322
فتوح الشام ( للواقدي )
قال فكتم يرغون أمره فلما جن الليل طلب عظماء جيشه وقال لهم: اعلموا أني ما وليت عليكم إلا وقد علم المسيح أن عقلي أوفر من عقلكم.
قالوا: أيها الصاحب أعلمنا بما تريد حتى نقبل قولك ونطيع أمرك.
قال: يا قوم اعلموا أننا سائرون على غزة وعن قليل ترون الخيل تنوشنا والرماح تحوشنا قالوا: وكيف ذلك قال: لأن العرب لا تنام ولا ترام وقد عاد النصر إليهم واعلموا أن الملك شهرياض ليس بأعظم همة ولا أكثر جنودًا من هرقل ولا من ملوك الأرض وقد ملكت العرب دولتهم وأخذوا معاقلهم وأذلوا ملوكهم وأنا أعلم أن شهرياض لا ثبات له مع العرب يوم المصف وقد ملكت بلاده وهي: حران والرها وسروج والبيرت والخابور وقد أخذوا ماردين وقلعة ماردين يعني قلعة المرأة وأخذوا أرسوس وابنته مارية وكأنكم بالعرب قد ملكت ديار شهرياض وعادت إليكم وملكت دياركم وسبت حريمكم واعلموا أن الحق مع العرب وأنهم إذا قالوا قولًا وفوا به ومن أسلم إليهم أمن على نفسه وأهله وماله سواء رجع إلى دينهم أو أقام على دينه واعلموا أن بقلبي النار من هذه الجارية طاريون وقد أرسلت إليها لتكون لي أهلًا وأكون لها بعلًا فأبت ذلك وهي تحب ابن ملك الغساسنة فإن تزوجت به وصاروا يدا واحدة أخذوا معاقلنا وملكوا حصوننا ولا يكون لنا معهم مقام وقد رأيت أنني في هذه الليلة أقبض عليها ثم إنه أخبرهم بما حدثه به الخادم.
قالوا: أيها الملك إذا أخذتها فأي أرض تؤويك وأي حصن يحميك.
قال: نقصد إلى عسكر العرب ونأخذ لنا منهم أمانًا.
قالوا: إذا كنت عولت على ذلك فاعزم.
قال: فخذوا على أنفسكم وتأهبوا للرحيل ففعلوا.
قال الواقدي: فلما جن الليل تزيا يرغون ابن عمها بزي الغلام سوسى وسار إلى سرادق الجارية فلما رأته ظنت أنه سوسى فوثبت إليه قائمة وسلمت عليه وصقعت له وكانت قد أبعدت الحرس عنها والغلمان والحجاب حتى لا يطلع أحد على سرها قال ثم إنها تحققت أنه ابن عمها فاستحيت منه ووجلت فلم يمكنها إلا أن تخدمه بأعظم خدمة.
فقال لها: يا طاريون أظننت أني لا أقف على سرك ولا أبحث عن أمرك.
يا ويحك أي مناسبة بين الروم والأرمن حتى أنك ملت إلى ابن ملك الغساسنة وتركت مثلي ثم إنه مال عليها بشدته وقبض عليها وألقمها أكرة وكتفها وخرج بها إلى عسكره فوجد أصحابه قد لبسوا وركبوا ورموا المضارب وشالوا ثقلهم فلما وصل إليهم حملها على بغل وساروا ونظر أصحاب سوسى إلى رحيل يرغون فقال لهم: أمهلوا أنتم بالرحيل إلى أن يطلع الفجر فإن هذا طريق ضيق تزدحم فيه الخيل والبغال قال ففعلوا ذلك وجد يرغون في السير فما أصبح إلا وهو على مرج السور فنزل هناك وأما الغلام سوسى فإنه لم يمض إلى الجارية ولا سأل عنها ولا سار إليها لأنه خاف أن يكون ذلك منها مكرًا به فتقبض عليه فلما أصبح أمر غلمانه بالرحيل وركب وأتى إلى سرادق الجارية طاريون فوجد قومها ينتظرون خروجها من سرادقها فدخل عليها خادمها وخرج وقال لهم: إن الملكة ما كان من أمرها ولا سبب لغيبتها.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق