إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 1 مايو 2014

1356 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> إنجلترة المرحة -> الرجل في عهد إليزابث 8- الرجل في عهد إليزابث





1356


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> إنجلترة المرحة -> الرجل في عهد إليزابث

8- الرجل في عهد إليزابث


كيف نفهم الرجل الإنجليزي على عهد إليزابث من المواطن البريطاني المزعوم أنه رزين صامت، والذي عهدناه في شبابنا، وهل يمكن أن يكون الخلق القومي من صنع الزمان والمكان والتغير؟ لقد اعترضت البيوريتانية والميثودية (المنهجية-حركة إصلاح الكنيسة الإنجليزية في النصف الأول من القرن الثامن عشر) بين العصرين والنمطين: قرون سادت فيها مدارس ايتون، وهارو، ورجبي، وعهود الغزاة الطائشين الذين يخمدون أنفاس الناس حين يسيطرون.
لقد كان الرجل الإنجليزي في عهد إليزابث سليل النهضة تماماً. وفي ألمانيا قهر الإصلاح الديني النهضة، وفي فرنسا نبذت النهضة الإصلاح الديني. وفي إنجلترا اندمجت الحركتان كلتاهما. فقد انتصر الإصلاح الديني في حكم إليزابث، وانتصرت النهضة في شخصها هي. وكان ثمة بعض البيوريتانيين من ذوي الحس المتلبد، ولو لم يكونوا صامتين، ولكنهم لم يطرقوا الباب. ولكن كان الرجل المهيمن في ذاك العصر شعلة من نشاط، متحرراً من المبادئ والتعاليم والعوائق العتيقة، ولو لم يكن مرتبطاً بشيء جديد بعد، ولم يكن ثمة حدود لطموحه وأطماعه، وكان متطلعاً إلى تنمية قدراته، لا يقعده شيء عن المرح، يتذوق الآداب إذا كانت تنبض بالحياة، ميالاً إلى العنف في العمل وفي الحديث، ولكنه، وسط


كلامه المنمق الطنان ورذائله وقساوته، يجاهد ليكون سيداً مهذباً. وتأرجح مثله العلي بين صفات الكياسة والمجاملة واللطف المحببة إلى النفوس والتي ذكرها كاستليوني في كتابه "رجل البلاط" وبين ما جاء به ميكيافللي في كتابه "الأمير" من لا أخلاقيات لا تعرف الرحمة إليها سبيلاً. لقد أعجبت بسدني، ولكنه تاق إلى أن يكون مثل دريك.
وشقت الفلسفة طريقها في شرخ العقيدة الدينية المتهاوية. وكانت أحسن العقول في ذاك الزمان هي أشدها ارتباكاً وحيرة. وكانت هناك نفوس محافظة سليمة العقيدة، ونفوس وديعة مجبولة على الجبن، وفي وسط هذا التدفق الذي لا يتوقف كان ثمة رجال أفاضل مثل روجر أسكام. ولكن تلاميذه كانوا في لجة المغامرة. وإليك ما يقوله جبراييل هارفي عن كمبردج:
تعلموا الإنجيل، ولم يعوه أو يحفظوه، والمبدأ المسيحي فاتر ضعيف، وليس ثمة شيء حسن إلا بنسبته إلى شخص ما. وباختصار ألغى قانون الطقوس الرسمي، وأبطل قانون القضاء تماماً من الوجهة العملية، وتخلى الناس عن القانون الأخلاقي، وألح الجميع في طلب الجديد، من الكتب والأزياء والقوانين، وألح بعضهم في طلب سماوات جديدة، وجهنم جديدة أيضاً، وفي كل يوم تظهر آراء جديدة مشكلة حديثاً، في الهرطقة واللاهوت والفلسفة والإنسانية والسلوك.. ولم يكن الشيطان مكروهاً قدر كراهية الناس للبابا(60).
وكان كوبرنيكوس قد قلب العالم، وأطلق الأرض مندفعة هائمة في الفضاء، وجاء جيوردانو برونو إلى أكسفورد 1583 وتحدث عن الفلك الحديث وعن العوالم اللانهائية، وعن الشمس التي تفنى بفعل حرارتها، وعن الكواكب السيارة التي تتلاشى في ضباب ذري. وأحس شعراء مثل جون، أن الأرض تنساب من تحت أقدامهم.
وفي 1595 شرع فلوريو في نشر ترجمته لمونتاني. ولم يكن ثمة شيء يقيني بعد ذلك. وامتلأ الناس بالشك، وكما أن مارلو هو مكيافللي، فان شكسبير هو


مونتاني. وعلى حين شك الرجال العقلاء، كان الشبان الصغار يخططون. وإذا بدا أن السماء ضاعت في سحابة فلسفية، فيمكن الشباب أن يعقدوا العزم على امتصاص الحياة الجافة، ويختبروا كل الحقيقة مهما تكن مميتة، وكل الجمال مهما يكن سريع الزوال، وكل القوة مهما تكن سامة، وهكذا رأى مارلو في فاوست وتامبورلين.
إن انتزاع الأفكار القديمة، وتحرير العقل ليعبران تعبيراً جباراً عن الآمال والأحلام الجديدة، وهما اللذان خلدا عهد إليزابث في إنجلترا. وماذا كان يهمنا من أمر منافستها السياسية، ونزعتها الدينية وانتصاراتها الحربية، إذا انحصر أدب عصرها في تلك الأشياء العابرة، ولم يعبر عن تطلعات النفوس المفكرة في كل عصر. وحيرتها ونياتها. إن كل تأثيرات هذا العصر المثير انتهت إلى نشوة إنجلترا على أيام إليزابث. فان رحلات الغزو والكشف التي وسعت الكرة الرضية والسوق والعقل، وثراء الطبقة المتوسطة الذي وسع مجال المشروعات وأهدافها، والكشف عن الآداب والفنون الوثنية، وجيشان الإصلاح الديني، ونبذ النفوذ البابوي في إنجلترا. والحوار اللاهوتي، تلك التي ساقت الناس عن غير عمد، من العقيدة إلى العقل، والتعليم. والإقبال المتزايد على الكتب والمسرحيات، والسلم الطويل المفيد، ومن ثم التحدي المثير والنصر الباهر على أسبانيا، والتصعيد العظيم في الثقة في قوة الإنسان وفكره، تلك هي كانت الحوافز التي استحقت صعود إنجلترا في مراقي العظمة والمجد، وتلك هي الأصول التي نبت منها شكسبير، وبعد انقضاء نحو قرنين من الزمان منذ عهد تشوسر، اندفعت إنجلترا في لجة من النثر والشعر والدراما والفلسفة، وتحدثت جهراً في شجاعة إلى العالم بأسره.

يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق