إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 1 مايو 2014

1354 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> إنجلترة المرحة -> الموسيقى الإنجليزية 6- الموسيقى الإنجليزية 1558- 1649





1354


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> إنجلترة المرحة -> الموسيقى الإنجليزية

6- الموسيقى الإنجليزية


1558- 1649


إن الذين لا يعرفون من إنجلترا إلا الفترة التي أعقبت البيوريتانية، لا يمكنهم أن يحسوا بالدور البهيج الذي لعبته الموسيقى أيام إليزابث. فمن البيت والمدرسة والكنيسة والشارع والمسرح ونهر التاميز ارتفعت ألحان الموسيقى المقدسة أو الماجنة- القداسات، الموسيقى الطباقية المتعددة النغمات، القصائد الغزلية، الأغاني الشعبية، وأغاني الحب الرقيقة القصيرة. مثل تلك التي وجدت لها مجالاً في روايات عهد إليزابث. وكانت الموسيقى برنامجاً أساسياً في مناهج التعليم، وخصص لها في مدرسة وستمنستر ساعتان في الأسبوع، وكان في أكسفورد كرسي للموسيقى (1627) وكان مفروضاً أن يقرأ كل رجل مهذب الموسيقى ويعزف على كل بعض الآلات.



وفي كتاب توماس مورلي: "مقدمة واضحة ميسرة عن الموسيقى العملية" جاء ذكر رجل إنجليزي خيالي ساذج غير مثقف، يعترف بخجله وعاره، فيقول:
"بعد العشاء جيء بكتب الموسيقى، كما كانت العادة، وقدمت إلى سيدة البيت شيئاً منها، وطلبت في رفق أن أغني، فاعتذرت كثيراً، وامتنعت، وقلت وأنا صادق فيما أقول، إني لا أعرف، فتعجب كل الحاضرين، وتهامسوا متسائلين: كيف نشأ هذا الرجل؟(51)".
وكانت حوانيت الحلاقين تقدم للزبائن المنتظرين آلات موسيقية ليعزفوا عليها. وكانت الموسيقى في عهد إليزابث، في معظمها، علمانية، وبقي بعض الملحنين، من أمثال طاليس وبيرد وبل، على مذهبهم الكاثوليكي برغم القوانين، وألفوا الموسيقى للطقوس الرومانية، لو أن تلك التأليف لم تكن تعزف علناً. واعترض كثير من البيوريتانيين على موسيقى الكنيسة باعتبار أنها تشتت أذهان المصلين وتصرفهم عن التقوى. وأنقذت إليزابث والأساقفة موسيقى الكنيسة في إنجلترا، كما أنقذها بالسترينا ومجلس ترنت في إيطاليا. وساندت الملكة بعزيمتها المعهودة الملكية والكاتدرائيات. وأصبح كتاب الصلوات العامة، مرجع النصوص الموسيقية الهائل للملحنين الإنجليز، وكانت الصلوات الأنجليكانية تنافس الصلوات الكاثوليكية في القارة في فخامة فن تعدد الألحان ووقاره. وحتى البيوريتانيون أنفسهم، منتهجين نهج كلفن، أقروا إنشاد جماعات المصلين للترانيم. وسخرت إليزابث منهم قائلة: "إن جنيف ترقص، أما هؤلاء فقد ارتقوا إلى مستوى التراتيل والتسابيح الكريمة".
ولما كانت الملكة تحمل بين جنبيها روحاً دنيوية دنسة، مولعة بالغزل والملق والملاطفة والتودد، فقد كان من المعقول أن تكون القصيدة الغزلية هي مفخرة الموسيقى في عهدها- أغنية حب في طباق موسيقى- وهي جزء من أغنية لا تصاحبها آلات الموسيقية. ووصلت القصيدة الغزلية من إيطاليا 1553، ففتحت الطريق.

وحاول مورلي أن يسهم في هذا المجال، وشرحها في حواره السهل الرشيق، ودعا إلى تقليدها، وثمة قصيدة غزلية لخمسة مغنين، وضعها جون دلباي، توحي بالأفكار الأساسية في هذه الأغاني:
واحسرتاه، أية حياة تعسة، وأي موت هذا،          حيث المحبوب الظلوم يسيطر ويتحكم!

إن نضارة أيامي تذبل وأنا في ربيع العمر،          وتلاشت أحلامي الجميلة تماماً، وحياتي تنصرم.

وتولت أفراحي الواحد بعد الآخر          وتركت أعاني سكرات الموت

من أجل تلك التي تحتقر آهاتي وأناتي.          آه، إنها لتهجرني، وتكبت حبي

وهي التي من أجلها، واحسرتاه، أموت شاكياً، وهي متحجرة القلب(52).

وكان وليم بيرد شكسبير الموسيقى في عهد إليزابث، اشتهر بالقداسات والقصائد الغزلية الملفوظة أو المعزوفة على الآلات، والألحان على حد سواء. وكرمه معاصروه على أنه "رجل عظيم جدير بالذكر". وقال عنه مورلي "انه حظي من الإجلال والاحترام ما يستحق معه أن يخلد اسمه بين الموسيقيين(53)" وكان في مثل مكانته العالية وتعدد براعاته وجوانبه أولندوجيبون وجون بل Bull، وهما عازفان على الأرغن في الكنيسة الملكية. واشترك هذان مع بيرد 1611 في وضع أول كتاب عن لوحة المفاتيح للموسيقى في إنجلترا، وهو كتاب Parthenia، أو باكورة أول موسيقى طبعت في إنجلترا للعذراوية" (وهي آلة موسيقية شبيهة ببيان صغير بدون قوائم.) وفي نفس الوقت أكد الإنجليز شهرتهم في تلحين الأغنية المنفردة (مع آلة واحدة أو مغن واحد)، ذات العذوبة الجميلة المعبقة بعبير الريف الإنجليزي، وحظي جون دولند الذي اشتهر بالعزف على العود، بالمدح والثناء من أجل أغانيه، ونافسه توماس كامبيون منافسة شديدة. ومن ذا الذي لا يعرف مقطوعة كامبيون: "الكرز الناضج- Cherry Ripe؟(54)".

وكان الموسيقيون ينتظمهم اتحاد قوي، انفصمت عراه بسبب الصراع الداخلي أيام شارل الأول(55)، وكادت الآلات تتنوع، كما هي اليوم: العود، القيثار، الأرغن، العذراوية، أو البيان الصغير، موترة المفاتيح (آلة موسيقية وترية مزودة بلوحة مفاتيح) أو البيان القيثاري، الفلوت (آلة نفخ موسيقية)، الصافرة، المزمار، البوق، المترددة، النفير، الطبول، وأشكال كثيرة من الفيول، حل محلها الكمان الحالي. وكان العود مفضلاً في العزف. وفي مصاحبة الغناء، أما العذراوية، وهي الأم المتواضعة للبيان، فكانت محبوبة شائعة لدى السيدات الصغيرات، وعلى الأقل قبل الزواج، وألفت الموسيقى الآلية أساساً للعذراوية والفيول والعود. ولحن نوع من الموسيقى الحجرية (موسيقى الحجرة: يعزفها بضعة موسيقيين أما نفر قليل من الناس.) للعزف على عدة فيولات تختلف في الحجم والطبقة. وفي مسرحية تنكرية للملكة آن زوجة جيمس الأول، استخدم كامبيون فرقة من عازفي العود وموترة المفاتيح والبوق مع تسعة فيولات. (1605) وقد انحدر إلينا كثير من الموسيقى الآلية التي وضعها بيرد ومورلي ودولند وغيرهم. وهي مؤسسة إلى حد بعيد على أشكال الرقص، كما تتبع النماذج الإيطالية، وتتفوق في الجمال الرقيق المرهف أكثر منها في القوة والطبقة. وتطورت الفوجة وفن مزج الألحان، ولكن دون تنوع في الأفكار الرئيسية أو الموضوع، أو براعة في تغيير طبقة الصوت والانتقال من نغمة إلى أخرى، أو نشاز مقصود أو تناغم لوني. ومع ذلك فإننا عندما ترهق أعصابنا بمشاق حياتنا الحديثة، نجد في موسيقى عصر إليزابث ما يخفف عنا ويريح أعصابنا، فليس فيها كلام طنان منمق، ولا تنافر مزعج، ولا خواتيم راعدة، انك لا تسمع فيها إلا صوت شاب إنجليزي أو شابة إنجليزية تغني في حزن أو ابتهاج، إنشودة الحب السرمدي الذي تعترض العوائق سبيله.

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق