50
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الاول
ذكر ملك قباذ بن فيروز بن يزدجرد!
وكان قباذ قبل أن يصير الملك إليه قد سار إلى خاقان مستنصرًا به على أخيه بلاش فمر في طريقه بحدود نيسابور ومعه جماعة من أصحابه متنكرين وفيهم زرمهر بن سوخرا فتاقت نفسه إلى النكاح فشكا ذلك إلى زرمهر وطلب منه امرأة فسار إلى امرأة صاحب المنزل وكان من الأساورة وكان لها بنت حسناء فخطبها منها وأطمعها وزوجها فزوجا فدخل بها من ليلته فحملت بأنوشروان وأمر لها بجائزةٍ سنية وردها وسألتها أمها عن قباذ وحاله.
فذكرت أنها لا تعرف من حاله شيئًا غير أن سراويله منسوجة بالذهب فعلمت أنه من أبناء الملوك.
ومضى قباذ إلى خاقان واستنصره على أخيه فأقام عنده أربع سنين وهو يعده ثم أرسل معه جيشًا. فلما صار بالقرب من الناحية التي بها زوجته سأل عنها فأحضرت ومعها أنوشروان وأعلمته أنه ابنه. وورد الخبر إليه بذلك المكان أن أخاه بلاش قد هلك فتيمن بالمولود وحمله وأمه على مراكب نساء الملوك واستوثق له الملك وخص سوخرا وشكر لولده خدمته.
وتولى سوخرا الأمر فمال الناس إليه وتهاونوا بقباذ فلم يحتمل ذلك.
فكتب إلى سابور الرازي وهو أصبهبذ ديار الجبل ويقال للبيت الذي هو منه مهران فاستقدمه ومعه جنده فتقدم إليه فأعلمه عزمه على قتل سوخرا وأمره بكتمان ذلك فأتاه يومًا سابور وسوخرا عند قباذ فألقى في عنقه وهقًا وأخذه وحبسه ثم خنقه قباذ وأرسله إلى أهله وقدم عوضه سابور الرازي. وفي أيامه ظهر مزدك وابتدع ووافق زرادشت في بعض ما جاء به وزاد ونقص وزعم أنه يدعو إلى شريعة إبراهيم الخليل حسب ما دعا إليه زرادشت واستحل المحارم والمنكرات وسوى بين الناس في الأموال والأملاك والنساء والعبيد والإماء حتى لا يكون لأحد على أحد فضل في شيء البتة فكثر أتباعه من السفلة والأغتام فصاروا عشرات ألوف فكان مزدك يأخذ امرأة هذا فيسلمها إلى الآخر وكذا في الأموال والعبيد والإماء وغيرها من الضياع والعقار فاستولى وعظم شأنه وتبعه الملك قباذ. فقال يومًا لقباذ: اليوم نوبتي من امرأتك أم أنوشروان. فأجابه إلى ذلك فقام أنوشروان إليه ونزع خفيه بيده وقبل رجليه وشفع إليه حتى لا يتعرض لأمه وله حكمه في سائر ملكه فتركها.
وحرم ذباحة الحيوان وقال: يكفي في طعام الإنسان ما تنبته الأرض وما يتولد من الحيوان كالبيض واللبن والسمن والجبن فعظمت البلية به على الناس فصار الرجل لا يعرف ولده والولد لا يعرف أباه.
فلما مضى عشر سنين من ملك قباذ اجتمع موبذان موبذ والعظماء وخلعوه وملكوا عليهم أخاه جامسب وقالوا له: إنك قد أثمت باتباعك مزدك وبما عمل أصحابه بالناس وليس ينجيك إلا إباحة نفسك ونسائك وأرادوه على أن يسلم نفسه إليهم ليذبحوه ويقربوه إلى النار فامتنع من ذلك فحبسوه وتركوه لا يصل إليه أحد.
فخرج زرمهر بن سوخرا فقتل من المزدكية خلقًا وأعاد قباذ إلى ملكه وأزال أخاه جامسب.
ثم إن قباذ قتل بعد ذلك زرمهر.وقيل: لما حبس قباذ وتولى أخوه دخلت أختٌ لقباذ عليه كأنها تزوره ثم لفته في بساط وحمله غلام فلما خرج من السجن سأله السجان عما معه فقالت: هو مرحل كنت أحيض فيه فلم يمس البساط فمضى الغلام بقباذ وهرب قباذ فلحق بملك الهياطلة يستجيشه.
فلما صار بإيران شهر وهي نيسابور نزل برجل من أهلها له ابنة بكر حسنة جميلة فنحكها وهي أم كسرى أنوشروان فكان نكاحه إياها في هذه السفرة لا في تلك في قول بعضهم وعاد ومعه أنوشروان فغلب أخاه جامسب على الملك وكان ملك جامسب ست سنين.
وغزا قباذ بعد ذلك الروم ففتح مدينة آمد وبنى مدينة أرجان ومدينة حلوان ومات فملك ابنه كسرى أنوشروان بعده فكان ملك قباذ مع سني أخيه جامسب ثلاثًا وأربعين سنة فتولى أنوشروان ما كان أبوه أمر له به.
وفي أيامه خربت الخزر فأغاربت على بلاده فبلغت الدينور فوجه قباذ قائدًا من عظماء قواده في اثني عشر ألفًا فوطئ بلاد أران وفتح ما بين النهر المعروف بالرس إلى شروان ثم إن قباذ لحق به فبنى بأران مدينة البيلقان ومدينة برذعة وهي مدينة الثغر كله وغيرهما وبقي الخزر ثم بنى سدًا للآن فيما بين أرض شروان وباب اللان وبنى على السد مدنًا كثيرة خربت بعد بناء الباب والأبواب.لما ملك الحارث بن عمرو بن حجر الكندي العرب وقتل النعمان بن المنذر ابن امرئ القيس كما ذكرناه بعث إليه قباذ: إنه قد كان بيننا وبين الملك الذي كان قبلك عهد وأحب لقاءك.
وكان قباذ زنديقًا يظهر الخير ويكره الدماء ويداري أعداءه. فخرج إليه الحارث والتقيا واصطلحا على أن لا يجوز الفرات أحدٌ من العرب فطمع الحارث الكندي فأمر أصحابه أن يقطعوا الفرات ويغيروا على السواد فسمع قباذ فعلم أنه من تحت يد الحارث فاستدعاه فحضر فقال له: إن لصوصًا من العرب صنعت كذا وكذا فقال: ما علمت ولا أستطيع ضبط العرب إلا بالمال والجنود.
وطلب منه شيئًا من السواد فأعطاه ستة طساسيج وأرسل الحارث بن عمرو إلى تبع وهو باليمن يطمعه في بلاد العجم فسار تبع حتى نزل الحيرة وأرسل ابن أخيه شمرًا ذا الجناح إلى قباذ فحاربه فهزمه شمرٌ حتى لحق بالري ثم أدركه بها فقتله ثم وجه تبع شمرًا إلى خراسان ووجه ابنه حسان إلى السغد وقال: أيكما سبق إلى الصين فهو عليه وكان كل واحد منهما في جيش عظيم يقال: كانا في ستمائة ألف وأربعين ألفًا وأرسل ابن أخيه يعفر إلى الروم فنزل على القسطنطينية فأعطوه الطاعة والإتاوة ومضى إلى رومية فحاصرها فأصاب من معه طاعون فوثب الروم عليهم فقتلوهم ولم يفلت منهم أحد.
وسار شمر ذو الجناح إلى سمرقند فحاصرها فلم يظفر بها وسمع أن ملكها أحمق وأن له ابنةً وهي التي تقضي الأمور فأرسل إليها هديةً عظيمةً وقال لها: إنني إنما قدمت لأتزوج بك ومعي أربعة آلاف تابوت مملوءة ذهبًا وفضة أنا أدفعها إليك وأمضي إلى الصين فإن ملكت كنت امرأتي وإن هلكت كان المال لك.
فلما بلغتها الرسالة قالت: قد أجبته فليبعث المال فأرسل أربعة آلاف تابوت في كل تابوت رجلان.
ولسمرقند أربعة أبواب ولكل باب ألفا رجل وجعل العلامة بينهم أن يضرب بالجرس.
فلما دخلوا البلد صاح شمر في الناس وضرب بالجرس فخرجوا وملكوا الأبواب ودخل المدينة فقتل أهلها وحوى ما فيها وسار إلى الصين فهزم الترك ودخل بلادهم ولقي حسان بن تبع قد سبقه إليها بثلاث سنين فأقاما بها حتى ماتا وكان مقامهما فيما قيل إحدى وعشرين سنة وقيل: عادا في طرقهما حتى قدما على تبع بالغنائم والسبي والجواهر ثم انصرفوا جميعًا إلى بلادهم ومات تبع باليمن فلم يخرج أحد من اليمن غازيًا بعده.
وكان ملكه مائة وإحدى وعشرين سنة وقيل تهودٌ.
قال ابن إسحاق: كان تبع الآخر وهو تبان أسعد أبو كرب حين أقبل من المشرق بعد أن ملك البلاد جعل طريقه على المدينة وكان حين مر بها في بدايته لم يهج أهلها وخلف عندهم ابنًا له فقتل غيلةً فقدمها عازمًا على تخريبها واستئصال أهلها فجمع له الأنصار حين سمعوا ذلك ورئيسهم عمرو ابن الطلة أحد بني عمرو بن مبذول من بني النجار وخرجوا لقتاله وكانوا يقاتلونه نهارًا ويقرونه ليلًا.
فبينما هو على ذلك إذ جاءه حبران من بني قريظة عالمان فقالا له: قد سمعنا ما تريد أن تفعل وإنك إن أبيت إلا ذلك حيل بينك وبينه ولم نأمن عليك عاجل العقوبة.
فقال: ولم ذلك فقالا: إنها مهاجر نبي من قريش تكون داره.
فانتهى عما كان يريد وأعجبه ما سمع منهما فاتبعهما على دينهما واسمهما كعب وأسد وكان تبع وقومه أصحاب أوثان.
وسار من المدينة إلى مكة وهي طريقه فكسا الكعبة الوصائل والملاء وكان أول من كساها وجعل لها بابًا ومفتاحًا وخرج متوجهًا إلى اليمن فدعا قومه إلى اليهودية فأبوا عليه حتى حاكموه إلى النار وكانت لهم نار تحكم بينهم فيما يزعمون تأكل الظالم ولا تضر المظلوم.
فقال لقومه: أنصفتم.
فخرج قومه بأوثانهم وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما حتى قعدوا عند مخرج النار فخرجت النار فغشيتهم وأكلت الأوثان وما قربوا معها ومن حمل ذلك من رجال حمير وخرج الحبران تعرق جباههما لم تضرهما فأصفقت حمير على ديته.
وكان قدم على تبع قبل ذلك شافع بن كليب الصدفي وكان كاهنًا فقال له تبع: هل تجد لقومٍ ملكًا يوازي ملكي قال: لا إلا لملك غسان.
قال: فهل تجد ملكًا يزيد عليه قال: أجد لبار مبرور أيد بالقهور ووصف في الزبور وفضلت أمته في السفور يفرج الظلم بالنور أحمد النبي طوبى لأمته حين يجي أحد بني لؤي ثم أحد بني قصي! فنظر تبع في الزبور فإذا هو يجد صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم ملك بعد تبع هذا وهو تبان أسعد أبو كرب بن ملكيكرب ربيعة بن نصر اللخمي فلما هلك ربيعة رجع الملك باليمن إلى حسان بن تبان أسعد.
فلما ملك ربيعة رأى رؤيا هالته فلم يدع كاهنًا ولا ساحرًا ولا عائفًا إلا أحضره وقال لهم: رأيت رؤيا هالتني فأخبروني بتأويلها.
فقالوا: اقصصها علينا.
فقال: إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم بتأويلها فلما قال ذلك قال له رجلٌ منهم: إن كان الملك يريد ذلك فليبعث إلى سطيح وشق فهما يخبرانك عما سألت.
واسم سطيح ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن غسان وكان يقال له الذئبي نسبةً إلى ذئب بن عدي وشق بن مصعب بن يشكر بن أنمار.
فبعث إليهما فقدم عليه سطيح قبل شق فلما قدم عليه سطيح سأله عن رؤياه وتأويلها.
فقال: رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت بأرض بهمة فأكلت منها كل ذات جمجمة قال له الملك: ما أخطأت منها شيئًا فما عندك في تأويلها فقال: أحلف بما بين الحرتين من حنش ليهبطن أرضكم الحبش فليملكن ما بين أبين إلى جرش.
قال الملك: وأبيك يا سطيح إن هذا لغائظ موجع فمتى يكون أفي زماني أم بعده قال: بل بعده بحين ستين سنة أو سبعين يمضين من السنين.
قال: هل يدوم ذلك من ملكهم أو ينقطع قال: بل ينقطع لبضع وسبعين يمضين من السنين ثم يقتلون بها أجمعون ويخرجون منها هاربين.
قال الملك: ومن الذي يلي ذلك قال: يليه إرم ذي يزن يخرج عليهم من عدن فلا يترك أحدًا منهم باليمن.
قال: فيدوم ذلك من سلطانهن أو ينقطع قال: بل ينقطع يقطعه نبي زكي يأتيه الوحي من العلي وهو رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر.
قال: وهل للدهر من آخر قال: نعم يوم يجمع فيه الأولون والآخرون ويسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون.
قال: أحق ما تخبرنا يا سطيح قال: نعم والشفق والغسق والفلق إذا اتسق إن ما أنبأتك به لحق.
ثم قدم عليه شق فقال: يا شق إني رأيت رؤيا هالتني فأخبرني عنها وعن تأويلها! وكتمه ما قال سطيح لينظر هل يتفقان أم يختلفان.
قال: نعم رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة وأكمة فأكلت منها كل ذات نسمة. فلما سمع الملك ذلك قال: ما أخطأت شيئًا فما تأويلها قال: أحلف بما بين الحرتين من إنسان لينزلن أرضكم السودان وليملكن ما بين أبين إلى نجران.
قال الملك: وأبيك يا شق! إن هذا لغائظ فمتى هو كائن قال: بعدك بزمان ثم يستنقذكم منهم عظيم ذو شان ويذيقهم أشد الهوان وهو غلام ليس بدنيً ولا مزن يخرج من بيت ذي يزن.
فلا يترك أحدًا منهم باليمن قال: فهل يدوم سلطانه أم ينقطع قال: بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل بين أهل الدين والفضل يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل.
قال: وما يوم الفصل قال: يوم تجزى فيه الولاة ويدعى من السماء بدعوات ويسمع منها الأحياء والأموات ويجتمع فيه الناس للميقات.
فلما فرغ من مسألتهما جهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم فمن بقية ربيعة بن نصر كان النعمان بن المنذر ملك الحيرة وهو النعمان بن المنذر بن النعمان بن المنذر بن عمرو بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر ذلك الملك.
فلما هلك ربيعة بن نصر واجتمع ملك اليمن إلى حسان بن تبان بن أبي كرب بن ملكيكرب بن زيد بن عمرو ذي الأذعار كان مما هيج أمر الحبشة وتحول الملك عن حمير أن حسان سار بأهل اليمن يريد أن يطأ بهم أرض العرب والعجم كما كانت التبابعة تفعل.
فلما كان بالعراق كرهت قبائل العرب من اليمن المسير معه فكلموا أخاه عمرًا في قتل حسان وتمليكه فأجابهم إلى ذلك إلا ما كان من ذي رعين الحميري فإنه نهاه عن ذلك فلم يقبل منه فعمد ذو رعين إلى صحيفة فكتب فيها.فإمّا حميرٌ غدرت وخانت فمعذرة الإله لذي رعين ثم ختمها وأتى بها عمرًا فقال: ضع هذه عندك ففعل.
فلما بلغ حسان ما أجمع عليه أخوه وقبائل اليمن قال لعمرو: يا عمرو لا تعجل عليّ منيتي فالملك تأخذه بغير حشود فأبى إلا قتله فقتله بموضع رحبة مالك فكانت تسمى فرضة نعم فيما قيل ثم عاد إلى اليمن فمنع النوم منه فسأل الأطباء وغيرهم عما به وشكا إليهم السهر فقال له قائل منهم: ما قتل أحدٌ أخاه أو ذا رحم بغيًا إلا منع منه النوم.
فلما سمع ذلك قتل كل من أشار عليه بقتل أخيه حتى خلص إلى ذي رعين فلما أراد قتله قال: إن لي عندك براءة.
قال: وما هي قال: أخرج الكتاب الذي استودعتك.
فأخرجه فإذا فيه البيتان فكف عن قتله ولم يلبث عمرو أن هلك فتفرقت حمير عند ذلك.
قلت: هذا الذي ذكره أبو جعفر من قتل قباذ بالري وملك تبع البلاد من بعد قتله من النقل القبيح والغلط الفاحش وفساده أشهر من أن يذكر فلولا أننا شرطنا أن لا نترك ترجمة من تاريخه إلا ونأتي بمعناها من غير إخلال بشيء لكان الإعراض عنه أولى.
ووجه الغلط فيه أنه ذكر أن قباذ قتل بالري ولا خلاف بين أهل النقل من الفرس وغيرهم أن قباذ مات حتف أنفه في زمان معلوم وكان ملكه مدة معلومة كما ذكرناه قبل ولم ينقل أحد أنه قتل إلا في هذه الرواية.
ولما مات ملك ابنه كسرى أنوشروان بعده وهذا أشهر من: قفا نبك ولو كان ملك الفرس انتقل بعد قباذ إلى حمير كيف كان ملك ابنه بعده وتمكن في الملك حتى أطاعه ملوك الأمم وحملت الروم إليه الخراج! ثم ذكر أيضًا أن تبعًا وجه ابنه حسان إلى الصين وشمرًا إلى سمرقند وابن أخيه إلى الروم وأنه ملك القسطنطينية وسار إلى رومية فحاصرها فيا ليت شعري! ما هو اليمن وحضرموت حتى يكون بهما من الجنود ما يكون بعضهم في بلادهم لحفظها وجيش مع تبع وجيش مع حسان يسر بهم إلى مثل الصين في كثرة عساكره ومقاتلته وجيش مع ابن أخيه تبع يلقى به مثل كسرى ويهزمه ويملك بلاده ويحاصر به مثل سمرقند في كبرها وعظمها وكثرة أهلها وجيش مع يعفر يسير بهم إلى ملك الروم ويملك القسطنطينية! والمسلمون مع كثرة ممالكهم واتساعها وكثرة عددهم قد اجتهدوا ليأخذوا القسطنطينية أو ما يجاورها واليمن من أقل بلادهم عددًا وجنودًا فلم يقدروا على ذلك فكيف يقدر عليه بعض عساكر اليمن مع تبع هذا مما تأباه العقول وتمجه الأسماع.
ثم إنه قال: إن ملك تبع بلاد الفرس والروم والصين وغيرها كان بعد قتل قباذ يعني أيام ابنه أنوشروان ولا خلاف أن مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان في زمن أنوشروان وكان ملكه سبعًا وأربعين سنة ولا خلاف أيضًا أن الحبشة لما ملكت اليمن انقرض ملك حمير منه وكان آخر ملوكهم ذا نواس.
وكان ملك حمير قد اختل قبل ذي نواس وانقطع نظامهم حتى طمعت الحبشة فيه وملكته وكان ملكهم اليمن أيام قباذ وكيف يمكن أن يكون ملك الحبشة الذي هو مقطوع به أيام قباذ ويكون تبع هو الذي ملك اليمن قد قتل قباذ وملك بلاده قبل أن تملك الحبشة اليمن هذا مردود محال وقوعه وكان ملك الحبشة اليمن سبعين سنة وقيل أكثر من ذلك وكان انقراض ملكهم في آخر ملك أنوشروان والخبر في ذلك مشهور وحديث سيف ذي يزن في ذلك ظاهر ولم يزل اليمن بعد الحبشة في يد الفرس إلى أن ملكه المسلمون فكيف يستقيم أن ينقضي ملك تبع الذي هو ملك بلاد فارس ومن بعده من ملوك حمير وملك الحبشة وهو سبعون سنة في ملك أنوشروان وكان ملكه نيفًا وأربعين سنة وهذا أعجب أن مدة بعضها سبعون سنة تنقضي قبل مضي نيف وأربعين سنة ولو فكر أبو جعفر في ذلك لاستحيا من نقله.
وأعجب من هذا أنه قال: ثم ملك بعد تبع هذا ربيعة بن نصر اللخمي وهذا ربيعة هو جد عمرو بن عدي ابن أخت جذيمة وكان ملك عمرو والحيرة بعد خاله جذيمة أيام ملوك الطوائف قبل ملك أردشير بن بابك بخمس وتسعين سنة وبين أردشير وقباذ ما يقارب عشرين ملكًا وكيف يكون جد عمرو وقد ملك بعد قباذ وهو قبله بهذا الدهر الطويل ولو لم يترجم أبو جعفر على هذه الحادثة بقوله: ذكر الحوادث أيام قباذ لكان يحتمل تأويلًا فيه ثم ما قنع بذلك حتى قال بعد أن قص مسير تبع: وقتل قباذ وملك البلاد.
وأما ابن إسحاق فإنه قال: إن الذي سار إلى المشرق من التبابعة هو تبع الأخير ويعني بقوله تبع الأخير أنه آخر من سار إلى المشرق وملك البلاد فإن ابن إسحاق وغيره يقولون إن الذي ملك البلاد المشرقية لما توفي ملك بعده عدة تبابعة ثم اختل أمرهم زمانًا طويلًا حتى طمعت الحبشة فيهم وخرجت إلى اليمن.
فليت شعري إذا كان هذا تبع في أيام قباذ فلا شك أن تبعًا الأخير الذي أخذ منه اليمن يكون في زمن بني أمية ويكون ملك الحبشة اليمن بعد مدة من ملك بني العباس ويكون أول الإسلام من ثلاثمائة سنة من ملكهم أيضًا مما بعدها حتى يستقيم هذا القول.
ثم إنه قال: إن عمر بن طلحة الأنصاري خرج إلى تبع وعمر هذا قيل إنه أدرك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيخًا كبيرًا ومات عند مرجعه من غزوة بدر.
ومن الدليل على بطلانه أيضًا أن المسلمين لما قصدوا بلاد الفرس ما زالت الفرس تقول لهم عند مراسلاتهم ومحاوراتهم في حروبهم: كنتم أقل الأمم وأذلها وأحقرها والعرب تقر لهم بذلك فلو كان ملك تبع قريب العهد لقالت العرب: إننا بالأمس قتلنا ملككم وملكنا بلادكم واستبحنا حريمكم وأموالكم فسكوت العرب عن ذلك وإقرارها للفرس دليل على بعد عهده أو عدمه على أن الفرس لا تقر بذلك لا في قديم الزمان ولا في حديثه فإنهم يزعمون أن ملكهم لم ينقطع من عهد جيومرث الذي هو آدم في قول بعضهم إلى أن جاء الإسلام إلا أيام ملوك الطوائف وكان لملوك الفرس طرف من البلاد في ذلك الزمان لم ينقطع انقطاعًا كليًا على أن أصحاب السير قد اختلفوا في تبع الذي سار وملك البلاد اختلافًا كثيرًا شمر بن غش وقيل: تبع أسعد وإنه بعث إلى سمرقند شمرًا ذا الجناح إلى غير ذلك من الاختلافات التي لا طائل فيها.
وهذا القدر كافٍ في كشف الخطأ فيه.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق