127
فتوح الشام ( للواقدي )
فأما ضرار بن الأزور فإنه عمد إلى خيمته ليستعد بما يريد ويسلم على أخته خولة رضي الله عنها بنت الأزور فلما لبس لامة حربه قالت له أخته خولة: يا أخي ما لي أراك تودعني وداع من أيقن بالفراق أخبرني ماذا عزمت عليه.
فأخبرها ضرار بما قد عزم عليه وأنه يريد أن يلقى العدو مع خالد بن الوليد رضي الله عنه فبكت خولة وقالت: يا أخي افعل ما تريد أن تفعل والق عدوكم وأنت موقن بالله تبارك وتعالى فإنه لكم ناصر وإن عدوك لا يقرب إليك أجلًا بعيدًا ولا يبعد عنك أجلًا قريبًا فإن حدث عليك حدث أو لحقك من عدوك نائبة فوالله العظيم شأنه لا هدأت خولة على الأرض أو تأخذ بثأرك فبكى ضرار بن الأزور لبكائها وأعد آلة الحرب وكذلك الستون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يناموا طول ليلتهم حتى ودعوا أولادهم وأهاليهم وباتوا في بكاء وتضرع وهم يسألون الله تعالى النصر على الأعداء إلى أن أصبح الصباح فصلى بهم الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه صلاة الفجر فلما فرغ من صلاته كان أول من أسرع إلى الخروج خالد بن الوليد رضي الله عنه وحرض أصحابه على الخروج وهو ينشد ويقول: هبوا جميع إخوتي أرواحًا نحو العدو نبتغي الكفاحا ويرزق الله لنا صلاحا في نصرنا الغدو والرواحا قال الواقدي: وأنشد بيتا آخر لم أدر ما هو وخرج أمام المسلمين وأصحابه يقدمون إليه واحدًا بعد واحد حتى اجتمع إليه الستون رجلًا الذين انتخبهم وكان آخر من أقبل عليه الزبير بن العوام رضي الله عنه ومعه زوجته أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وهي سائرة إلى جانب أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهي تدعو لهم بالسلامة والنصر وتقول لأخيها: يا أخي لا تفارق ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقت الحملة اصنع كما يصنع ولا تأخذكم في الله لومة لائم.
قال وودع المسلمون الستين أصحابهم وساروا بأجمعهم وخالد بن الوليد رضي الله عنه في أوساطهم كأنه أسد قد احتوشته الأسود ولم يزالوا حتى وقفوا بإزاء العرب المتنصرة.
قال الواقدي: ونظرت العرب المتنصرة إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقبلوا نحوهم وهم نفر يسير فظنوا أنهم رسل يطلبون الصلح والمواعدة فصاح جبلة بالعرب المنتصرة وحرضتهم ليرهب المسلمين ونادى يا آل غسان أسرعوا إلى نصرة الصليب وقاتلوا من كفر به فبادروا بالإجابة وأخذوا الأهبة للحرب ورفعوا الصليب واصطفوا للقتال وقد طلعت الشمس على لامة الحرب فلمع شعاعها على الحديد والزرد والبيض كأنها شعل نار ووقفوا يبصرون ما يصنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قاربوا صلبان العرب المتنصرة ونادى خالد بن الوليد رضي الله عنه: يا عبدة الصلبان ويا أعداء الرحمن هلموا إلى الحرب والطعان فلما سمع جبلة كلام خالد رضي الله عنه علم أنهم ما خرجوا رسلًا وإنما خرجوا للقتال فخرج جبلة من بين أصحابه وقد اشتمل بلامة حربه وهو يقول: إنا لمن عبدوا الصليب ومن به نسطو على من عابنا بفعالنا ولقد علونا بالمسيح وأمه والحرب تعلم أنها ميراثنا إنا خرجنا والصليب أمامنا حتى تبددكم سيوف رجالنا ثم قال جبلة: من الصائح بنا والمستنهض لنا في قتالنا فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: أنا فاخرج إلى حومة الحرب.
فقال جبلة: نحن قد رتبنا أمورنا لحربهم وقتالكم وأنتم تتربصون عن قتالنا فوحق المسيح لا أجبناكم إلى الصلح أبدًا فارجعوا أبى قومكم وأخبروهم أننا ما نريد إلا القتال قال فأظهر خالد التعجب من قوله وقال له: يا جبلة أتظن أننا خرجنا رسلًا إليك فقال جبلة: أجل.
فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: ولا تظن ذلك أبدًا فوالله ما خرجنا إلا لحربكم وقتالكم فإن قلتم إننا شرذمة فإن الله ينصرنا عليكم.
فقال جبلة: يا فتى قد غررت بنفسك وبقومك إذ خرجت إلى قتالنا ونحن سادات غسان ولخم وجذام.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق