91
فتوح الشام ( للواقدي )
قال الواقدي: وبات المسلمون تلك الليلة يحرس بعضهم بعضًا إلى الصباح.
ثم كتب أبو عبيدة رضي الله عنه إلى أهل بعلبك كتابًا يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من أمير جيوش المسلمين بالشام وخليفة أمير المؤمنين فيهم أبو عبيدة بن الجراح إلى أهل بعلبك من المخالفين والمعاندين أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى وله الحمد أظهر الدين وأعز أولياءه المؤمنين على جنود الكافرين وفتح عليهم البلاد وأذل أهل الفساد وإن كتابنا هذا معفرة بيننا وبينكم وتقدمة إلى كبيركم وصغيركم لأنا قوم لا نرى في ديننا البغي وما كنا بالذين نقاتلكم حتى نعلم ما عندكم.
وإن دخلتم فيما دخل فيه المدن من قبلكم من الصلح والأمان صالحناكم وإن أردتم الذمام ذممناكم وإن أبيتم إلا القتال استعنا عليكم بالله وحاربناكم لأسرعوا بالجواب والسلام على من اتبع الهدى.
ثم كتب {إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى} [طه: 48]. وطوى الكتاب وسلمه إلى رجل من المعاهدين وأمره أن يسير به إلى أهل بعلبك ويأتيه بالجواب فأخذ المعاهد الكتاب وأتى به إلى السور وخاطبهم بلغتهم وقال: إني رسول إليكم من هؤلاء العرب فدلوا حبلًا فربطه في وسطه وأخذه القوم إليهم وأتوا به إلى بطريقهم هربيس فناوله الكتاب فجمع هربيس أهل الحرب والبطارقة وقرأ عليهم كتاب أبي عبيدة رضي الله عنه وقال: أشيروا علي برأيكم فقال له بطريق من بطارقته وهو صاحب مشورة الرأي: عندي أن لا نقاتل العرب لأنا ليس لنا طاقة بقتالهم ومتى صالحناهم كنا في أمن وخصب ودعة كما قد صار أهل أركه وتدمر وحوران وبصرى ودمشق وإن نحن قاتلناهم وأخذونا في الحرب قتلوا رجالنا واستعبدونا وسبوا حريمنا والصلح خير من الحرب فقال هربيس: لا رحمك المسيح فما رأيت أجبن منك ولا أقل جلدًا يا ويلك كيف تأمرنا أن نسلم مدينتنا إلى أوباش العرب ولا سيما وقد عرفت حربهم وقتالهم واختبرت نزالهم وإني في هذه النوبة لو حملت في ميسرتهم كنت هزمتهم فقال له البطريق: نعم كانت الميسرة والقلب يخافون منك.
ثم تخاصما وتشاتما وافترق أهل بعلبك فرقتين فرقة يطلبون الصلح وفرقة يطلبون القتال ورمى هربيس الكتاب إلى المعاهد بعد أن مزقه وأمر غلمانه أن يدلوه إلى ظاهر المدينة ففعلوا ذلك ووصل المعاهد إلى عسكر المسلمين وأتى أبا عبيدة رضي الله عنه وحدثه بما كان من القوم وقال: أيها الأمير إن أكثر القوم عولوا على القتال فقال أبو عبيدة رضي الله عنه للمسلمين: شدوا عليهم واعلموا أن هذه المدينة في وسط أعمالكم وبلادكم.
فإن بقيت كانت وبالًا على من صالحتم ولا تقدرون على سفر ولا على غيره قال: فلبس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح والعدد ورجعوا إلى الأسوار وعطف أهل بعلبك عليهم وتراموا بالسهام والأحجار وإن هربيس قد نصب كرسيه وسريره على برج من أبراج القلعة من ناحية النملة وقد عصب جراحته ولبس سلاحه ولامته ولبس على رأسه صليبًا من الجواهر وحوله البطارقة والديرجانية بالدروع المذهبة والعمد الكاملة وفي أعناقهم صلبان الذهب والجوهر وبأيديهم القسي والسهام.
قال عامر بن وهب اليشكري: شهدت حرب بعلبك وقد زحفت المسلمون إلى سورها.
قال: ونشاب الروم كالجراد المنتشر وكان أناس من العرب بلا سلاح فأصابهم سهام القوم.
قال: ورأيت القوم يتساقطون علينا من السور تساقط الطير على الحب فذهبت إلى رجل سقط لأضرب عنقه فصاح: الغوث الغوث وكنا قد عرفنا من الحرب أن من قال: الغوث يعني الأمان فقلت له: يا ويلك لك الأمان فما الذي ألقاك إلينا من سوركم.
فجعل يكلمني بالرومية وأنا لا أدري ما يقول.
قال عامر بن وهب اليشكري: فسحبته إلى خيمة أبي عبيدة وقلت له: أيها الأمير اطلب من يعرف لغة هذا العلج فإني رأيتهم يرمي بعضهم بعضًا فقال أبو عبيدة رضي الله عنه لمن حضر من المترجمة: أخبرنا بخبر هذا العلج وما قضيته ولم يرمي بعضهم بعضًا.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق