إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 1 يوليو 2014

92 فتوح الشام ( للواقدي )


92

فتوح الشام ( للواقدي )



فقال له الترجمان‏:‏ يا ويلك قد أعطيناك الأمان فاصدقنا في الكلام وقل لنا لم يرمي بعضكم بعضًا‏.‏

قال‏:‏ إن بعضنا لا يرمي بعضًا ولكنا من أهل السواد والقرى فلما سمعنا بمسيركم ورجوعكم عن أهل قنسرين التجأنا إلى هذه المدينة من جميع الرساتين لنتحصن فيها لما نعلم من كثرة ما بها من الجيش فضيق بعضنا على بعض وسددنا طرقات المدينة ومضى بعضنا إلى السور فإذا ليس لنا موضع نأوي إليه ولا مسكن نسكن فيه فجعلنا الأبراج والأسوار مسكنًا لنا‏.‏

فلما زحفتم إلى القتال برز إليكم أهل الحرب والنزال من هذه المدينة فجعلوا يدوسوننا بأرجلهم وإذا اشتد الحرب عليهم والقتال يدفع الرجل منهم الرجل منا فيلقيه إليكم‏.‏

قال الواقدي‏:‏ فلما سمع الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه ذلك فرح فرحًا شديدًا وقال‏:‏ أرجو من الله أن يجعلهم غنيمة لنا قال وأخذت الحرب مأخذها وطحنت رجالها وعلا الضجيج وحمى الروم أسوارهم فلم يقدر أحد من المسلمين أن يصل إليها من كثرة السهام والحجارة‏.‏

قال غياث بن عدي الطائي‏:‏ حاربنا أهل بعلبك في أول يوم فأصيب من المسلمين اثنا عشر رجلًا وأصيب من الروم على السور خلق كثير من أهل الحرب وغيرهم وانصرف المسلمون إلى رحالهم وما لهم همة إلى الطعام ولا الشراب ولا يريد أحد منا إلا الاصطلاء بالنار من شدة البرد‏.‏

قال‏:‏ فبينما نحن ليلتنا نوقد النار ونتناوب في الحرس إلى الصباح فلما صلينا الفجر نادى مناد من قبل أبي عبيدة رضي الله عنه يقول‏:‏ عزيمة مني على كل رجل من المسلمين لا يبرز إلى حرب هؤلاء القوم حتى ينفذ إلى رحله ويصلح له طعامًا حارًا يأكله ليكون بذلك شديدًا على لقاء العدو‏.‏

قال فابتدرنا لإصلاح أمورنا فلما نظر أهل بعلبك إلى تأخرنا عن حربهم وقتالهم طمعوا فينا وظنوا أن ذلك فشل منا وعجز فصاح هربيس في الروم وقال‏:‏ اخرجوا لهم بارك المسيح فيكم‏.‏

قال غياث بن عدي‏:‏ فلم يشعر المسلمون إلا والأبواب قد فتحت والخيل والرجال قد طلعت إلينا كالجراد المنتشر‏.‏

قال‏:‏ وكان بعضنا قد مد يده إلى الطعام وبعضنا ينضج له القرص وإذا بمناد ينادي‏:‏ يا خيل الله اركبي وللجهاد تأهبي فدونكم والقوم قبل أن يدهموكم‏.‏

قال حمدان بن أسيد الحضرمي‏:‏ وكان لي قرص خبزته وقدمت شيئًا من الزيت لأجعله أدامي للقرص وإذا بالمنادي ينادي‏:‏ النفير النفير قال‏:‏ فوالله ما راعني ذلك حتى أخذت قطعة وغمستها في الزيت وهويت بها إلى فمي سمعت النفير فقمت مسرعًا وركبت جوادي عريانًا من دهشتي لسرعة الإجابة وضربت بيدي على عمود من أعمدة الخيام وحملت على القوم فوالله ما شعرت بما صنعت ولا عقلت على نفسي حتى صرت في الروم فجعلت أحطمهم حطمًا وأهبرهم بالسيف هبرًا‏.‏

قال فنظرت إلى خيل الروم متفرقة والأمير أبو عبيدة قد نصب رايته والناس يهرعون إليها وإن أبا عبيدة رضي الله عنه ينادي برفيع صوته‏:‏ اليوم يوم له ما بعده‏.‏

قال ونظر أبو عبيدة إلى شدة ضرب الروم وصبرهم على قتال المسلمين فحمل عليهم بالخيل العربية وأحاط بالروم من كل جانب ومكان وكان في جملة خيله عمرو بن معد يكرب الزبيدي وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وربيعة بن عامر ومالك بن الأشتر وضرار بن الأزور رضي الله عنه وذو الكلاع الحميري فلله درهم فلقد قاتلوا قتالًا شديدًا وأبلوا بلاء حسنًا فلما نظرت الروم إلى فعلهم رجعوا إلى أعقابهم طالبين الأسوار وغلقوا الأبواب ورجع المسلمون إلى عسكرهم وأضرموا نيرانهم ودفنوا من استشهد منهم وأقبلت رؤساء المسلمين إلى الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه وقالوا‏:‏ أيها الأمير ما الذي قد عزمت عليه وما عندك من الرأي يرحمك الله فقال أبو عبيدة رضي الله عنه‏:‏ اعلموا أن الرأي أن نتأخر عن المدينة مقدار شوط فرسخ ليكون ذلك مجالًا لخيلكم ومنعة لحريمكم والنصر من عند الله تعالى‏.‏
‏.‏
يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق