422
فتوح الشام ( للواقدي )
هذا والفضل رضي الله عنه تارة يكر في الميمنة وتارة يكر في الميسرة وحمل الأمراء جميعهم فلله در القعقاع بن عمرو التميمي والمسيب بن نجيبة الفزاري والبراء بن عازب ومعاذ بن جبل وزيد الخيل لقد قاتلوا قتالًا شديدًا حتى بقي الدم على دروعهم كقطع أكباد الإبل وتوسط المسلمون كتيبة منهم فبرز بطريق عظيم الخلقة كأنه برج فحمل عليه سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد أن يضربه وسطا عليه وإذا بضربة أتته من خلفه فأردته عن جواده وسقط والرمح مشتبك في أضلاعه وخشخش الرمح في عظم ظهره ثم جذب الرمح وهو ملقى على الأرض ونزل جماعة وأخذوا سلبه.
قال: فتأملنا من ضرب البطريق فإذا هو زياد بن أبي سفيان رضي الله عنه.
قال فلما رأى الروم ذلك حملوا حمله منكرة وقامت الحرب على ساق واحدة وضربوا الأعناق وشخصت الأحداق وتضاربوا بالصفاح وتطاعنوا بالرماح واشتد الكفاح ورطنت الروم بلغتهم ولم يزالوا في قتال ونزال حتى غابت الشمس وافترق الجمعان وقد قتل من قتل من المسلمين نحو مائتين وخمسين ختم الله لهم بالشهادة ونالوا درجة السعادة وبات الفريقان يتحارسون والمسلمون يقرؤون القرآن ويصلون على محمد أشرف ولد عدنان.
قال وإن المسلمين أوقدوا النيران وأتوا إلى مكان المعركة وميزوا القتلى فلما رأى الأمراء ما حل بهم وبأولادهم بكوا وقالوا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال الراوي: وقتل من المشركين نحو ألفين وخمسمائة وقتل من خيارهم وعظمائهم نحو عشرين من أرباب الدولة وحاشية الملك أصحاب السرير فلما رأى البطليوس ذلك صعب عليه وكبر لديه وجلس في سرادقه وحوله أكابر دولته من حجابه ونوابه وقدموا له الطعام والشراب فامتنع عن ذلك ثم التفت إلى حجابه وبطارقته ووبخهم توبيخًا عظيمًا وقال: مثلكم لا يصلح لخدمة الملوك فما هذا الخوف والفشل الذي دخل في قلوبكم وتريدون أن تصيروا معرة عند الملوك بفعالكم هذه.
فقالوا: أيها الملك إن هذا اليوم ما أخذنا فيه أهبتنا وما كنا نظن أن العرب فيهم هذه الشجاعة.
فقال: وما عندكم من الرأي أترضون بالعار والذل ولا سيما وقد أخذ الصليب من أيديكم وخذلتموه.
فقالوا: أيها الملك سوف ترى منا ما يسرك في غد نكمن لهم كمينًا ونخرج لهم ونقاتلهم ويخرج عليهم الكمين ونأمر جماعة يسلسلون أنفسهم وهم الرماة كعادة الروم أن يفعلوا ونقاتلهم ولا نمكنهم من مدينتنا ولو قتلنا عن آخرنا فاستوثق الملك منهم بقولهم ثم كتب كتابًا وأرسله تحت الليل إلى بطريقي طنجة وقلعة الأبراج يسألهم النجدة وكانوا بطارقة شدادًا كل بطريق تحت يده عشرة آلاف بطريق من حملة السلاح فلما ورد عليهم الكتاب جهزوا النجدة والأهبة وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
قال الراوي: وأصبح المسلمون فصلوا صلاة الصبح وتبادروا إلى خيولهم فركبوها ثم صفوا صفوفهم ورتبوا مواقفهم كما ذكرنا أولًا وصار الأمير عياض يحرض الناس وقد جعل في مكانه المغيرة بن شعبة وعطفوا على أصحاب الرايات وقال لهم: أطلقوا الأعنة وقوموا الأسنة وإذا لقيتم العدو فاحملوا حملة واحدة ولا تخافوا ولا ترهبوا وركب الأمراء كاليوم الأول ولم يركبوا حتى دفنوا شهداءهم في ثيابهم وعمائم.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق