30
أوراق ذابلة من حضارتنا
دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية
القسم الثالث : دول مغربية تسقط
7- وسقوط بني حماد في الجزائر
لا يلد الانفصال إلا انفصالا ، والسير ضد سنة الله محاولة انتحارية ومن سمات حركة التطور البشري أن الروح العامة تؤدي دورا مهما في عملية السير التاريخي .
فإذا كانت الروح العامة متجهة إلى الخير تسابق الناس إلى الخير ، وهكذا تقدمت حركات الإصلاح ، وهكذا استقطبت أجيالا في أيامها ، والأمر نفسه ينطبق على الشر ، ولم تمت الأمم إلا بالروح الشريرة العامة التي جعلت التحلل " مودة " والتفسخ الخلقي " فضيلة " ، والسقوط تقدمية .. وهكذا تحللت الأمة الإسلامية في فترات تداعيها .. فمن انفصال إلى خلافات كبرى ثلاث ( عباسية ببغداد ، أموية بالأندلس ، فاطمية في مصر ) وإلى انفصال آخر في الأندلس بين ملوك الطوائف، وفي المشرق بين الشام ومصر واليمن ، وهكذا ، وفي المغرب العربي بين بني زيري في تونس وزناتة ثم المرابطين في المغرب الأقصى ، وبني حماد في الجزائر .
ولقد كانت السنوات الأولى من القرن الخامس الهجري " الحادي عشر الميلادي " مسرحا لمعارك طويلة دارت بين بني زيري الذين يحكمون تونس ، وبني حماد الذين أحبوا تكوين إمارة مستقلة بهم في الجزائر ، بعد أن كان بنو زيري يحكمون تونس والجزائر معا .
وعبر حروب طويلة خاضها حماد مؤسس الدولة مع بني زيري في ناحية .. ومع زناتة في المغرب الأقصى من ناحية أخرى ، عبر هذه الحروب استطاع حماد بمساعدة ظروف كثيرة منها عنصر المصادفة ... أن يستقل بجزء كبير من أرض الجزائر الإسلامية وكان ذلك سنة 408 هـ ( 1016م ) حين نجح في عقد صلح مع المعز بن باديس حاكم تونس - ( 405 ـ 454م ) وأصبح الرجل الأول في الجزائر .
ولقد عاشت هذه الدولة قريبا من مائة وأربعين سنة وتعاور الحكم فيها تسعة من الملوك كان من أشهرهم حماد نفسه ( 408 ـ 419 هـ ) والقائد بن حماد (408ـ 466 هـ ) والناصر بن علناس ( 454 ـ 481 هـ ) والمنصور بن الناصر ( 481 ـ 498 هـ ) .
إلى أن وصل الحكم ليحيى بن العزيز الذي حكم ما بين ( 515 ـ 547 هـ ) فكان سلوكه ومجموعة ظروف أخرى من أسباب سقوط الدولة على يد الموحدين سنة 547 هـ 1152م .
لقد كانت دولة بني حماد انفصالا من انفصال .. وسارت في طريقها فكان طريقها على امتداده زاخرا بالمشاكل ، وعلى امتداد هذا التاريخ كانت الحروب شبه دائمة بين الحماديين وقبيلة زناتة وبني زيري .
مضافا إلى ذلك أن هذه الدولة لم تكن لها أهداف محددة ، اللهم إلا هدف البقاء والسيطرة .
وكان كثير من ملوكها يمتازون بالقسوة الشديدة ، بل إن مؤسسها حمادا نفسه استعمل أسلوب الدم كي يبني دعائم دولته .
ولقد دمر مدنا وقرى أمنت لعهده ووثقت في كلماته ، وكان مكروها من جنوده ، وقد تتابع هذا النهج في كثير من أحفاده كبلقين بن محمد ، وباديس ، وبعض أيام يحيى آخر الأمراء .
لقد كان يحيى بن عبد العزيز ( آخر الأمراء الحماديين ) عابثا لاهيا ، وربما كان لهوه ومجونه هذا هو السبب المباشر لسقوط الدولة .
وأيضا من المحتمل أن بروز قوة كبرى في المغرب وهي قوة دولة الموحدين بقيادة محمد بن تومرت ثم خليفته " عبد المؤمن بن علي " يحتمل أن يكون هذا كذلك هو السبب المباشر في السقوط .. لكن مع ذلك يبقى أن كل هذا لم يكن إلا المرحلة الأخيرة في السقوط وهي تلك المرحلة التي تركبها عجلات التاريخ لتقفز بها قفزتها الأخيرة .. أما الأسباب الحقيقية لسقوط الدولة فتتلخص في سياسة الدولة الخارجية التي كانت أكبر عار في تاريخها وأكبر لطمة في وجهتها إلى نفسها .
فلقد انتهجت هذه الدولة نهجا سياسيا ذاتيا يعتمد على البحث عن النفس حتى ولو سقط العالم الإسلامي كله .
وسقطت تكريت ، وسقطت رودس ، وسقطت صقلية وعاصمتها العظيمة " بلرم "، وسقطت المهدية عاصمة أبناء عمومتهم في تونس .
سقط كل هذا فلم تتحرك عواطف زعماء هذه الدولة ، بل إنهم كانوا يعقدون معاهدات صداقة مع المسيحيين . ظنا منهم أن للصليبيين عهدا أو شرفا أو أمانة ، وناسين قوله تعالى " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " .
ولقد أثبت لهم الصليبيون صدق منطق القرآن فهاجموهم بالرغم من معاهداتهم معهم سنة 524 هـ وهاجموهم في المهدية سنة 529 هـ .
وسقطت دولة الحماديين ، لأن كلمة التاريخ التي هي جزء من سنة الله تقول :
إن الدول كالأفراد ، تتآكل بالتدريج ما لم تبحث عن شملها المبعثر ، أو كما يقول المثل العربي الصادق : " إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض " .
وسقطت دولة الحماديين سنة 547 هـ على يد قوة إسلامية جديدة .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق