56
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الاول
ذكر أمر الفيل
لما دام ملك أبرهة باليمن وتمكن به بنى القليس بصنعاء وهي كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض ثم كتب إلى النجاشي: إني قد بنيت لك كنيسة لم ير مثلها ولست بمنتهٍ حتى أصرف إليها حاج العرب.
فلما تحدثت العرب بذلك غضب رجل من النسأة من بني فقيم فخرج حتى أتاها فقعد فيها وتغوط ثم لحق بأهله فأخبر بذلك أبرهة وقيل له: إنه فعل رجل من أهل البيت الذي تحجه العرب بمكة غضب لما سمع أنك تريد صرف الحجاج عنه ففعل هذا.
فغضب أبرهة وحلف ليسيرن إلى البيت فيهدمه وأمر الحبشة فتجهزت وخرج معه بالفيل واسمه محمود وقيل: كان معه ثلاثة عشر فيلًا وهي تتبع محمودًا وإنما وحد الله سبحانه الفيل لأنه عنى كبيرها محمودًا وقيل في عددهم غير ذلك.
فلما سار سمعت العرب به فأعظموه ورأوا جهاده حقًا عليهم فخرج عليه رجل من أشراف اليمن يقال له ذو نفر وقاتله فهزم ذو نفر وأخذ أسيرًا فأراد قتله ثم تركه محبوسًا عنده ثم مضى على وجهه فخرج عليه نفيل ابن حبيب الجثعمي فقاتله فانهزم نفيل وأخذ أسيرًا فضمن لأبرهة أن يدله على الطريق فتركه وسار حتى إذا مر على الطائف بعثت معه ثقيف أبا رغالٍ يدله على الطريق حتى أنزله بالمغمس فلما نزله مات أبو رغالٍ فرجمت العرب قبره فهو القبر الذي يرجم.
وبعث أبرهة الأسود بن مقصود إلى مكة فساق أموال أهلها وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم ثم أرسل أبرهة حناطة الحميري إلى مكة فقال: سل عن سيد قريش وقل له إني لم آت لحربكم إنما جئت لهدم هذا البيت فإن لم تمنعوا عنه فلا حاجة لي بقتالكم.
فلما بلغ عبد المطلب ما أمره قال له: والله ما نريد حربه هذا بيت الله وبيت خليله إبراهيم فإن يمنعه فهو يمنع بيته وحرمه وإن يخل بيته وبينه فوالله ما عندنا من دفع فقال له: انطلق معي إلى الملك.
فانطلق معه عبد المطلب حتى أتى العسكر فسأل عن ذي نفر وكان له صديقًا فدل عليه وهو في محبسه فقال له: هل عندك غناء فيما نزل بنا فقال: وما غناء رجل أسير بيدي ملك ينتظر أن يقتله ولكن أنيس سائس الفيل صديق لي فأوصيه بك وأعظم حقك وأسأله أن يستأذن لك على الملك فتكلمه بما تريد ويشفع لك عنده إن قدر.
قال: حسبي.
فبعث ذو نفر إلى أنيس فحضره وأوصاه بعبد المطلب وأعلمه أنه سيد قريش.
فكلم أنيس أبرهة وقال: هذا سيد قريش يستأذن فأذن له.
وكان عبد المطلب رجلًا عظيمًا وسيمًا فلما رآه أبرهة أجله وأكرمه ونزل عن سريره إليه وجلس معه على بساط وأجلسه إلى جنبه وقال لترجمانه: قل له ما حاجتك فقال له الترجمان ذلك فقال عبد المطلب: حاجتي أن يرد علي مائتي بعير أصابها لي فلما قال له ذلك فقال أبرهة لترجمانه: قل له قد كنت أعجبتني حين رأيتك ثم زهدت فيك حين كلمتني أتكلمني في إبلك وتترك بيتًا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه قال عبد المطلب: أنا رب الإبل وللبيت رب يمنعه.
قال: ما كان ليمنع مني.
وأمر برد إبله فلما أخذها قلدها وجعلها هديًا وبثها في الحرم لكي يصاب منها شيء فيغضب الله.
وانصرف عبد المطلب إلى قريش وأخبرهم الخبر وأمرهم بالخروج معه من مكة والتحرز في رؤوس الجبال خوفًا من معرة الجيش ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقه باب الكعبة وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة يا ربّ لا أرجو لهم سواكا يا ربّ فامنع منهم حماكا إنّ عدوّ البيت من عاداكا إمنعهم أن يخربوا فناكا وقال أيضًا: لا همّ إنّ العبد يم نع رحله فامنع حلالك لا يغلبنّ صليبهم ومحالهم غدرًا محالك ولئن فعلت فإنّه أمرٌ تتمّ به فعالك أنت الذي إن جاء با غٍ نرتجيك له كذلك ولّوا ولم يحووا سوى خزيٍ وتهلكهم هنالك لم أستمع يومًا بأر جس منهم يبغوا قتالك جرّوا جموع بلادهم والفيل كي يسبوا عيالك عمدوا حماك بكيدهم جهلًا وما رقبوا جلالك ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف والجبال فتحرزوا فيها ينتظرون ما يفعل أبرهة بمكة إذا دخل.والعود إلى اليمن فلما وجهوا الفيل أقبل نفيل بن حبيب الخثعمي فمسك بأذنه وقال: ارجع محمود ارجع راشدًا من حيث جئت فإنك في بلد الله الحرام! ثم أرسل أذنه فألقى الفيل نفسه إلى الأرض واشتد نفيل فصعد الجبل فضربوا الفيل فأبى فوجهوه راجعًا إلى اليمن فقام يهرول ووجهوه إلى الشام ففعل كذلك ووجهوه راجعًا إلى اليمن فقام يهرول ووجهوه إلى الشام ففعل كذلك ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى مكة فسقط إلى الأرض.
وأرسل الله عليهم طيرًا أبابيل من البحر أمثال الخطاطيف مع كل طير منها ثلاثة أحجار تحملها حجر في منقاره وحجران في رجليه فقذفتهم بها وهي مثل الحمص والعدس لا تصيب أحدًا منهم إلا هلك ليس كلهم أصابت وأرسل الله سيلًا ألقاهم في البحر وخرج من سلم مع أبرهة هاربًا يبتدرون الطريق الذي جاءوا منه ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن فقال نفير حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته: أين المفرّ والإله الطّالب والأشرم المغلوب غير الغالب وقال أيضًا: ألا حيّيت عنّا يا ردينا نعمناكم مع الإصباح عينا أتانا قابسٌ منكم عشاء فلم يقدر لقابسكم لدينا إذا لعذرتني وحمدت رأيي ولم تأسي لما قد فات بينا حمدت الله إذ عاينت طيرًا وخفت حجارةً تلقى علينا وكلّ القوم يسأل عن نفيلٍ كأنّ عليّ للحبشان دينا وأصيب أبرهة في جسده فسقطت أعضاؤه عضوًا عضوًا حتى قدموا به صنعاء وهو مثل الفرخ فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه. فلما هلك ملك ابنه يكسوم بن أبرهة وبه كان يكنى وذلت حمير واليمن له ونكحت الحبشة نساءهم وقتلوا رجالهم واتخذوا أبناءهم تراجمة بينهم وبين العرب.
ولما أهلك الله الحبشة وعاد ملكهم ومعه من سلم منهم ونزل عبد المطلب من الغد إليهم لينظر ما يصنعون ومعه أبو مسعود الثقفي لم يسمعا حسًا فدخلا معسكرهم فرأيا القوم هلكى فاحتفر عبد المطلب حفرتين ملأهما ذهبًا وجوهرًا له ولأبي مسعود ونادى في الناس فتراجعوا فأصابوا من فضلهما شيئًا كثيرًا فبقي عبد المطلب في غنىً من ذلك المال حتى مات.
ويبعث الله السيل فألقى الحبشة في البحر وقال كثير من أهل السير إن الحصبة والجدري أول ما رؤيا في العرب بعد الفيل وكذلك قالوا إن العشر والحرمل والشجر لم تعرف بأرض العرب إلا بعد الفيل.
وهذا مما لا ينبغي أن يعرض عليه فإن هذه الأمراض والأشجار قبل الفيل مذ خلق الله العالم.
ولما رد الله الحبشة عن الكعبة وأصابهم ما أصابهم عظمت العرب قريشًا وقالوا: أهل الله قاتل عنهم.
ثم مات يكسوم وملك بعده أخوه مسروق.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق