63
فتوح الشام ( للواقدي )
قال أصحاب السير في حديثهم ممن تقدم ذكرهم وإسنادهم في أول الكتاب ممن روى فتوح الشام ونقلوها عنالثقات منهم محمد بن إسحاق وسيف بن عمرو وأبو عبد الله محمد بن عمر الواقدي رضى الله عنه كل حدث بما رواه وسمعه ثقة عن ثقة.
قالوا جميعًا في أخبارهم: إنه لما قبض أبو بكر الصديق رضي الله عنه وولي الأمر بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه وله من العمر اثنتان وخمسون سنة بايعه الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة تامة ولم يتخلف عن مبايعته أحد لا صغير ولا كبير وانقطع في إمارته الشقاق والنفاق وانحسم الباطل وقام الحق وقوي السلطان في إمارته وضعف كيد الشيطان وظهر أمر الله وهم كارهون ومن أمره أنه كان يجلس مع الفقير ويتلطف بالناس والمسلمين ويرحم الصغير ويوقر الكبير ويعطف على اليتيم وينصف المظلوم من الظالم حتى يرد الحق إلى أهله ولا تأخذه في الله لومة لائم وكان في إمارته يدور في أسواق المدينة وعليه مرقعة وبيده درته وكانت درته أهيب من سيف الملوك وسيوفكم هذه وكان قوته في كل يوم خبز الشعير وادمه الملح الجريش وربما أكل خبزه بغير ملح تزهدًا واحتياطًا وترفقًا على المسلمين ورأفة ورحمة لا يريد بذلك إلا الثواب من الله سبحانه وتعالى ولا يشغله شاغل عن أداء الفريضة.
وما أوجب الله عليه من حقوقه وسنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد تولى والله عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة فجد في التشمر وترك عن نفسه التكبر ولقد كان أحرقه خبز الشعير والملح وأراد أكل الزيت واليابس من التمر وربما أخذ شيئًا من السمن ويقول: أكلت الزيت وخبز الشعير والملح والجوخ أهون غدًا من نار جهنم من حل بها لم يمت ولم يجد فيها راحة أبدًا قرارها بعيد وعذابها شديد وشرابها الصديد لا يؤذن لهم فيعتفرون جند الجنود في إمارته وبعث العساكر وفتح الفتوحات ومصر الأمصار وكان يخاف عذاب النار رضي الله عنه.
قال الواقدي رحمه الله تعالى: ولقد بلغني أن هرقل لما بلغه أن عمر بن الخطاب قد ولي الأمر من بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه جمع الملوك والبطارقة وأرباب دولته وقام فيهم خطيبًا على منبر قد نصب له في كنيسة القسيسين وقال: يا بني الأصفر هذا الذي كنت أحذركم منه فلم تسمعوا مني وقد اشتد الأمر عليكم بولاية هذا الرجل الأسمر وقد دنا موعد صاحب الفتوح المشبه بنوح والله ثم والله لا بد أن يملك ما تحت سريري هذا الحذر ثم الحذر قبل وقوع الأمر ونزول الضرر وهدم القصور وقتل القسس وتبطيل الناقوس هذا صاحب الحرب والجالب على الروم والفرس الكرب هذا الزاهد في دنياه وهذا الغليظ على من اتبع في غير ملته هواه وإني أرجو لكم النصر إن أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وتركتم الظلم واتبعتم المسيح في أداء المفروضات ولزوم الطاعات وترك الزنا وأنواع الخطايا وإن أبيتم إلا الفساد والفسوق والعصيان والركون إلى شهوات الدنيا يسقط الله عليكم عدوكم ويبلوكم بما لا طاقة لكم به ولقد أعلم أن دين هؤلاء سيظهر على كل دين ولا يزال أهله بخير ما لم يغتروا ويبذلوا فإما أن ترجعوا إليه وإما أن تصالحوا القوم على أداء الجزية فلما سمع القوم ذلك نفروا وبادروا إليه وهموا بقتله فسكن غضبهم بلين كلامه ولاطفهم.
وقال لهم: إنما أردت أن أرى حميتكم لدينكم وهل تمكن خوف العرب في قلوبكم أم لا.
ثم استدعى برجل من المتنصرة يقال له طليعة بن ماران وضمن له مالًا وقال له: انطلق من وقتك هذا إلى يثرب وانظر كيف تقتل عمر بن الخطاب فقال له طليعة: نعم أيها الملك.
ثم تجهز وسار حتى ورد مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكمن حولها وإذا بعمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج يشرف على أموال اليتامى ويفتقد حدائقهم فصعد المتنصر إلى شجرة ملتفة الأغصان فاستتر بأوراقها وإذا بعمر رضي الله عنه قد أقبل إلى أن قرب من الشجرة التي عليها المتنصر ونام على ظهره وتوسد بحجر فلما نام هم المتنصر أن ينزل إليه ليقتله وإذا بسبع أقبل من البرية فطاف حوله وأقبل يلحس قدميه وإذا بهاتف يقول: يا عمر عدلت فأمنت فلما استيقظ عمر رضي الله عنه ذهب السبع ونزل المتنصر وترامى على عمر رضي الله عنه فقبل يديه وقال: بأبي أنت وأمي أفدى من الكائنات من السباع تحرسه والملائكة تصفه والجن تعرفه ثم أعلمه بما كان منه وأسلم على يديه.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق