1355
قصة الحضارة ( ول ديورانت )
قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> إنجلترة المرحة -> الفن الإنجليزي
7- الفن الإنجليزي
1558 - 1649
لم يكن للفن في هذا العصر شأن يذكر. وأنتج بعض صناع المعادن بعض
المشغولات الفضية الجميلة، مثل مملحة موشين للمائدة، والنوافذ المصبعة الفاخرة مثل الموجودة في كنيسة سان جورج في وندسور. ودخلت صناعة زجاج الزينة الفنيسي حوالي 1560. وفاقت قيمة الأواني المصنوعة من هذا الزجاج قيمة مثيلاتها من الذهب أو الفضة. ولم يكن النحت وصناعة الخزف مشهورتين. وافتتح نيقولا هليارد مدرسة لرسم المنمنمات، ومنحته إليزابث احتكار إخراج رسوم لها بهذا الأسلوب. أما رساموا الأشخاص فقد استقدموا من الخارج. فجاء فدريجو زوتشارو من إيطاليا، وماركس جيرار وابنه الذي يحمل نفس الاسم من الأراضي الوطيئة. وخلف لنا البن صورة مهيبة لوليم سيسل في ثياب متألقة فضفاضة فخمة، وهي التي يرتديها الفرسان الذين يحملون وسام ربطة الساق(56). وفيما عدا هذا لا توجد في إنجلترا لوحات او رسوم عظيمة فيما بين هولبيين، وفانديك.
ولكن العمارة كانت فناً عظيماً في إنجلترا في عهد إليزابث وجيمس. وتكاد تكون علمانية تماماً. وبينما كانت أوربا تناضل من اجل المذاهب الدينية، أهمل الفن الديني كما أهمله السلوك. وفي القرون الوسطى، حين تأصلت جذور أعمق للشعر والفن في السماء، توفرت العمارة على بناء الكنائس، وجعلت من الدور شكلاً من أشكال سجون الحياة. وفي إنجلترا على عهد أسرة التيودور، هجر الدين الحياة إلى السياسة، وذهبت أموال الكنيسة إلى أيد دنيوية، وتحولت إلى صروح مدنية وقصور باذخة، وتبعاً لذلك تغير الطراز. وفي 1563 عاد جون شوت Shute من إيطاليا وفرنسا مسرعاً مع (أفكار) فتروفيوس وبالاديو، وسرليو، ونشر على الفور "الأسس الأولى والهامة للعمارة" يمجد الطرز الكلاسيكية القديمة. ومن ثم أنتقل إلى إنجلترا احتقار إيطاليا للفن القوطي، وكافحت الأعمدة الرأسية القوطية لتجد لها متنفساً وسط أفقيات النهضة التي تطوقها.
إن هذا العصر يستطيع أن يفاخر ببعض المنجزات الجميلة في العمارة المدنية: بوابة الشرف في كلية كايوس، والساحة الرباعية الزوايا بكلية كلار، في كمبردج، ومكتبة بودليان في أكسفورد، وسوق الأوراق المالية في لندن، وإحدى دور القضاء المسماة Middle Temple. ولما كان المحامون منذ أيام ولزي، قد حلوا
محل الأساقفة في إدارة البلاد في إنجلترا، فقد كان من اللائق أن تكون تحفة النهضة المعمارية في عهد إليزابث هي القاعة الكبرى في مدرسة الحقوق التي كملت في الدار سابقة الذكر 1572. ولم يكن في إنجلترا كلها أشغال خشب أجمل من الحاجز المصنوع من خشب البلوط في الطرف الداخلي لهذه القاعة. وقد دمرته القنابل في الحرب العالمية الثانية.
وحالما تهيأت الأسباب لأقطاب عصر إليزابث، شادوا قصوراً نافسوا بها قصور الإقطاع الفرنسي على نهر اللور. فساد سيرجون ثين Thynne قصر لونجليت، وإليزابث كونتيسة شروزيري قاعة Hardwick، وبنى تومارس ارل سفوك Suffolk قصر Audley End الذي بلغت تكاليفه 190 ألف جنيه "حصل عليها أساساً من الرشا الأسبانية(57)". وشيد سير إدوارد فيلبس قصر مونتاكوت على طراز عصر النهضة البسيط غير المبالغ في زخرفته، كما بنى سير فرانسيس Willoughby قاعة Wollaton. كما أنفق وليم سيسل بعض ما جمع من مال في إبتناء قصر ضخم بالقرب من ستامفورد، وأنفق ابنه روبرت ما يقارب هذا القدر على تشييد قصر هاتفيلد، الذي يعتبر بهوه الطويل القائم على أعمدة، أضخم الأجزاء الداخلية في العمارة في ذاك العصر. ومثل هذه الأبهاء الطويلة المقامة على أعمدة عالية، حلت في قصور عهد إليزابث محل القاعة الخشبية العظيمة في قصر مالك الأرض. إن المداخن الكبيرة والأثاث الضخم المصنوع من خشب الجوز أو خشب البلوط، والمدرج الفخم والدرابزين المنقوش، والسقوف الخشبية-نقول إن هذه كلها، هيأت لغرف هذه القصور من الدفء والعظمة ما كان ينقص الغرف الأكثر تألقاً في القصور الفرنسية، ومبلغ علمنا أن مصممي هذه القصور كانوا أول من حصلوا على لقب مهندس معماري. إن اللوحة المنقوشة على ضريح روبرت سميشون Smythhshon، الذي أنشأ قاعة وللاتون، تسميه "البناء البارع". أما الآن، وأخيراً، فقد وجدت المهنة العظيمة اسمها الحديث (الهندسة المعمارية).
كذلك أصبح الفن الإنجليزي في تلك الأيام فناً شخصياً، حيث طبع الرجل عمله بطابع شخصيته وإرادته. ولد انيجو جونز في سميثفيلد 1573، وأظهر في شبابه
ميلاً إلى التصميم حدا بأحد النبلاء (ارل) أن يبعث به إلى إيطاليا (1600) ليدرس عمارة عصر النهضة. ولما عاد إلى إنجلترا 1605 أعد مناظر كثير من المسرحيات التنكرية للملك جيمس الأول وزوجته الدنمركية، وزار إيطاليا ثانية (1612-1614) وعاد متحمساً للقواعد المعمارية القديمة التي سبقت له دراستها في ترجمتها الأنجليزية للمهندس المعماري الروماني فتروفيوس (القرن الأول قبل الميلاد)، والتي وجد خير مثال لها أبنية بللاديو، وبيروتزي، وسان ميشيلي، وسانسوفينو في فينيسيا وفيشنزا. ونبذ هذا الخليط الشاذ من الأشكال الجرمانية والفلمنكية والفرنسية والإيطالية التي كانت قد سيطرت على العمارة في عصر إليزابث. واقترح طرازاً خالصاً، يمكن فيه الاحتفاظ بالنظم الدورية والآيونية والكورنثية متفرقة أو مجتمعة في تتابع ووحدة متجانستين.
وفي 1615 عهد إليه بكل الإنشاءات الملكية بوصفه مشرفاً عاماً على الأعمال. ولما احترقت قائمة الولائم في قصر هويتهول ودمرت 1619، عهد إلى جونز بتشييد قاعة جديدة للملك. فوضع تصميم مجموعة ضخمة من المنشآت-1152×874 قدماً في جملتها-ولو اكتمل بناؤها لهيأت لعاهل بريطانيا قصراً أوسع بكثير من اللوفر أو التويليري أو الاسكوريال أو فرساي. ولكن جيمس آثر أن يعيش يومه عن أن يبني للقرون. واقتصر الإنفاق على قاعة الولائم الجديدة، التي لم يتوفر لها من قصد من أبهة، فباتت مظهراً كاذباً غير جذاب للخطوط القديمة وخطوط عصر النهضة. ولما طلب رئيس الأساقفة لود من جيمس الأول إصلاح كاتدرائية سانت بول القديمة، ارتكب المهندس جريمة تغطية صحن الكنيسة القوطي الطراز بمظهر خارجي من طراز عصر النهضة، ولحسن الحظ دمر الحريق الكبير الذي حدث 1666 هذا المبنى. وحلت واجهات جونز المأخوذة تصميمها عن بللاديو، محل الطراز التيودوري. وسادت في إنجلترا حتى أواسط القرن الثامن عشر.
ولم يخدم جونز الملك شارل الأول بوصفه كبير مهندسيه فحسب، بل انه تعلم كيف يحب هذا الرجل المنكود، يشكل واضح، إلى حد أنه عندما نشبت الحرب الأهلية دفن مدخراته في Lambeth Marshes وهرب إلى هامبشير (1643).
وقبض عليه جنود كرومول هناك، ولكنهم أبقوا على حياته مقابل 1045 جنيهاً(58). وفي أثناء تغيبه عن لندن وضع تصميم ريفي في ولتشير من أجل ارل بمبروك، كانت واجهته من طراز عصر النهضة البسي، أما الداخل فكان آية في الفخامة والأناقة، فان القاعة "المزدوجة التكعيب"-60×30×30 قدماً، قيل بأنها أجمل قاعة في إنجلترا(59). ومذ استنفدت الجيوش الملكية ثروات الأرستقراطية، فقد جونز الرعاية والحب والألفة، وانزوى وأفل نجمه، ومات فقيراً 1651. لقد غلب النعاس على الفن، على حين أعادت الحرب تشكيل الحكومة الجديدة في إنجلترا.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق