إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 8 أبريل 2016

79 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الاول ذكر الفجار الأول والثاني


79

الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الاول

ذكر الفجار الأول والثاني


أما الفجار الأول فلم يكن فيه كثير أمرٍ ليذكر وإنما ذكرناه لئلا يرى ذكر الفجار الثاني وما كان فيه من الأمور العظيمة فيظن أن الأول مثله وقد أهملناه فلهذا ذكرناه‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ كان الفجار الأول بين قريش ومن معها من كنانة كلها وبين قيس عيلان‏.‏

وسببه أن رجلًا من كنانة كان عليه دين لرجل من بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن فأعدم الكناني فوافى النصري سوق عكاظ بقرد وقال‏:‏ من يبيعني مثل هذا بما لي على فلان الكناني فعل ذلك تعييرًا للكناني وقومه فمر به رجلٌ من كنانة فضرب القرد بالسيف فقتله أنفةً مما قال النصري فصرخ النصري في قيس وصرخ الكناني في كنانة فاجتمع الناس وتحاوروا حتى كاد يكون بينهم القتال ثم اصطلحوا‏.‏

وقيل‏:‏ كان سببه أن فتيةً من قريش قعدوا إلى امرأة من بني عامر وهي وضيئة عليها برقع فقالوا لها‏:‏ اسفري لننظر إلى وجهك‏:‏ فلم تفعل‏.‏

فقال غلام منهم فشك ذيك درعها إلى ظهرها ولم تشعر فلما قامت انكشفت دبرها فضحكوا وقالوا‏:‏ منعتنا النظر إلى وجهك فقد نظرنا إلى دبرك‏.‏

فصاحت المرأة‏:‏ يا بني عامر فضحت‏!‏ فأتاها الناس واشتجروا حتى كاد يكون قتال ثم رأوا أن الأمر يسير فاصطلحوا‏.‏

وقيل‏:‏ بل قعد رجل من بني غفار يقال له أبو معشر بن مكرز وكان عازمًا منيعًا في نفسه وكان بسوق عكاظ فمد رجله ثم قال‏:‏ نحن بنو مدركة بن خندف من يطعنوا في عينه لا يطرف ومن يكونوا قومه يغطرف كأنّه لجّة بحر مسرف أنا والله أعز العرب فمن زعم أنه أعز مني فليضربها بالسيف‏.‏

فقام رجل من قيس يقال له أحمر بن مازن فضربها بالسف فخرشها خرشًا غير كثير فاختصم الناس ثم اصطلحوا‏.‏

بنو نصر بالنون‏.‏وأما الفجار الثاني وكان بعد الفيل بعشرين سنة وبعد موت عبد المطلب باثنتي عشرة سنة ولم يكن في أيام العرب أشهر منه ولا أعظم فإنما سمي الفجار لما استحل الحيان كنانة وقيس فيه من المحارم وكان قبله يوم جبلة وهو مذكور من أيام العرب والفجار أعظم منه‏.‏

وكان سببه أن البراض بن قيس بن رافع الكناني ثم الضمري كان رجلًا فاتكًا خليعًا قد خلعه قومه لكثرة شره وكان يضرب المثل بفتكه فيقال‏:‏ أفتك من البراض‏.‏

قال بعضهم‏:‏ والفتى من تعرّفته الليلة فهو فيها كالحّية النضناض كلّ يوم له بصرف الليالي فتكةٌ مثل فتكة البرّاض فخرج حتى قدم على النعمان بن المنذر وكان النعمان يبعث كل عام بلطيمة للتجارة إلى عكاظ تباع له هناك وكان عكاظ وذو المجاز ومجنة أسواقًا تجتمع بها العرب كل عام إذا حضر الموسم فيأمن بعضهم بعضًا حتى تنقضي أيامها وكانت مجنة بالظهران وكانت عكاظ بين نخلة والطائف وكان ذو المجاز بالجانب الأيسر إذا وقفت على الموقف فقال النعمان وعنده البراض وعروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب المعروف بالرحال وإنما قيل له ذلك لكثرة رحلته إلى الملوك‏:‏ من يجيز لي لطيمتي هذه حتى يبلغها عكاظ فقال البراض‏:‏ أنا أجيزها أبيت اللعن على كنانة‏.‏

فقال النعمان‏:‏ إنما أريد من يجيزها على كنانة وقيس‏!‏ فقال عروة‏:‏ أكلبٌ خليع يجيزها لك أبيت اللعن‏!‏ أنا أجيزها على أهل الشيح والقيصوم من أهل تهامة وأهل نجد‏.‏

فقال البراض وغضب‏:‏ وعلى كنانة تجيزها يا عروة قال عروة‏:‏ وعلى الناس كلهم‏.‏

فدفع النعمان اللطيمة إلى عروة الرحال وأمره بالمسير بها وخرج البراض يتبع أثره وعروة يرى مكانه ولا يخشى منه حتى إذا كان عروة بين ظهري قومه بوادٍ يقال له تيمن ينواحي فدك أدركه البراض بن قيس فأخرج قداحه يستقسم بها في قتل عروة فمر به عروة فقال‏:‏ ما تصنع يا براض فقال‏:‏ أستقسم في قتلك أيؤذن لي أم لا‏.‏

فقال عروة‏:‏ استك أضيق من ذلك‏!‏ فوثب إليه البراض بالسيف فقتله‏.‏

فلما رآه الذين يقومون على العير والأحمار قتيلًا انهزموا فاستاق البراض العير وسار على وجهه إلى خيبر وتبعه رجلان من قيس ليأخذاه أحدهما غنوي والآخر غطفاني اسم الغنوي أسد ابن جوين واسم الغطفاني مساور بن مالك فلقيهما البراض بخيبر أول الناس فقال لهما‏:‏ من الرجلان قالا‏:‏ من قيس قدمنا لنقتل البراض‏.‏

فأنزلهما وعقل راحلتيهما ثم قال‏:‏ أيكما أجرأ عليه وأجود سيفًا قال الغطفاني‏:‏ أنا‏.‏

فأخذه ومشى معه ليدله بزعمه على البراض فقال للغنوي‏:‏ احفظ راحلتيكما ففعل وانطلق البراض بالغطفاني حتى أخرجه إلى خربة في جانب خيبر خارجًا من البيوت فقال للغطفاني‏:‏ هو في هذه الخربة إليها يأوي فأمهلني حتى أنظر أهو فيها‏.‏

فوقف ودخل البراض ثم خرج فقال‏:‏ هو فيها وهو نائم فأرني سيفك حتى أنظر إليه أضاربٌ هو أم لا فأعطاه سيفه فضربه به حتى قتله ثم أخفى السيف وعاد إلى الغنوي فقال له‏:‏ لم أر رجلًا أجبن من صاحبك تركته في البيت الذي فيه البراض وهو نائم فلم يقدم عليه‏.‏

فقال‏:‏ انظر لي من يحفظ الراحلتين حتى أمضي إليه فأقتله‏.‏

فقال‏:‏ دعهما وهما علي ثم انطلقا إلى الخربة فقتله وسار بالعير إلى مكة فلقي رجلًا من بني أسد بن خزيمة فقال له البراض‏:‏ هل لك إلى أن أجعل لك جعلًا أن تنطلق إلى حرب بن أمية وقومي فإنهم قومي وقومك لأن أسد بن خزيمة من خندف أيضًا فتخبرهم أن البراض بن قيس قتل عروة الرحال فليحذروا قيسًا‏!‏ وجعل له عشرًا من الإبل‏.‏

فخرج الأسدي حتى أتى عكاظ وبها جماعة من الناس فأتى حرب بن أمية فأخبره الخبر فبعث إلى عبد الله بن جدعان التيمي وإلى هشام بن المغيرة المخومي وهو والد أبي جهل وهما من أشراف قريش وذوي السن منهم وإلى كل قبيلة من قريش أحضر منها رجلًا وإلى الحليس بن يزيد الحارثي وهو سيد الأحابيش فأخبرهم أيضًا‏.‏

فتشاوروا وقالوا‏:‏ نخشى من قيس أن يطلبوا ثأر صاحبهم منا فإنهم لا يرضون أن يقتلوا به خليعًا من بني ضمرة‏.‏

فاتفق رأيهم على أن يأتوا أبا براء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب ملاعب الأسنة وهو يومئذ سيد قيس وشريفها فيقولوا له‏:‏ إنه قد كان حدث بين نجد وتهامة وإنه لم يأتنا علمه فأجز بين الناس حتى تعلم وتعلم‏.‏فأتوه وقالوا له ذلك فأجاز بين الناس وأعلم قومه ما قيل له ثم قام نفر من قريش فقالوا‏:‏ يا أهل عكاظ إنه قد حدث في قومنا بمكة حدثٌ أتانا خبره ونخشى إن تخلفنا عنهم أن يتفاقم الشر فلا يروعنكم تحملنا‏.‏

ثم ركبوا على الصعب والذلول إلى مكة‏.‏

فلما كان آخر اليوم أتى عامر بن مالك ملاعب الأسنة الخبر فقال‏:‏ غدرت قريش وخدعني حرب بن أمية والله لا تنزل كنانة عكاظ أبدًا‏.‏

ثم ركبوا في طلبهم حتى أدركوهم بنخلة فاقتتل القول فاشتعلت قيس فكادت قريش تنهزم إلا أنها على حاميتها تبادر دخول الحرم ليأمنوا به‏.‏

فلم يزالوا كذلك حتى دخلوا الحرم مع الليل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم وعمره عشرون سنة‏.‏

وقال الزهري‏:‏ لم يكن معهم ولو كان معهم لم ينهزموا وهذه العلة ليست بشيء لأنه قد كان بعد الوحي والرسالة ينهزم أصحابه ويقتلون وإذا كان في جمع قبل الرسالة وانهزموا فغير بعيد‏.‏

ولما دخلت قريش الحرم عادت عنهم قيس وقالوا لهم‏:‏ يا معشر قريش إنا لا نترك دم عروة وميعادنا عكاظ في العام المقبل وانصرفت إلى بلادها يحرض بعضها بعضًا ويبكون عروة الرحال‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق