75
فتوح الشام ( للواقدي )
قال الواقدي: فلما ورد كتاب عمر رضي الله عنه وقرأه نادى في المسلمين من كان في نفسه حد فليعط ذلك من نفسه وليتب إلى الله عز وجل ففعل ذلك كثير من الناس ممن كان شرب الخمر وأعطى الحد من نفسه ثم قال أبو عبيدة رضي الله عنه: إني عزمت على المسير إلى أنطاكيا وقصد قلب الروم لعل الله يفتح فتحًا على أيدينا.
فقال المسلمون: سر حيث شئت فنحن تبع لك نقاتل أعدائك فسر بقولهم وقال: تأهبوا للرحيل فإني سائر بكم إلى حلب فإذا فتحناها توجهنا منها إن شاء الله تعالى إلى أنطاكيا فأسرع المسلمون في إصلاح شأنهم وأخذوا أهبتهم فلما فرغ أبو عبيدة رضي الله محنه من جميع شغله أمر خالد بن الوليد رضي الله عنه أن يأخذ راية العقاب التي عقدها أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأمره أن يسير أمام الجيش بعسكر الزحف فسار خالد على المقدمة ومعه ضرار بن الأزور ورافع بن عميرة الطائي والمسيب بن نجية الفزاري والناس يتبع بعضهم بعضًا وترك على دمشق صفوان بن عامر السلمي وترك عنده خمسمائة رجل وسار أبو عبيدة بالمسلمين ومعه ناس من اليمن ومضر.
ذكر فتح حمص قال الواقدي: وسار أبو عبيدة على طريق البقاع واللبوة فلما وصل إلى هناك بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى حمص قال: يا أبا سليمان انهض على بركة الله تعالى وعونه ونازل القوم وشن الغارة على أرض العواصم وقنسرين وأنا أسير إلى بعلبك فلعل الله أن يسهل علينا فتحها ثم ودعه وسار خالد رضي الله عنه بمن معه إلى حمص وتوجه أبو عبيدة رضي الله عنه إلى بعلبك إذ ورد بطريق جوسيه ومعه الهدايا والتحف وصالح المسلمين سنة كاملة وقال: إن فتحتم بعلبك فأنا بين أيديكم ولا نخالف لكم قولًا فصالحهم أبو عبيدة رضي الله عنه على أربعة آلاف درهم وخمسين ثوبًا من الديباج فلما انبرم الصلح سار أبو عبيدة رضي الله عنه يطلب بعلبك فما بعد من اللبوة إلا وقد أشرف عليه راكب نجيب فإذا هو أسامة بن زيد الطائي فقال: يا أسامة من أين أقبلت فأناخ نجيبه وسلم على أبي عبيدة رضي الله عنه وعلى المسلمين وقال: أتيت من المدينة وسلم إليه كتابًا من عمر بن الخطاب رضي الله عنه ففضه أبو عبيدة رضي الله عنه وإذا فيه: لا له إلا الله محمد رسول الله بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى أمين الأمة: سلام عليك فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ما بعد فلا مرد لقضاء الله وقدره ومن كتب في اللوح المحفوظ كافرًا فلا إيمان له وذلك أن جبلة بن الأيهم الغساني كان قدم علينا ببني عمه وسراة قومه فأنزلتهم وأحسنت إليهم وأسلموا على يدي وفرحت بذلك إذ شد الله عضد الإسلام والمسلمين بهم ولم أعلم ما كمن في الغيب وإنا سرنا إلى مكة حرسها الله تعالى وعظمها نطلب الحج فطاف جبلة بالبيت أسبوعًا فوطئ رجل من فزارة إزاره فسقط إزاره عن كتفه التفت إلى الفزاري وقال: يا ويلك كشفتني في حرم الله تعالى فقال: والله ما تعمدتك فطم جبلة بن الأيهم الفزاري لطمة هشم بها أنفه وكسر ثناياه الأربع فأقبل الفزاري إلي مستعينًا على جبلة فأمرت بإحضاره وقلت له: ما حملك على أن لطمت أخاك في الإسلام وكسرت ثناياه الأربع وهشمت أنفه فقال جبلة: إنه وطئ إزاري برجله فحله والله لولا حرمة هذا البيت لقتلته فقلت له: قد أقررت على نفسك فإما أن يعفو عنك وإما أن آخذ له منك القصاص فقال: أيقتص مني وأنا ملك وهو من السوقة.
قلت: قد شملك إياه الإسلام فما تفضله إلا بالعافية فقال: أتتركني إلى غدًا وتقص مني.
فقلت مزاري: أتتركه إلى غد.
قال: نعم.
فلما كان الليل ركب في بني عمه وتوجه إلى الشام إلى كلب الطاغية وأرجو أن الله تعالى يظفرك به فأنزل على حمص ولا تنفذ عنها فإن صالحك أهلها فصالحهم وإن أبوا فقاتلهم وابعث عيونك إلى أنطاكية وكن على حذر من متنصرة والسلام عليك ورحمة الله وعلى جميع المسلمين.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق