84
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الاول
يوم مبايض وهو لشيبان على بني تميم
قال أبو عبيدة: حج طرف بن تميم العنبري التميمي وكان رجلًا جسيمًا يلقب مجدعًا وهو فارس قومه ولقيه حمصيصة بن جندل الشيباني من بني أبي ربيعة وهو شاب قوي شجاع وهو يطوف بالبيت فأطال النظر إليه فقال له طريف: لم تشد نظرك إلي قال حمصيصة: أريد أن أثبتك لعلي أن ألقاك في جيش فأقتلك.
فقال طريف: اللهم لا تحول الحول حتى ألقاه! ودعا حمصيصة مثله فقال طريف: أوكلّما وردت عكاظ قبيلةٌ بعقوا إليّ عريفهم يتوسّم حولي فوارس من أسيد جمّةٌ ومن الهجيم وحول بيتي خصّم تحتي الأغرّ وفوق جلدي نثرةٌ زغفٌ تردّ السيف وهو مثلّم في أبيات.
ثم إن بني أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان وبني مرة بن ذهل بن شيبان كان بينهم شر وخصام فاقتتلوا شيئًا من قتال ولم يكن بينهم دم.
فقال هانئ بن مسعود رئيس بني أبي ربيعة لقومه: إني أكره أن يتفاقم الشر بيننا فارتحل بهم فنزل على ماء يقال له بمائض وهو قريب من مياه بني تميم فأقاموا عليه أشهرًا وبلغ خبرهم بني تميم فأرسل بعضهم إلى بعض وقالوا: هذا حي منفرد وإن اصطلمتموهم أوهنتم بكر بن وائل.
واجتمعوا وساروا على ثلاثة رؤساء: أبو الجدعاء الطهوي على بني حنظلة وابن فدكى المنقري على بني سعد وطريف بن تميم على بني عمرو بن تميم.
فلما قاربوا بني أبي ربيعة بلغهم الخبر فاستعدوا للقتال فخطبهم هانئ بن مسعود وحثهم على القتال فقال: إذا أتوكم فقاتلوهم شيئًا من قتال ثم انحازوا عنهم فإذا اشتغلوا بالنهب فعودوا إليهم فإنكم تصيبون منهم حاجتكم.
وصبحهم بنو تميم والقوم حذرون فاقتتلوا قتالًا شديدًا وفعلت بنو شيبان ما أمرهم هانئ.
فاشتغلت تميم بالغنيمة ومر رجل منهم بابنٍ لهانئ بن مسعود صبي فأخذه وقال: حسبي هذا من الغنيمة وسار به وبقيت تميم مع الغنيمة والسبي.
فعادت شيبان عليهم فهزموهم وقتلوهم وأسروهم كيف شاءوا ولم تصب تميم بمثلها لم يفلت منهم إلا القليل ولم يلو أحد على أحد وانهزم طريف فاتبعه حمصيصة فقتله.
واستردت شيبان الأهل والمال وأخذوا مع ذلك ما كان معهم وفادى هانئ بن مسعود ابنه بمائة بعير وقال بعض شيبان في هذا اليوم: ولقد دعوت طرف دعوة جاهلٍ غرٍّ وأنت بمنظر لا تعلم وأتيت حيًّا في الحروب محلّهم والجيش باسم أبيهم يستهزم فوجدتهم يرعون حول ديارهم بسلًا إذا حام الفوارس أقدموا وإذا اعتزوا بأبي ربيعة أقبلوا بكتيبة مثل النجوم تلملم ساموك درعك والأغرّ كليهما وبنو أسيدٍ أسلموك وخصّم وقال عمرو بن سواد يرثي طريفًا: لا تبعدن يا خير عمرو بن جندب لعمري لمن زار القبور ليبعدا عظيم رماد النار لا متعبّسًا ولا مؤيسًا منها إذا هو أوقدا وما كان وقّافًا إذا الخيل أحجمت وما كان مبطانًا إذا ما تجرّدا قال أبو عبيدة: كانت بكر بن وائل قد أجدبت بلادهم فانتجعوا بلاد تميم بين ليمامة وهجر فلما تدانوا جعلوا لا يلقى بكري تميميًا إلا قتله ولا يلقى تميمي بكريًا إلا قتله إذا أصاب أحدهما مال الآخر أخذه حتى تفاقم الشر وعظم.
فخرج الحوفزان بن شريك والوادك بن الحارث الشيبانيان ليغيرا على بني دارم فاتفق أن تميمًا في تلك الحال اجتمعت في جمع كثير من عمرو بن حنظلة والرباب وسعد وغيرها وسارت إلى بكر بن وائل وعلى تميم أبو الرئيس الحنظلي.
فبلغ خبرهم بكر بن وائل فتقدموا وعليهم الأصم عمرو بن قيس بن مسعود أبو مفروق وحنظلة بن سيار العجلي وحمران ابن عبد عمرو العبسي فلما التقوا جعلت تميم والرباب بعيرين وجللوهما وجعلوا عندهما من يحفظهما وتركوهما بين الصفين معقولين وسموهما زويرين يعني: إلهين وقالوا: لا نفر حتى يفر هذان البعيران.
فلما رأى أبو مفروق البعيرين سأل عنهما فأعلم حالهما فقال: أنا زويركم وبرك بين الصفين وقال: قاتلوا عني ولا تفروا حتى أفر.
فاقتتل الناس قتالًا شديدًا فوصلت شيبان إلى البعيرين فأخذوهما فذبحوهما.
واشتد القتال عليهما فانهزمت تميم وقتل أبو الرئيس مقدمهم ومعه بشر كثير واجترفت بكر أموالهم ونساءهم وأسروا أسرى كثيرة ووصل الحوفزان إلى النساء والأموال وقد سار الرجال عنها للقتال فأخذ جميع ما خلفوه من النساء والأموال وعاد إلى أصحابه سالمًا وقال الأعشى في ذلك اليوم: نحن الذين هزمنا يوم صبّحنا يوم الزّويرين في جمع الأحاليف ظلّوا وظلّت تكرّ الخيل وسطهم بالشيّب منّا والمرد الغطاريف تستأنس الشرف الأعلى بأعينها لمح الصقور علت فوق الأظاليف انسلّ عنها بسيل الصّيل فانجردت تحت اللّبود متونٌ كالزحاليف وقد أكثر الشعراء في هذا اليوم لا سيما الأغلب العجلي فمن ذلك أرجوزته التي أولها: إن سرّك العزّ فجحجح بحشم يقول فيها: جاؤوا بزويريهم وجئنا بالأصمّ شيخ لنا كالليث من باقي إرم شيخٌ لنا معاودٌ ضرب البهم يضرب بالسيف إذا الرمح انقصم هل غير غارٍ صكّ غارًا فانهزم الغاران: بكر وتميم.
وله الأرجوزة التي أولها: يا ربّ حربٍ ثرّة الأخلاف يذكر فيها هذا اليوم.قال أبو عبيدة: أغار حاتم طيئ بجيش من قومه على بكر بن وائل فقاتلوهم وانهزمت طيئ وقتل منهم وأسر جماعة كثيرة وكان في الأسرى حاتم ابن عبد الله الطائي فبقي موثقًا عند رجل من عنيزة فأتته امرأة منهم اسمها عالية بناقة فقالت له: افصد هذه فنحرها فلما رأتها منحورة صرخت فقال حاتم: عالي لا تلتدّ من عاليه إنّ الذي أهلكت من ماليه إنّ ابن أسماء لكم ضامن حتّى يؤدّي آنسٌ ناويه لا أفصد الناقة في أنفها لكنّني أوجرها العاليه إنّي عن الفصد لفي مفخر يكره منّي المفصد الآليه والخيل إن شمّص فرسانها تذكر عند الموت أمثاليه وقال رميض العنزي يفتخر: ونحن أسرنا حاتمًا وابن ظالم فكلٌّ ثوى في قيدنا وهو يخشع وكعبّ إياد قد أسرنا وبعده أسرنا أبا حسّان والخيل تطمع وريّان غادرنا بوجٍّ كأنّه وأشياعه فيها صريمٌ مصرّع وقال يحيى بن منصور الذهلي قصيدةً يفتخر بأيام قومه وهي طويلة وفيها آداب حسنة أمن عرفان منزلةٌ ودارٌ تعاورها البوارح والسواري وقال أبو عبيدة: جاء الإسلام وليس في العرب أحدٌ أعز دارًا ولا أمنع جارًا ولا أكثر حليفًا من شيبان.
كانت عنينة من لخم في الأحلاف وكانت درمكة بن كندة في بني هند وكانت عكرمة من طيئ وحوتكة من عذرة وبنانة كل هؤلاء في بني الحارث بن همام وكانت عائذة من قريش وضبة وحواس من كندة هؤلاء في بني أبي ربيعة وكانت سليمة من بني عبد القيس في بني أسعد بن همام وكانت وثيلة من ثعلبة وبنو خيبري من طيئ في بني تميم بن شيبان وكانت عوف بن حارث من كندة في بني محلم.
كل هذه قبائل وبطون جاورت شيبان فعزت بها وكثرت.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق