417
فتوح الشام ( للواقدي )
نقص صفحة 256 قال الواقدي: فعندها ترجل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيولهم وأمسكوها لعبيدهم وأقبلوا يتبخترون في مشيهم ويجرون حمائل سيوفهم ويخترقون صفوف الكفار وهم لا يهابونهم إلى أن وصلوا إلى سرير الملك فدخلوا إلى أن وصلوا إلى النمارق والفرش والديباج والملك جالس على سريره ولما نظر المسلمون إلى ذلك عظموا الله تعالى وكبروه فارتج السرادق وتغيرت ألوان القوم وصاح بهم الحجاب: قبلوا الأرض للملك فلم يلتفتوا إليهم.
قال المغيرة: لا ينبغي السجود إلا للملك المعبود ولعمري كانت هذه تحيتنا قبل فلما بعث الله تعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك فلا يسجد بعضنا لبعض.
قال: فسكتوا.
قال: فأمر الملك بكراسي من ذهب وفضة فنصبت لهم فلم يجلسوا عليها وكانوا من حين دخلوا أمروا بعض عبيدهم أن يطووا البسط من تحت أرجلهم إلى أن وصلوا إلى فرش الديباج فشالوها على جنب فقالت لهم البطارقة: قد أسأتم الأدب معنا إذ لم تسجدوا للملك ولم تمشوا على فرشنا فقال المغيرة: إن الأدب مع الله تعالى أفضل من الأدب معكم والأرض أطهر من فرشكم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) وقال الله تعالى: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} [طه: 55].
قال الواقدي: لم يكن بين البطليوس والصحابة ترجمان لأنه كان أعرف أهل زمانه بلسان العربية فعند ذلك أمرهم بالجلوس فقال المغيرة: إما أن تنزل عن سريرك وتكون معنا على الأرض أو تأذن لنا بالجلوس معك على السرير لأن الله تعالى شرفنا بالإسلام.
قال فأشار لهم بالجلوس معه على السرير بعد أن أزالوا تلك الفرش وجلس المغيرة إلى جانبه فالتفت البطليوس لعنه الله إليهم وقال لهم: أيكم المتكلم عن أصحابه.
فأشاروا إلى المغيرة رضي الله عنه والصحابة جلوس وأيديهم على مقابض سيوفهم فالتفت البطليوس إلى المغيرة وقال له: ما اسمك.
فقال: عبد الله المغيرة فقال: يا مغيرة إني أكره أن أبدأك بالكلام فقال المغيرة: تكلم بما شئت فإن عندي لكل كلام جوابًا.
ثم إن البطليوس أفصح في كلامه وقال: الحمد لله الذي جعل سيدنا المسيح أفضل الأنبياء وملكنا أفضل الملوك ونحن خير سادة فقطع عليه المغيرة فقالت الحجاب والنواب: لقد أسأت الأدب مع الملك يا أخا العرب فأبى المغيرة أن يسكت وقال: الحمد لله الذي هدانا للإسلام وخصنا من بين الأمم بمبعث محمد عليه أفضل الصلاة والسلام فهدانا به من الضلالة وأنقذنا به من الجهالة وهدانا إلى الصراط المستقيم فنحن خير أمة أخرجت للناس نؤمن بنبينا ونبيكم وبجميع الأنبياء وجعل أميرنا الذي هو متولي علينا كأحدنا لو زعم أن ملك وجار عزلناه عنا فلسنا نرى له فضلًا علينا إلا بالتقوى وقد جعلنا الله نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونقر بالذنب ونستغفر منه ونعبد الله وحده لا شريك له ولو أذنب الرجل منا ذنوبًا تبلع مثل الجبال فتاب قبلت توبته وإن مات مسلمًا فله الجنة قال: فتغير لون البطليس.
ثم سكت قليلًا وقال: الحمد لله الذي ابتلانا بأحسن البلاء وأغنانا من الفقر ونصرنا على الأمم الماضية ولقد كانت جماعة منكم قبل اليوم يأتون إلى بلادنا فيمتارون البر والشعير وغيره ونحسن إليهم وكانوا يشكرونا على ذلك وأنتم جئتمونا بخلاف ذلك تقتلون الرجال وتسبون النساء وتغنمون المال وتنهبون المدائن والحصون والقلاع وتريدون أن تخرجونا من بلادنا وديارنا وأنتم لم تكن أمة من الأمم أضعف حالًا منكم لأنكم أهل الشعير والدخن وجئتم بعد ذلك تطمعون في بلادنا وأموالنا وحولنا جنود كثيرة وشوكتنا شديدة وعصابتنا عظيمة ومدينتنا حصينة والذي جرأكم علينا أنكم ملكتم الشام والعراق واليمن والحجاز وارتحلتم إلى بلادنا وأفسدتم كل الفساد وخربتم المدائن والقلاع ولبستم ثيابًا فاخرة وتعرضتم لبنات الملوك والبطارقة وجعلتموهن خدمًا لكم وأكلتم طعامًا طيبًا ما كنتم تعرفونه وملأتم أيديكم بالذهب والفضة والمتاع الفاخر واللآلئ والجواهر ومعكم متاعنا وأموالنا التي من قومنا وأهل ديننا ونحن نترك لكم ذلك جميعه ولا ننازعكم عليه ولا نؤاخذكم بما تقدم من فعلكم من قتل رجالنا ونهب أموالنا والآن فارحلوا عنا واخرجوا من بلادنا.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق