128
فتوح الشام ( للواقدي )
فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه لا تظن ذلك وإننا قليلون فقتالكم رجل منا لألف منكم وتخلف منا رجال أشهى إليهم الحرب من العطشان إلى الماء البارد فقال جبلة: يا أخا بني مخزوم أغد كنت أفضلك في عقلك وأروم بك مرام الأبطال حتى سمعت منك هذا الكلام إنك أنت والستين رجلًا ترومون قتالنا ونحن سادات غسان وأبطال الزمان ها أنا أحمل بهذه الستين ألف فارس فلا يبقى منكم أحف ثم صاح جبلة بقومه: يا آل غسان الحملة.
فلما سمعوا كلام سيدهم حملت الستون ألف فارس في وجه خالد بن الوليد والستين رجلًا فثبت لهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتبك الحرب نجينهم فما كنت تسمع إلا زئير الرجال وزمجرة الأبطال ووقع السيف على البيض الصقال حتى ما ظن أحد من المسلمين ولا من المشركين أن خالدًا ومن معه ينجو منهم أحد فبكى المسلمون وأخذهم القلق على إخوانهم وجعل بعضهم يقول: لقد غرر خالد بن الوليد بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهلكهم والروم تقول: إن جبلة أهلك هؤلاء القوم فهلاك العرب حاصل بأيدينا لا محالة ولم يزل القوم في الحرب والقتال حتى قامت الشمس في كبد السماء قال عبادة بن الصامت: فلله در خالد بن الوليد رضي الله عنه والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه والفضل بن العباس وضرار بن الأزور وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضوان الله عليهم أجمعين لقد رأيت هؤلاء الستة قد قرنوا مناكبهم في الحرب وقام بعضهم بجنب بعض وهم لا يفترقون وزادت الحرب اشتعالًا وخرقت الأسنة صدور الليوث حتى بلغت إلى خزائن القلوب لانقطاع الآجال ولم يزالوا في القتال الشديد الذي ما عليه من مزيد.
قال عبادة بن الصامت: فحملت معهم وكنت في جملتهم وقلت: يصيبني ما يصيبهم ونادى خالد بن الوليد وقال: يا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ههنا المحشر وقد أعطى خالد القلب مناه فلما حمى بينهم القتال حمل خالد بن الوليد وهاشم والمرقال وتكاثرت عليهم الرجال فلله در الزبير بن العوام والفضل بن العباس وهم ينادون: أفرجوا يا معاشر الكلاب وتباعدوا عن الأصحاب نحن الفرسان هذا الزبير بن العوام وأنا الفضل بن العباس وأنا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: فوحق رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أحصيت للفضل بن العباس عشرين حملة يحملها عن خالد بن الوليد حتى أزال عنه الرجال والأبطال وحملوا على المشركين حملة عظيمة ولم يزالوا في القتال يومهم إلى أن جنحت الشمس إلى الغروب والمسلمون قد جهدهم القلق على إخوانهم.
أما الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه فإنه صاح بالمسلمين وقال: يا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلك خالد بن الوليد ومن معه لا محالة وذهبت فرسان المسلمين فاحملوا بارك الله فيكم لننظر ما كان من أمر إخواننا فكل أجاب إلى قوله وإشارته إلا أبا سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه فإنه قال للأمير أبي عبيدة رضي الله عنه: لا تفعل أيها الأمير فإنه لا بد للقوم أن يتخلصوا ونرى ما يكون من أمرهم قال: فلم يلتفت أبو عبيدة رضي الله عنه إلى كلامه وهم أن يحمل وقد أخذه القلق فبينما هو كذلك وإذا جيش العرب المتنصرة منهزمون وأصوات الصحابة رضي الله عنهم قد ارتفعت بالتهليل والتكبير كل ينادي: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله والعرب المتنصرة منهزمة على أعقابهم كأنما صاح بهم صائح من السماء فبدد شملهم وأقبل خالد بن الوليد من وسط المعمعة يلتهب بما لحمه من التعب وكذا أصحابه الذين كانوا معه.
قال: وإن خالد بن الوليدافتقد أصحابه الستين رجلًا فلم يجد منهم إلا عشرين فجعل يلطم على وجهه وهو يقول: أهلكت المسلمين يا ابن الوليد فما عذرك غدًا عند الرحمن وعند الأمير عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فبينما هو متحير في ذلك إذ أقبل عليه الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه وفرسان المسلمين وأبطال الموحدين فنظر أبو عبيدة رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد وما يصنع بنفسه وقد اشتغل عن متابعة المشركين.
فقال أبو عبيدة: يا أبا سليمان الحمد لله على نصر المسلمين ودمار المشركين.
فقال خالد بن الوليد: اعلم أيها الأمير إن الله قد هزم الجيش ولكن أعقبتك الفرحة ترحة.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق