62
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الاول
ذكر ملك كسرى أبرويز بن هرمز
ذكر ملك ابنه هرمز بن أنوشروان
وكانت أمه ابنة خاقان الأكبر وكان هرمز بن كسرى أديبًا ذا نية في الإحسان إلى الضعفاء والحمل على الأشراف فعادوه وأبغضوه وكان في نفسه مثل ذلك وكان عادلًا بلغ من عدله أنه ركب ذات يوم إلى ساباط المدائن فاجتاز بكروم فاطلع أسوار من أساورته في كرم وأخذ منه عناقيد حصرم فلزمه حافظ الكروم وصنع فبلغ من خوف الأسوار من عقوبة كسرى هرمز أن دفع إلى حافظ الكرم منطقة محلاة بذهب عوضًا من الحصرم فتركه.وقيل: كان مظفرًا منصورًا لا يمد يده إلى شيء إلا ناله وكان داهيًا ردي النية قد نزع إلى أخواله الترك وإنه قتل من العلماء وأهل البيوتات والشرف ثلاثة عشر ألف رجل وستمائة رجل ولم يكن له رأي إلا في تالف السفلة.
وحبس كثيرًا من العظماء وأسقهم وحط مراتبهم وحرم الجنود ففسد عليه كثير ممن كان حوله وخرج عليه شاية ملك الترك في ثلاثمائة ألف مقاتل في سنة ست عشرة من ملكه فوصل هراة وباذغيس وأرسل إلى هرمز والفرس يأمرهم بإصلاح الطرق ليجوز إلى بلاد الروم.
ووصل ملك الروم في ثمانين ألفًا إلى الضواحي قاصدًا له ووصل ملك الخزر إلى الباب والأبواب في جمع عظيم فإن جمعًا من العرب شنوا الغارة على السواد.
فأرسل هرمز بهرام خشنش ويعرف بجوبين في اثني عشر ألفًا من المقاتلة اختارهم من عسكره فسار مجدًا وواقع شايه ملك الترك فقتله برمية رماها واستباح عسكره ثم وافاه برموده بن شايه فهزمه أيضًا وحصره في بعض الحصون حتى استسلم فأرسله إلى هرمز أسيرًا وغنم ما في الحصن فكان عظيمًا.
ثم خاف بهرام ومن معه هرمز فخلعوه وساروا نحو المدائن وأظهروا أن ابنه أبرويز أصلح للملك منه وساعدهم على ذلك بعض من كان بحضرة هرمز وكان غرض بهرام أن يستوحش هرمز من ابنه أبرويز ويستوحش ابنه منه فيختلفا فإن ظفر أبرويز بأبيه كان أمره على بهرام سهلًا وإن ظفر أبوه نجا بهرام والكلمة مختلفة فينال من هرمز غرضه وكان يحدث نفسه بالاستقلال بالملك.
فلما علم أبرويز ذلك خاف أباه فهرب إلى أذربيجان فاجتمع عليه عدة من المرازبة والأصبهبذين ووثب العظماء بالمدائن وفيهم بندويه وبسطام خالا أبرويز فخلعوا هرمز وسلموا عينيه وتركوه تحرجًا من قتله وبلغ أبرويز الخبر فأقبل من أذربيجان إلى دار الملك.
وكان ملك هرمز إحدى عشرة سنة وتسعة أشهر وقيل: اثنتي عشرة سنة ولم يسلم من ملوك الفرس غيره لا قبله ولا بعده.
ومن محاسن السير ما حكي عنه أنه لما فرغ من بناء داره التي تشرف على دجلة مقابلة المدائن عمل وليمة عظيمة وأحضر الناس من الأطراف فأكلوا ثم قال لهم: هل رأيتم في هذه الدار عيبًا فكلهم قال: لا عيب فيها.
فقام رجل وقال: فيها ثلاثة عيوب فاحشة أحدها: أن الناس يجعلون دورهم في الدنيا وأنت جعلت الدنيا في دارك فقد أفرطت في توسيع صحونها وبيوتها فتتمكن الشمس في الصيف والسموم فيؤذي ذلك أهلها ويكثر فيها في الشتاء البرد والثاني أن الملوك يتوصلون في البناء على الأنهار لتزول همومهم وأفكارهم بالنظر إلى المياه ويترطب الهواء وتضيء أبصارهم وأنت قد تركت دجلة وبنيتها في القفر والثالث أنك جعلت حجرة النساء مما يلي الشمال من مساكن الرجال وهو أدوم هبوبًا فلا يزال الهواء يجيء فقال هرمز: أما سعة الصحون والمجالس فخير المساكن ما سافر فيه البصر وشدة الحر والبرد يدفعان بالخيش والملابس والنيران وأما مجاورة الماء فكنت عند أبي وهو يشرف على دجلة فغرقت سفينة تحته فاستغاث من بها إليه وأبي يتأسف عليهم ويصيح بالسفن التي تحت داره ليلحقوهم فإلى أن لحقهم غرق جميعهم فجعلت في نفسي أنني لا أجاور سلطانًا هو أقوى مني وأما عمل حجرة النساء في جهة الشمال فقصدنا به أن الشمال أرق هواء وأقل وخامة والنساء يلازمن البيوت فعمل لذلك وأما الغيرة فإن الرجال لا يخلون بالنساء وكل من يدخل هذه الدار إنما هو مملوك وعبد لقيم وأما أنت فما أخرج هذا منك إلا بغض لي فأخبرني عن سببه.
فقال الرجل: لي قرية ملك كنت أنفق حاصلها على عيالي فغلبني المرزبان فأخذها مني فقصدتك أتظلم منذ سنتين فلم أصل إليك فقصدت وزيرك وتظلمت إليه فلم ينصفني وأنا أؤدي خراج القرية حتى لا يزول اسمي عنها وهذا غاية الظلم أن يكون غيري يأخذ دخلها وأنا أؤدي خراجها.
فسأل هرمز وزيره فصدقه وقال: خفت أعلمك فيؤذيني المرزبان.
فأمر هرمز أن يؤخذ من المرزبان ضعف ما أخذ وأن يستخدمه صاحب القرية في أي شغل شاء سنتين وعزل وزيره وقال في نفسه: إذا كان الوزير يراقب الظالم فالأحرى أن غيره يراقبه فأمر باتخاذ صندوق وكان يقفله ويختمه بخاتم ويترك على باب داره وفيه خرقٌ يلقى فيه رقاع المتظلمين وكان يفتحه كل أسبوع ويكشف المظالم فأفكر وقال: أريد أعرف ظلم الرعية ساعة فساعة فاتخذ سلسلة طرفها في مجلسه في السقف والطرف الآخر خارج الدار في روزنة وفيها جرس وكان المتظلم يحرك السلسلة فيحرك الجرس فيحضره ويكشف ظلامته.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق