431
فتوح الشام ( للواقدي )
قال الواقدي: هذا ما جرى لهؤلاء وأما عدو الله بطليوس فإنه حمل هما وحصل له ما لا ينبغي شرحه وأمر بجمع البطارقة فلما اجتمعوا شكا لهم أمر العرب وما لقوا من الحرب وقال لهم: فما الرأي عندكم فقالوا: كلنا بين يديك فإذا أمرتنا بالقتال قاتلنا على سور بلدنا قال: سأدبر لكم أمرًا وهو تدبير من خاض الحروب وعرفها ثم أمر باجتماع الناس خاصتهم وعامتهم فاجتمعوا إليه إلا من بقي على الأبواب خوفًا من المسلمين فلما تكاملوا واجتمعوا قال: إني عزمت أن أهجم على القوم هذه الليلة وأكبسهم في أماكنهم والليل مدلهم وأنتم أعرف بمسالك البلد من غيركم فلا يبقى منكم أحد إلا ويتأهب ويخرج معي من بابه ونكبس القوم وأخرج أنا بنفسي ومن معي من باب توما وأرجو وصولي إلى مسرتي وإلا أموت بحسرتي وأبيدهم أولا بأول لعلي أن أصل إلى أميرهم فآخذه أسيرًا وأبلغ مقصدي.
قالوا: حبًا وكرامة ثم بعث فرقة إلى باب الجبل وفرقة إلى باب قندوس وفرقة إلى الباب الشرقي وانتدب معه سادات قومه ومن عرف بالشجاعة وأخذهم معه ثم أقبل على القوم قبل انصرافهم وقال: سآمر صاحب الناقوس أن يخفق لكم الناقوس خفقة عند خروجي من الباب فتخرجون جميعًا فامتثلوا ما أمرهم به وقاموا ينتظرون الإشارة وأما صاحب الناقوس فاحتمله وصعد به على السور أي البرج وفعل ما أمره به البطليوس فخرج القوم كالسلاهب وضج البطليوس في عشرين ألف فارس من الشجعان وهو يوصيهم وقال أسرعوا في مشيكم فإذا وصلتم إلى القوم فاحملوا عليهم ومكنوا السيوف والخناجر من رقابهم ومن صاح الأمان فلا تبقوا عليه إلا أن يكون أمير القوم ومن أبصر منكم الصليب الذي أخذ منا فليأخذه ومن أتى به أكرمته.
ثم أمر صاحب الناقوس أن يضربه فضربه ضربة سمعها أهل الأبواب ففتح البوابون وتبادروا للخروج وخرج اللعين وسمع المسلمون الصوت فبادروا من أماكنهم مسرعين يخفر بعضهم بعضًا وهم على يقظة وتبادروا كالأسود الضارية المشتاقة إلى فرائسها فلم تصل القوم إليهم إلا وهم على حفر إلا أنهم غير مرتبين فتجاول القوم في ظلام الليل وسمع الأمير خالد ذلك منهم فصاح: واغوثاه وامحمداه وإسلاماه كيد قومي ورب الكعبة اللهم انظر إليهم بعينك التي لا تنام وانصرهم على عدوهم ولا تسلمهم إلى شر خلقك ثم سار خالد وهو مكشوف الرأس بلا خوذة وألهته الزعقة عن لبس السلاح وسار في القوم وهو ينشد ويقول: فاض دمعي واعتراني حزني ضاق صدري وبراني شجني رب سلم من نزول المحن وانصر الإسلام يا ذا المنن بالنبي الهاشمي العدني أحمد المختار طه المدني قال الراوي: ثم وصل إلى باب توما ومعه خمسمائة من السادات وأصحاب النجدة مثل الفضل بن العباس والفضل بن أبي لهب وزياد بن أبي سفيان بن الحرث وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب والمقداد بن الأسود وزيد بن ثابت وعبد الله بن زيد ومسلم بن عقيل وأبي ذر الغفاري وعبادة بن الصامت وبدر بن مسلم وعقبة بن نافع والمغيرة بن شعبة والمسيب بن نجيبة الفزاري رضي الله عنهم وعلت أصوات المسلمين بالتهليل والتكبير والقوم من أعلى الأسوار قد رطنوا بلغتهم وتصارخوا عندما استيقظ المسلمون وحمل خالد على القوم ونادى: يا مسلمون أتاكم الغوث من رب العالمين أنا الفارس الصنديد والبطل المجيد أنا خالد بن الوليد ثم حمل في وسط الروم بمن معه فقتل رجالًا وجندل أبطالًا وهو مع ذلك مشتغل القلب بالأمير عياض وبقية الأمراء الذي على الأبواب وهو يسمع صراخهم وزعقاتهم.
قال الواقدي: حدثنا عبد الله بن عون قال: حدثنا جابر بن سنان عن عقبة بن عامر قال: كان الروم والنصارى من أعلى السور يرمون بالحجارة والسهام ولقيت المسلمون من عدو الله البطليوس أمرًا عظيمًا لم يروا قبله مثله وكان أول من وصل إليهم البطليوس لعنه الله فصبرت له المسلمون صبر الكرام وقاتل عدو الله البطليوس قتالًا شديدًا وقال أروني الذي أخذ صليبي بالأمس فلما سمع الفضل بن العباس صوته قصد جهته وقال ها أنا صاحبك وغريمك أنا مبيد جمعكم وآخذ صليبكم أنا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطف عليه البطليوس عطفة الأسد على فريسته وقال: إياك طلبت ثم انفرد له وصادمه فلم الناس في طول الأيام ضربًا كضربهما في تلك الليلة.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق