344
فتوح الشام ( للواقدي )
قال الواقدي: فلما سمع البطريق ميافارقين هذا الكلام من الحكم بن هاشم.
قال والله ما في دينكم مراء وأنتم على الحق ولقد كنت أسلمت على يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ببيت المقدس ثم جئت إلى هذه المدينة وكان عليها وال فمات ووليت الأمر من بعده فرجعت إلى ديني الأول.
فإن أنا تبت إليه ورجعت إلى دينكم أيقبلني على ما ارتكبت من المعاصي فقال له الحكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوما لأصحابه (بأي شيء يكون ابن آدم أشد فرحًا فقالوا: بالأهل فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكت الناس.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يكون ابن آدم أشد فرحًا منه إذا كان في مفازة ومعه راحلته عليها زاده وماؤه ومنافعه.
فإذا كان في بعض المفازة اشتد عليه الحر فأوى إلى ظل فنزل عن راحلته وتوسد ذراعه فنام ثم انتبه وقد ذهبت راحلته وعليها طعامه وشرابه وغذاؤه ومنافعه فانطلق في طلبها يمينًا وشمالًا فلم يجدها فرجع إلى موضعه ليموت فيه وقد أيقن بالهلاك فنام ثم انتبه فوجد راحلته كما هي فأخذ بخطامها). ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله أشد فرحًا بتوبة عبده المؤمن من ذلك الرجل بتلك الراحلة).
قال: فلما سمع أسلاغورس كلام الحكم بن هشام دمعت عيناه وأخذهم إلى دار ولايته وقال: والله لقد بان الحق وظهر الصدق فأسلم وحسن إسلامه وطلب جماعته فأسلموا بأجمعهم.
ثم إنه طلب أكابر البلد وأخبرهم بإسلامه وقال لهم: إني أريد منكم ما أريده لنفسي وإن دين هؤلاء يعلو ولا يعلى عليه فمن أسلم منكم أمن في الدنيا والآخرة وهم قد نزلوا على آمد ولا بد لهم من ديار بكر جميعها فمن خالفهم وعصى نهبوا بلده واستعبدوا أهله وولده فإن أسلمتم لهؤلاء القوم أمنتم على أنفسكم وأولادكم.
فقالوا: أيها الصاحب أمهلنا ثلاثة أيام حتى نرى ما لنا فيه من الصلاح فتركهم وانصرفوا من عنده فلما كان الليل اجتمعوا وتحالفوا أن لا يسلموا للعرب أبدًا ولو هلكوا عن آخرهم وأصروا علىالقتال فبعد ثلاثة أيام طلبهم فلم يأته إلا القليل وأتت إليه العين الصافية وأخبرته بما عزم عليه أهل البلد ثم لبسوا سلاحهم وأتوا إليه يقاتلونه فخرج إليهم بجماعة ومعه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلوا قتالًا شديدًا فلما جن الليل.
قال لهم: أرسلوا إلى أميركم ينجدنا فأرسل واحدًا منهم فما بعد عن البلد حتى سمع قرع حوافر الخيل فلما تبينهم إذ هم من عسكر الموحدين وإذا هم خمسمائة فارس وعليهم عدة بن عدي وكان السبب في ذلك أن عياض بن غنم رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأخبره بقصة ميافارقين وما جرى لصاحبها من أهل بلده وأمره أن يرسل إليهم جيشًا فاستيقظ من نومه وأرسل إليهم ضبة بن عدي ومعه خمسمائة فارس وأذن الله للأرض أن تطوى لهم فوصلوا إليهم في تلك الليلة فأتى بهم إلى السر وكانوا قد وكلوا به من يحفظه فنادى ففتحوا لهم وإذا بصاحب البلد قابلهم فأدخلهم فقالوا له: من أعلمكم بقدومنا فقال صاحب البلد: أعلمني بكم النبي صلى الله عليه وسلم رأيته وقد نمت من ضيق صدري بقتال هؤلاء القوم أهل البلد فنمت فرأيت شخصه الشريف فبشرني بقدومكم فلما حصلوا بأجمعهم خرج للقتال أهل البلد فصاح بهم المسلمون: يا أعداء الله قد حل بكم البوار وأحاطت بكم الأقدار من أصحاب محمد المختار ووضعوا فيهم السيف فوتوا إلى منازلهم ودورهم ليتحصنوا بها وقد علموا أنه قد نزل بهم ما لا طاقة لهم به فنادوا الغوث.
فقال لهم: من أتى إلينا فهو آمن فخرجوا فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أمناكم على جميع مالكم إلا السلاح.
قال: فأتوا بجميع ما عندهم من السلاح وسلموه للصحابة.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق