23
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الثالث
ذكر أمر الخوارج
لما استقر عبد الملك بالكوفة بعد قتل مصعب استعمل خالد بن عبد الله على البصرة فلما قدمها خالد كان المهلب يحارب الأزارقة فجعله على خاج الأهواز ومعونتها وسير أخاه عبد العزيز بن عبد الله إلى قتل الخوارج وسير معه مقاتل بن مسمع فخرجا يطلبان الأزراقة فأتت الخوارج من ناحية كرمان إلى دار ابجرد فأرسل قطري بن الفجاء المازني مع صالح بن مخارق تسعمائة فارس فاقبل يسير بهم حتى استقبل عبد العزيز وهو يسير مهلًا على غير تعبية فانهزم بالناس ونزل مقاتل بن مسمع فقاتل حتى قتل وانهزم عبد العزيز وأخذت امرأته ابنة المنذر بن الجارود فأقيمت فيمن يزيد فبلغت قيمتها مائة ألف فجاء رجل من قومها من رؤوس الخوارج فقال: تنحوا هكذا ما أرى هذه المشركة إلا قد فتنتكم! وضرب عنقها ولحق بالبصرة فرآه آل المنذر فقالوا: والله ما ندري أنحمدك أم نذمك! فكان يقول: ما فعلته إلا غيره وحمية.
وانتهى عبد العزيز إلى رامهرمز وأتى المهلب خبره فأرسل إليه شيخًا من الأزد وقال له: إن كان منهزمًا فعزه.
فأتاه الرجل فرآه نازلًا في نحو ثلاثين فارسًا كئيبًا حزينًا فأبلغه الرسالة وعاد إلى المهلب بالخبر فأرسل المهلب إلى أخيه خالد بن عبد الله يخبره بهزيمته.
فقال للرسول: كذبت.
فقال: والله ما كذبت فإن كنت كاذبًا فاضرب عنقي وإن كنت صادقًا فأعطني جبتك ومطرفك.
فقال: قد رضيت من الخطر العظيم بالخطر اليسير.
وحبسه وأحسن إليه حتى صح خبر الهزيمة.
قال ابن قيس الرقيات في هزيمة عبد العزيز وفراره عن امرأته: عبد العزيز فضحت جيشك كلهم وتركتهم صرعى بكل سبيل من بين ذي عطشٍ يجود بنفسه وملحبٍ بين الرجال قتيل هلا صبرت مع الشهيد مقاتلًا إذ رحت منكث القوى بأصيل وتركت جيشك لا أمير عليهم فارجع بعارٍ في الحياة طويل ونسيت عرسك إذ تقاد سبيةً تبكي العيون برنةٍ وعويل فكتب خالد إلى عبد الملك يخبره بذلك فكتب إليه عبد الملك: قد عرفت ذلك وسألت رسولك عن المهلب فأخبرني أنه عامل على الهواز فقيح الله رأيك حين تبعث أخاك أعرابيًا من أهل مكة على القتال وتدع المهلب يجبي الخراج وهو الميمون النقيبة المقاسي للحرب ابنها وابن أبنائها أرسل إلى المهلب يستقبلهم وقد بعثت إلى بشر بالكوفة ليمك بجيش فسر معهم لا ولا تعمل في عدوك برأي حتى يحضره المهلب والسلام.
وكتب عبد الملك إلى بشر أخيه بالكوفة يأمره بإنفاذ خمسة آلاف مع رجل يرضاه لقتال الخوارج فإذا قضوا غزوتهم ساروا إلى الري فقاتلوا عدوهم وكانوا مسلحةً فبعث بشر خمسة آلاف وعليهم عبد الرحمن بن محمد الأشعث فكتب له عهدًا على الري عند الفراغ من قتاله.
وخرج خالد بأهل البصرة حتى قدم الأهواز وقدمها عبد الرحمن بن محمد فيأهل الكوفة وجاءت الأزارقة حتى دنوا من الأهواز فقال المهلب لخالد: إني أرى هاهنا سفنًا كثيرة فضمها إليك فإنهم سيحرقونها فلم يمض إلا ساعة حتى أرسلوا إليها فأحرقوها.
وجعل خالد المهلب على ميمنته وعلى ميسرته داود بن قحذم من بني قيس بن ثعلبة ومر المهلب على عبد الرحمن بن محمد ولم يخندق عليه فقال: ما يمنعك من الخندق فقال: هم أهون علي من ضرطة الجمل.
قال: لا يهنوا عليك فإنهم سباع العرب.
ولم يبرح المهلب حتى خندق عبد الرحمن عليه فأقاموا نحوًا من عشرين ليلة ثم زحف خالد إليهم بالناس فرأوا أمرًا هالهم من كثرة الناس فكثرت عليهم الخيل وزحفت إليهم فانصرفوا كأنهم على حامية وهم مولون لا يرون طاقةً بقتل جماعة الناس.
فأرسل خالد داود بن قحذم في آثارهم وانصرف خالد إلى البصرة وسار عبد الرحمن إلى الري وأقام المهلب بالأهواز وكتب خالد إلى عبد الملك بذلك.
فلما وصل كتابه إلى عبد الملك كتب إلى أخيه بشر يأمره أن يبعث أربعة آلاف فارس من أهل الكوفة مع رجل بصير بالحرب إلى فارس في طلب الأزارقة ويأمر صاحبه بموافقة داود بن قحذم إن اجتمعا.
فبعث بشر عتاب بن ورقاء في أربعة آلاف فارس من أهل الكوفة فساروا حتى لحقوا داود فاجتمعوا ثم ابتعوا الخوارج حتى علكت خيول عامتهم وأصابهم الجوع والجهد ورجع عامة الجيشين مشاة إلى الأهواز.
وفي هذه السنة كان خروج أبي فديك الخارجي وهو من بني قيس بن ثعلبة فغلب على البحرين وقتل نجدة بن عامر الحنفي فاجتمع على خالد بن عبد الله نزول قطري الأهواز وأمر أبي فديك فبعث أخاه أمية بن عبد الله في جند كثيف إلى أبي فديك فهزمه أبو فديك وأخذ جاريةً له فاتخذها لنفسه فكتب خالد إلى عبد الملك بذلك.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق