5
أوراق ذابلة من حضارتنا
دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية
القسم الأول : من قصص سقوطنا في أوروبا
4- قصة الفردوس المفقود
كانت السنوات الأولى من القرن الخامس الهجري " الحادي عشر الميلادي " تحمل في أحشائها وباء خطيرا على الأندلس الإسلامية .
لقد سقطت الدولة العامرية ، آخر حامية للدولة الأموية في الأندلس ، ولقد ظهر أن أحفاد عبد الرحمن الداخل الأمويين أقل من أن يقوموا بعبء حماية الإسلام الأندلسي .
وكان البربر قد هاجر كثير منهم إلى الأندلس بحثا عن سلطة أو زعامة ، وكان الصقالبة وهم مجموعة من النازحين إلى الأندلس من طوائف مسيحية مختلفة ، كان هؤلاء الصقالبة يشكلون بدورهم عنصرا من عناصر الوجود في الحياة الإسبانية الإسلامية .
ومن هذه القوميات المتناطحة تشكل الوجود الأندلسي غرة القرن الخامس الهجري .. فلما سقطت خلافة الأمويين الإسلامية في الأندلس ، نتيجة امتصاص طاقتها في مشاحنات داخلية .. تحركت كل هذه الطوائف المقيمة فوق أرض الأندلس الإسلامية تبحث عن السلطة والامتلاك .
وبدلا من أن تتحد قواهم في وجه المسيحيين المجاورين لهم وبدلا من أن يرفعوا راية الإسلام والجهاد .. كأمل ينقذ أندلسهم من التحدي الصليبي المتربص بهم .. بدلا من هذا .. أعلنوا أحقاد القومية الطائفية والنعرات الجنسية !!
وظهر في الأندلس أكثر من عشرين دولة يتقاسمها الأندلسيون والبربر والعرب والصقالبة .. ففي كل مدينة دولة ، بل ربما اقتسم المدينة أكثر من طامع ومنافس.
واستمر أمر هذه الدول أو هذه المدن المتنافسة التي عرف حكامها بملوك الطوائف .. استمر أمرها أكثر من خمسين سنة .. امتهن فيها الإسلام والمسلمون ، وتوسل كل ملك منهم بالنصارى ضد إخوانه المسلمين ، ووقف ابن حيان " - مؤرخ الأندلس - يستشف ما وراء الحجب ويقول لأبناء جنسه :
يا أهل أندلس شدوا رواحلكم ** فمـا المـقام بها إلا من الغلـط
الثوب ينسل من أطرافه وأرى ** ثوب الجزيرة منسولا من الوسط
من جاور الشر لا يأمن بوائقه ** كيف الحياة مع الحيات في سفط
لقد فشل ملوك الطوائف في أن يلموا شعثهم ، وأن يتكتلوا ضد النصارى .. ومن عجيب المقادير أن " ألفونسو السادس " ملك قشتالة وليون واستوريا ، كان يتظاهر بحماية هؤلاء الملوك المسلمين ، ويأخذ منهم الجزية والإتاوات التي يرفع من قيمتها سنة بعد أخرى ، واستطاع أن يعد عدته من الإتاوات التي يفرضها عليهم ليلتهمهم بها كلهم .. وكان آخر ما التهمه ألفونسو من أرض المسلمين تحت سمع وبصر هؤلاء الإسلاميين بل وبمساعدة بعضهم .. مدينة طليطلة سنة 478 هـ 1085م .
وعند هذه الموقعة تأكد لدى أكبر ملك من ملوك الطوائف " المعتمد بن عباد " أن ألفونسو يريد الالتهام .. ولا أقل من الالتهام الكامل .. وفكر المعتمد في وسيلة الإنقاذ .. وضعته الأقدار أمام حل واحد لم يكن له خيار فيه .
لقد قرر أن يستنجد بالمرابطين المسلمين الموجودين في المغرب الأقصى كقوة إسلامية ناشئة ..
وقد نجح المرابطون في إيقاف الزحف النصراني ، وأذلوا كبرياء ألفونسو ، واستردوا كثيرا من مدن الإسلام ، ولم يحاول الأندلسيون بناء أنفسهم .. لم يحاولوا صنع التقدم من خلال الذات .. لقد اعتادوا تسول النصر واستيراد البقاء من إخوانهم المغاربة المسلمين .
وحقيقة .. نعم حقيقة .. بقيت الأندلس إسلامية باستيرادها النصر أيام المرابطين ثم أيام الموحدين ثم أيام بني مرين .. وبقيت مملكة غرناطة الإسلامية وحدها أكثر من مائتي سنة تصارع الموت - كوهجة الشمس قبل الغروب .
ولكن قانون الحضارة كان قد قال كلمته .. فإن الذين فشلوا في أن يخلقوا من أنفسهم قوة قادرة على الحياة ما كان ينفعهم أن يشتروا النصر أو يستوردوه .
وفي سنة (897هـ ) 1542م سقطت غرناطة آخر ممالك الإسلام في الأندلس ، وطرد المسلمون شر طردة . وكانت هذه هي النهاية التي تنبأ بها الشاعر ابن حيان وغيره من هؤلاء الذين أدركوا قانون البقاء الذي هو من سنة الله .
نعم : أدركوا أن التاريخ لا يقوم بالاستيراد ، ولا تنتصر حركة تقدمه بالمتسولين !
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق