إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 6 أبريل 2016

36 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الاول ذكر ملك سابور بن أردشير بن بابك


36

الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الاول

ذكر ملك سابور بن أردشير بن بابك


ولما هلك أردشير بن بابك قام بالملك بعده ابنه سابور وكان أردشير قد أسرف في قتل الأشكانية حتى أفناهم بسبب ألية آلاها جده ساسان بن أردشير بن بهمن فإنه أقسم أنه إن ملك يومًا من الدهر لم يستبق من نسل أشك بن جزه أحدًا وأوجب ذلك على عقبه فكان أول من ملك من عقبه أردشير فقتلهم جميعًا نساءهم ورجالهم غير أن جارية وجدها في دار المملكة فأعجبته وكانت ابنة للملك المقتول فسألها عن نسبها فذكرت أنها خادم لبعض نساء الملك‏.‏

فسألها أبكر أم ثيب فأخبرته أنها بكر فاتخذها لنفسه وواقعها فعلقت منه فلما أمنت منه بحبلها أخبرته أنها من ولد أشك فنفر منها ودعا هرجد بن اسام وكان شيخًا مسنًا فأخبره الخبر وقال له ليقتلها ليبر قسم جده‏.‏

فأخذها الشيخ ليقتلها فأخبرته أنها حبلى فأتى بالقوابل فشهدن بحبلها فأودعها سربًا في الأرض ثم قطع مذاكيره ووضعها في حق وختم عليه وحضر عند الملك فقال‏:‏ ما فعلت فقال‏:‏ استودعتها بطن الأرض ودفع الحقف إليه وسأله أن يختمه بخاتمه ويودعه بعض خزائنه ففعل‏.‏

ثم وضعت الجارية غلامًا فكره الشيخ أن يسمى ابن الملك دونه وخاف يعلمه به وهو صغير فأخذ له الطالع وسماه شابور ومعناه‏:‏ ابن الملك فيكون اسمًا وصفة وهو أول من سمي بهذا الاسم‏.‏

وبقي أردشير لا يولد له فدخل عليه الشيخ الذي عنده الصبي يومًا فوجده محزونًا فقال له‏:‏ ما يحزن الملك فقال‏:‏ ضربت بسيفي ما بين المشرق والمغرب حتى ظفرت وصفا لي ملك آبائي ثم أهلك وليس لي عقب فيه‏.‏

فقال له الشيخ‏:‏ سرك الله أيها الملك وعمرك‏!‏ لك عندي ولد طيب نفيس فادع لي بالحق الذي استودعتك أرك برهان ذلك‏.‏

فدعا أردشير بالحق وفتحه فوجد فيه مذاكير الشيخ وكتابًا فيه‏:‏ لما أخبرتني ابنة أشك التي علقت من ملك الملوك حين أمر بقتلها لم أستحل إتلاف زرع الملك الطيب فأودعتها بطن الأرض كما أمر وتبرأنا إليه من أنفسنا فأمره أردشير أن يجعل مع سابور مائة غلام وقيل‏:‏ ألف غلام من أشباهه في الهيئة والقامة ثم يدخلهم عليه جميعًا لا يفرق بينهم زي ففعل الشيخ‏.‏

فلما نظر إليهم أردشير قبلت نفسه ابنه من بينهم ثم أعطوا صوالجة وكرة فلعبوا بالكرة وهو في الإيوان فدخلت الكرة الإيوان فهاب الغلمان أن يدخلوه وأقدم سابور من بينهم ودخل فاستدل بإقدامه مع ما كان من قبوله له حين رآه أنه ابنه فقال له أردشير‏:‏ ما اسمك قال‏:‏ شاه بور‏.‏

فلما ثبت عنده أنه ابنه شهر أمره وعقد له التاج من بعده وكان عاقلًا بليغًا فاضلًا فلما ملك ووضع التاج على رأسه فرق الأموال على الناس من قرب ومن بعد وأحسن إليهم فبان فضل سيرته وفاق جميع الملوك وبنى مدينة نيسابور ومدينة سابور بفارس وبنى فيروز سابور وهي الأنبار وبنى جنديسابور‏.‏

وقيل‏:‏ إنه حاصر الروم بنصيبين وفيها جمع من الروم مدة ثم أتاه من ناحية خراسان من احتاج إلى مشاهدته فسار إليها وأحكم أمرها ثم عاد إلى نصيبين فزعموا أن سورها تصدع وانفرجت منه فرجة دخل منها وقتل وسبى وغنم وتجاوزها إلى بلاد الشام فافتتح من مدائنها مدنًا كثيرة منها فالوقية وقدوقية وحاصر ملكًا للروم بإنطاكية فأسره وحمله وجماعةً كثيرة معه فأسكنهم مدينة جنديسابور‏.‏كانت بجبال تكريت بين دجلة والفرات مدينة يقال لها الحضر وكان بها ملك يقال له الساطرون وكان من الجرامقة والعرب تسميه الضيزن وهو من قضاعة وكان قد ملك الجزيرة وكثر جنده وإنه تطرق بعض السواد إذ كان سابور بخراسان فلما عاد سابور أخبر بما كان منه فسار إليه وحاصره أربع سنين وقيل‏:‏ سنتين لا يقدر على هدم حصنه ولا الوصول إليه‏.‏

وكان للضيزن بنت تسمى النضيرة فحاضت فأخرجت إلى ربض المدينة وكذلك كان يفعل بالنساء وكانت من أجمل النساء وكان سابور من أجمل النساء فرأى كل واحد منهما صاحبه فتعاشقا فأرسلت إليه‏:‏ ما تجعل لي إن دللتك على ما تهدم به سور المدينة فقال‏:‏ أحكمك وأرفعك على نسائي‏.‏

فقالت‏:‏ عليك بحمامة ورقاء مطوقة فاكتب على رجلها بحيض جارية بكر زرقاء ثم أرسلها فإنها تقع على سور المدينة فيخرب وكان ذلك طلسم ذلك البلد‏.‏

ففعل وتداعت المدينة فدخلها عنوةً وقتل الضيزن وأصحابه فلم يبق منهم أحد يعرف اليوم وأخرب المدينة واحتمل النضيرة فأعرس بها بعين التمر فلم تزل ليلتها تتضور فالتمس ما يؤذيها فإذا ورقة آس ملتزقة بعكنة من عكن بطنها فقال لها‏:‏ ما كان يغذوك به أبوك قالت‏:‏ بالزبد والمخ وشهد الأبكار من النحل وصفو الخمر‏.‏

فقال‏:‏ وأبيك لأنا أحدث عهدًا بك وآثر لك من أبيك‏!‏ فأمر رجلًا فرسًا جموحًا ثم عصب غدائرها بذنبه ثم استركضها فقطعها قطعًا وقد أكثر وفي أيام سابور ظهر ماني الزنديق وادعى النبوة وتبعه خلقٌ كثير وهم الذين يسمون المانوية‏.‏

وكان ملكه ثلاثين سنة وخمسة عشر يومًان وقيل‏:‏ إحدى وثلاثين سنة وستة أشهر وتسعة أيام‏.‏


يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق