظي: يا قوم امنعوا دياركم وخلوه يقتل الغلمان ما هي إلا ليلةٌ يصيب فيها أحدكم امرأة حتى يولد له مثل أحدهم.
فأرسلوا إليهم إنا لا ننتقل عن ديارنا فانظروا في رهننا فعوا لنا.
فعدا عمرو ابن النعمان على رهنهم فقتلهم وخالفه عبد الله بن أبي بن سلول فقال: هذا بغي وإثم ونهاه عن قتلهم وقتال قومه من الأوس وقال له: كأني بك وقد حملت قتيلًا في عباءة يحملك أربعة رجال.
فلم يقتل هو ومن أطاعه أحدًا من الغلمان وأطلقوهم ومنهم: سليم بن أسد جد محمد بن كعب.
وحالفت حينئذ قريظة والنضير الأوس على الخزرج وجرى بينهم قتال سمي ذلك اليوم يوم الفجار الثاني.
وهذا القول أشبه بأن يسمى اليوم فجارًا وأما على القول الأول فإنما قتلوا الرهن جزاء للغدر من اليهود فليس بفجار من الخزرج إلا أن يسمى فجارًا لغدر اليهود.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق