111
فتوح الشام ( للواقدي )
قال الواقدي: وكان عند البطريق هربيس في قصره جب عظيم مملوء طعامًا ففتحه وفرق الطعام على أهل حمص فسكنت بذلك نفوسهم وجعل البطريق يفرق على كبيرهم وصغيرهم بقية يومهم ذلك وقد انحصر أهل حمص جميعهم فنفد ذلك اليوم نصف ما في الجب وقال لهم: اقنعوا بما أعطيتكم ثلاثة أيام وأبرزوا إلى حرب عدوكم ثم أخذوا أهبة الحرب وعرض عسكره وانتخب منهم خمسة آلاف فارس من أولاد الزراوز والعمالقة لا يساويهم غيرهم فيهم ألف مدبجة ملكية وفتح خزانة جده جرجيس وفرق عليهم الدروع والجواشن والبيض والمغافر والقسي والنشاب والحراب وأقبل يحرضهم على القتال ويوعدهم بالمدد والنجدة من الملك هرقل.
.
.
ثم دعا بالقسوس والرهبان وقال لهم: خذوا أهبتكم وادعوا المسيح أن ينصرنا على العرب فإن دعاءكم لا يحجب ولا يرد قال فدخلوا كنيستهم المعظمة عندهم وهي كنيسة جرجيس وهي الجامع اليوم ونشروا المزامير وضجوا بالتهدير وأقبلوا يبتهلون بكلمة الكفر وباتوا بقية ليلتهم على مثل ذلك فلما كان الصباح دخل هربيس إلى البيعة وتقرب وصلوا عليه صلاه الموتى فدخل قصره وقدم له خنوص مشوي فأكله حتى أتى على آخره وقدم بين يديه باطية الذهب والفضة فشرب حتى انقلبت عيناه في أم رأسه ثم لبس ديباجًا محشوًا بالفرو والزرد الصغار المضعف العدد ولبس فوقها درعًا من الذهب الأحمر وعلق في عنقه صليبًا من الياقوت وتقلد بسيف من صنعة الهند وقدم له مهر كالطود العظيم فاستوى على ظهره وخرج من قصره طالبًا باب الرستن فأحاطت به بطارقته من الروم من كل جانب ومكان وفتحت أبواب حمص وخرجت الروم من كل جانب ومكان في عددهم وعديدهم وراياتهم وصلبانهم وبين يدي هربيس خمسة آلاف فارس من علوج الروم وهم بالعدد العديد والزرد النضيد فصفهم هربيس أمام المدينة كأنهم سد من حديد أو قطع الجلمود وقد وطنوا نفوسهم على الموت دون أموالهم وذراريهم فتبادر المسلمون إليهم مثل الجراد المنتشر وحملوا عليهم حملة عظيمة والعلوج كأنهم حجارة ثابتة ما ولوا عن مواضعهم ولا فكروا فيما نزل بهم فعندها صاح البطريق هربيس على رجاله وزجرهم فتبادرت الروم وصاح بعضهم ببعض وركب المسلمون وحملوا عليهم ورشقوا الرجال بالسهام واشتبكت الحرب واختلط الفريقان واقتتلوا قتالًا شديدًا ما عليه من مزيد إلا أن المسلمين رجعوا القهقرى وقد فشا فيهم القتل والجراح.
.
.
فلما نظر الأمير أبو عبيدة إلى ذلك من هزيمة المسلمين عظم عليه وكبر لديه وصاح فيهم بصوته: يا بني القرآن الرجعة الرجعة بارك الله فيكم فهذا يوم من أيام الله تعالى فاحملوا معه بارك الله فيكم فتراجع الناس وحملوا على أهل حمص حملة عظيمة وشدوا عليهم الحملة وحمل خالد بن الوليد رضي الله عنه في جمع كثير من بني مخزوم وجعلوا يضربن فيهم بسيوفهم ويطعنون برماحهم حتى طحنوهم طحن الحصيد ووضع المسلمون فيهم السيف وحمل ابن مسروق العبسي في طائفة من قومه من بني عبس وقد رفعوا أصواتهم بالتهليل والتكبير وصدموا الروم صدمة عظيمة فتراجعت الروم إلى الأسوار وقد فشا فيهم القتل فبربرت الروم بلغاتها وتراجعت على المسلمين وأحاطوا بهم من كل جانب ومكان ورشقت العلوج بالنشاب وطعنوا في المسلمين بالحراب وقد استتروا بالدرق والطوارق.
قال فلما نظر خالد بن الوليد إلى ذلك برز باللواء وكان هو صاحب اللواء يوم حمص وصاح خالد بأصحابه وقال: شدوا عليهم بالحملة بارك الله فيكم فإنها والله غنيمة الدنيا والآخرة.
قال فبينما خالد بن الوليد يحرض أصحابه على القتال إذ حمل عليه بطريق من عظماء الروم وعليه لامة مانعة وهو يهدر كالأسد فحمل خالد بن الوليد عليه وضربه على رأسه فوقع سيفه على البيضة فطار السيف من يد خالد بن الوليد وبقيت قبضته في يده فطمع العلج فيه وحمل عليه ولاصقه حتى حك ركابه بركاب خالد وتعانقًا جميعًا بالسواعد والمناكب فضم خالد العلج إلى صدره واحتضنه بيده وشد عليه بقوته فطحن أضلاعه وأدخل بعضها في بعض فأرداه قتيلًا وأخذ خالد سيف العلج وهزه في يده حتى طار منه الشرر ووضع رأسه في قربوس سرجه وحمل وصاح في بني مخزوم فحملوا حملة عظيمة وهاجوا في أوساطهم وخالد بن الوليد رضي الله عنه يفرقهم يمينًا وشمالًا وهو ينادي برفيع صوته: أنا الفارس الصنديد أنا خالد بن الوليد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزالوا في القتال الشديد الذي ما عليه من مزيد حتى توسطت الشمس في كبد السماء وحمى الدرع على خالد بن الوليد رضي الله عنه فخرج من المعركة وبنو مخزوم يتقاطرون من خلفه والدم يسيل ملء درعهم وسواعدهم كأنها شقائق الأرجوان وخالد بن الوليد رضي الله عنه في أوائلهم وهو يقول: ويل لجمع الروم من يوم شغب إني رأيت الحرب فيه تلتهب قال: فناداه الأمير أبو عبيدة: لله عزك يا أبا سليمان لله عزك لقد جاهدت في الله حق جهاده فلما نظر المرقال بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى غفلة الروم صاح في بني زهرة وحملوا في ميمنة الروم وحمل ميسرة بن مسروق العبسي في قومه وحمل عكرمة بن أبي جهل وحوله جمع كثير من بني مخزوم وحمل المسلمون بأجمعهم وقد اطلعوا على الشهادة وأيقنوا بالعناية.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق