438
فتوح الشام ( للواقدي )
قال: ثم خرجت الروم وقاتلت قتالًا شديدًا وتواثبت جماعة من الأمراء مثل الزبير بن العوام وابنه عبد الله وعبد الرحمن بن أبي بكر إلى باب البحر واقتتلوا قتالًا شديدًا وتقدم عبد الرحمن والزبير إلى الباب والروم على أعلى السور ونزل عن جواده وصلى ركعتين والحجارة تتساقط عليه وهو لا ينزعج لذلك وتقدم هو والفضل وعبد الرحمن بن أبي بكر إلى الباب وجعلوا السلاسل من فوق وصعدوا إلى أعلى إلبرج وهدموا الشرافات ووضعوا السيف في الحراس وفتحوا الباب ووثب شرحبيل بن حسنة والفضل بن العباس وأبو ذر الغفاري وأبو أيوب الأنصاري إلى باب قندوس ووثب المسيب بن نجيبة الفزاري والقعقاع بن عمرو والأمير عياض بن غانم الأشعري إلى باب الجبل وفتحوا الأبواب واقتتلوا قتالًا شديدًا وقاتلت الروم قتال الموت إلى أن طلعت الشمس وارتفعت وقاتل عدو الله البطليوس قتالًا شديدًا وقتل رجالًا وجندل أبطالًا واقتتلوا في الأزقة والشوارع وبين الأبواب وتقدم خالد وهو يصيح: واثارات سليمان وطعنه طعنة صادقة في صدره فأطلع السنان يلمع من ظهره فوقع يخور في دمه وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار فلما رأى الروم ذلك ولوا الأدبار وتبعهم المسلمون يقتلون وبأسرون وينهبون وقتل من الروم نحو ثلاثين ألفًا بوسط البلد وأسر منهم عشرون ألفًا وأنشد خالد يقول: وبالبهنسا الغرا أبيدت جيوشنا ثلاث سنين بابها ليس يفتح ثماني آلاف عداد جيوشنا وكل همام عن ثمانين يرجح فما فتحت إلا وقد صار جيشنا ثلاثة آلاف عداد تسحسح ولم أر في أرض الصليب كمثلها ولا جيشها لما على السور يسرح ولا مر لي يوم كمثل حروبها لأن بها البطلوس ليث مبجح وكان له جيش وعدة جيشه ثمانون ألفًا بالحديد توشحوا وكف غلبناهم ثمانين مرة يخادعنا البطليوس عنهم فنصفح ثلاث مرار نحن نفتح بابها وترتد للكفر الذميم وتجنح وقد تعب الهندي يوم فتوحها وكلت أيادينا وفي الروم نذبح إلى أن ملأنا البر والبحر منهم وقد شبعت أسد الفلا وترنحوا وولت ثلاثون الألوف شواردًا وعشرون ألفًا منهم قد تجرحوا فمنهم قضى نحبًا ومنهم بها طغى ومنهم أناس في المقابر روحوا وبطلوسهم ذاك النهار قتلته وقد كان مقدام الجيوش مرجح فبادرته في الحال حتى تركته صريعًا عليه الغانيات تنوح وعاجلته في الرأس مني بضربة فأضحى بها شطرين ملقى ومطرح وعاد بسيف ابن الوليد مجندلًا تمر به كل الحوادث تفلح ولما فني بطلوسهم صار جمعهم كما شبه أغنام وغاب المسرح وقد كان في بحر الهياج مغلغلًا تولى سرايا قومنا منه مرح فلله ما أعداه قد كان فارسًا يفوق على جيش عظيم ويرجح وقد فرحت أكبادنا وترنمت لعمرك والأكباد بالنصر تفرح أقمنا بأرض البهنسا بعد فتحها ثلاثين يومًا للمساجد نصلح ورحنا فتحنا الهند والسند كله وأسيافنا في الغمد لله تسبح وفي كل أرض عسكر قد تركته يقسمون دين الحق والحق يوضح وهذا كلام ابن الوليد الذي جرى فكن سامعًا معنى الذي لك أشرح فما مثله في معمع الحرب سيد ولا مثله في جوهر النظم أفصح ومن بعد ذا صلوا على أشرف الورى نبي له كل البرية تجنح عليك سلام الله ما لاح بارق وما غرد القمري إذ الصبح يطفح وأصحابه والآل والعترة التي أقاموا لدين الله والشرك زحزحوا قال الراوي: وصار المسلمون يصعدون إلى البيت ويأخذون الرجال من بين حريمهم من الروم ويقتلونهم حتى كلت سواعدهم من الذبح وجرى الدم في الأزقة وصارت القتلى في الشوارع والأسواق مطروحين وخرجت إليهم النصارى والقبط وهم يبكون ويقولون: نحن أهل ذمتكم ونحن عوام وتجار وسوقة وكلنا مغلوبون على أمرنا وقتل خيارنا بأسيافكم وبقية الأمراء ويقولون هؤلاء قد صاروا رعيتنا وليس لهم بطش فتركوهم وقالوا بشرط أن تدلونا على من أخفى نفسه في المغاير والمخابي ومن فر من الباب الشرقي وغرق في الماء فدلوهم على الجميع ولم يزالوا يقتلون ذلك اليوم كله وفي اليوم الثاني استدعوا بنجارين يعملون عربات لحمل القتلى من المسلمين وأخذوا دواب أهل السواد من البقر تسحب العربات والفلاحون عملوا عليها وصاروا يضعون كل ثمانية وستة وعشرة في حفيرة ويردون عليهم الرمل حتى صاروا تلالًا وشهروا قبورهم ووضعوهم بدروعهم وثيابهم وعمائهم رضي الله عنهم وأخذوا ألواح رخام وكتبوا عليها أسماءهم وأنزلوها في مدافن قبورهم ورجعوا إلى قتلى أهل البلد فواراهم أهلهم في قبورهم وكان جملة من قتل من المسلمين في ذلك اليوم نحو أربعمائة وأزيد الأعيان منهم صاغر بن فرقد وعبد الله بن سعيد وعبد الله بن حرملة وعبد الله بن النعمان وعبد الرزاق الأنصاري وعبد الرحيم اللخمي وأبو حذيفة اليماني وأبو سلمة الثقفي وأبو زياد اليربوعي وأبو سليمان الداراني وابن أبي دجانة الأنصاري وأبو العلاء الحضرمي وأبو كلثوم الخزاعي وأبو مسعود الثقفي وهاشم بن نوفل القرشي وعمارة بن عبد الدار الزهري ومالك بن الحرث وأبو سراقة الجهني والبقية من أخلاط الناس وقتل عند سوق التمارين نحو عشرين ودفنوا هناك وعند سوق الصابون جماعة كثيرة وقريبًا من العطارين في جانب القبور نحو أربعين وقريبًا من البحر اليوسفي جماعة عند السور رضي الله عنهم.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق