441 والاخيرة
فتوح الشام ( للواقدي )
قال: كيف لا آوي إلى بلد أوى إليها روح الله وكلمته وينزل على جبانتها كل يوم ألف رحمة ولما ولى عبد الله بن طاهر مصر تجهز وأتى إلى البهنسا فلما قرب من الجبانة ترتجل عن جواده وترجل من معه وكان الوالي عليها عبد الله بن الحسن الجعفري فخرج ماشيًا وسلم عليه ولما وصل إلى الجبانة قال: السلام عليكم يا أحياء الدارين وخير الفريقين ثم التفت إلى أصحابه وقال: إن هذه الجبانة ينزل عليها كل يوم مائة رحمة لو أنها تزف بأهلها إلى الجنة ومن زارها تتساقط عنه ذنوبه كما يتساقط الورق من على الشجر في يوم ريح عاصف فكان عبد الله بعد ذلك كل يوم يخرج حافيًا فيزورها حتى مات ودفن رحمه الله.
قال الراوي: حدثني رجل من أرض البهنسا من أهل الخير والصلاح يسمى عبد الرحمن بن ظهير. قال: كان لي جار مسرف على نفسه ومات ودفن قريبًا من الشهداء الذين بالجانب الغربي فبينما أنا نائم تلك الليلة فرأيته وإذا عليه ثياب من السندس الأخضر وعليه تاج من الجواهر وهو في قبة من نور وحوله جماعة لم أر أحسن منهم وجهًا ولا ثوبًا متقلدين بسيوف وهو بينهم فسلمت عليهم وقلت له: يا هذا لقد سرني ما رأيت من حالك. فقال: يا هذا لقد نزلت بجوار قوم يحمون النزيل في الدنيا من العار وكيف لا يحمونه في الآخرة من النار وقد استوهبوني من العزيز الغفار غافر الذنوب والأوزار وأسكنني جنات تجري من تحتها الأنهار.
قال ذو النون المصري رضي الله عنه: كنت في كل سنة آتي إلى البهنسا وأزور الجبانة لما رأيت في ذلك من الأجر والثواب فحصل لي في سنة من السنين عارض منعني من زيارتها فبينما أنا نائم ليلة من الليالي إذ رأيت رجالًا لم أر أحسن منهم وجوها ولا أنقى ثيابًا على خيول شهب وبأيديهم رايات خضر ووجوههم تتلألأ أنوارًا فسلموا علي وقالوا: قد أوحشتنا يا ذا النون في هذه السنة وإن لم تزرنا زرناك. فقلت لهم: من أنتم. فقالوا: نحن الشهداء الأخيار أصحاب محمد المختار بالبهنسا كنا بأرض الروم لنصرة المسلمين على أعداء الله الكافرين فمررنا بك لنسلم عليك وننظر ما سبب انقطاعك عنا. قال: في أي أرض أنتم. قالوا: نحن سكان جبانة البهنسا ولك علينا حقوق الزيارة لأنك من أهل الإشارة. فقال لهم: يا سادتي إني لا أعود وحبل الوصال بيننا ممدود وما كنت أعلم أنكم تعلمون من زار وما كنت أظن في نفسي أنني بهذا المقدار. قالوا: يا ذا النون أما تعلم أن الشهداء {أحياء عند ربهم يرزقون} [آل عمران: 69]. وبهذا نطق الكتاب المكنون ثم تركوني ومضوا فاستيقظت وفي قلبي لهب النار فطوبى لمن قال المؤلف: ولقد وضعت في هذا الكتاب كل نادرة عجيبة وحكاية غريبة وهو كتاب كامل المعاني والبيان عظيم القدر والشأن لا يفهمه إلا ذوو البصائر والألباب ولا يعقله إلا أهل الخطاب ولا يقرؤه إلا أهل الذوق والمعرفة فهو كالزهر في الرياض لمن اقتطفه نفع به مالكه وكاتبه وقارئه ومستمعه والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين.
أنتهى
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق