352
فتوح الشام ( للواقدي )
فقال يوقنا: أنا أحمل هذه الأوزار عنك ودع عيسى ابن مريم يطالبني يوم القيامة
.
فقال البطريق: إن كان هذا الذي قلته فأنا أفعل وليس يصعب علي ولكني أخاف إن فعلت ذلك الذي أمرتني به أن لا ينزل من الحصن وربما بعث معي بعض أصحابه فلا يحصل طائل من عدوكم.
فقال يوقنا: وما يكون التدبير فقال البطريق: الرأي عندي غير هذا.
قال: وما هو.
قال: تذهب مع أصحابك جريدة بالخيل وأنا أكون معك فما نصبح إلا ونحن على الحصن فإذا أشرفنا عليه تعطيني جوادي وسلاحي وأركض على فرسي في حال العجلة فإني أجده في الميدان مع أرباب دولته فإذا وقعت عيني عليه ترجلت وحثوت التواب على رأسي وأصيح: أيها الملك العرب قد أخذوا أصحابي وغلماني وما جاء معي برسمك فإذا قال: وأين هم.
أقول: على فرسخ من بلدك.
فإنه إذا سمع قولي لا يمكنه التأخير عن نصرتي ولا له إلا السرعة إليكم واعلم أن أكثر جنده قد فرقهم على الحصون وما عنده إلا ألف فارس أو أقل.
قال: فلما سمع يوقنا ذلك من قوله وثق به وبعث الأسرى إلى عياض فلما وصلوا إليه قال لهم: إن أطلقتكم أتعرفون لنا ذلك قالوا: نعم وكيف لا نعرفه.
فأطلقهم حتى تسمع أهل البلاد فينزلوا إلى طاعته وأما يوقنا فإنه سار جريمة بقية ليلته فما برق ضياء الفجر إلا وقد أشرفوا على الحصن فعندها أطلق البطريق ووثق منه بالعهود وأعطاه جواده وسلاحه وسار كأنه قد أفلت نفسه وساق على شوط واحد إلى الحصن وكان بالقضاء المقتر أنه وجد البطريق يطالقون قد عبر إلى جانب أسعرد ومعه ألف فارس وألف راجل وكان السبب في ذلك أن قومًا من أصحاب البطريق حرسلو كانوا في كنيسة يوقنا فأتوه وحدثوه بما تتم عليهم من القوم فعبر لعله يستخلصهم من يد يوقنا فلما وصل إليه البطريق ترتجل وصقع له وحدثه فرق له وقال: كيف تخلصت.
قال: خلصت يدي من الكتاف وركبت هذا الفرس فلما أحسوا بي ركبوا ورائي وها هم في أثري بالقرب من باياعا.
قال فلما سمع ذلك يطالقون بن كنعان أمر بالركوب وسار من وقته طالبًا يوقنا وقال: هذا الذي أردناه من أمر الجهاد قد قربه الله إلينا فدونكم والقوم.
ولم يمهل بعضهم بعضًا وتطاعنوا بالرماح وصبر يوقنا صبر الكرام ووقع الصائح من كل جانب ونشرت أجنحتها النوائب واستعان أصحاب يوقنا برب المشارق والمغارب فبينما هم قد أشرفوا على المعاطب إذ أشرفت عليهم غرر الخيل وهم يتسابقون فنظر إليهم يوقنا وإذا هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ثلاثة آلاف فارس يقدمهم خالد بن الوليد وكان السبب في قدومهم أن عياضًا خاف على يوقنا وبني عمه فأرسل إليهم في أثرهم خالدًا فوجدهم في القتال فأطلق عنانه وقال: يا أهل الإيمان وحملة القرآن دونكم وعبدة الصلبان ارفعوا أصواتكم بذكر ربك.
قال: ونظر يوقنا النصرة وقد أقبلت فعظم شأنه والتقى بصاحب الحصن وقد عرفه بزيه فتطاعنا طعنًا كافيًا وتضاربا ضربًا شافيًا إلا أن يوقنا طعن صاحب الحصن فرماه إلى الأرض قتيلًا وصنع فيهم خالد رضي الله عنه والصحابة رضي الله عنهم كما تصنع النار في الحطب ولما قتل يوقنا صاحب الحصن قطع رأسه وجعله على سنانه ونادى: عمن تقاتلون وقد قتلنا صاحبكم فلما رأوا الرأس ولوا الأدبار ومات أكثرهم وولوا الباقون نحو الجبل ووقع الصائح في الحصون بأن يطالقون قد قتل فولوا الأدبار.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق