97
فتوح الشام ( للواقدي )
قال الواقدي
: فنزل الرجل ووقف أمام الأمير سعيد بن زيد وهم الرجل أن يسجد له فمنعه من ذلك وتبادرت إليه المسلمون فأمسكوه ففزع الرجل وقال: لم تمنعوني أن أعظم صاحبك.
فقال الترجمان ذلك لسعيد بن زيد فقال: إنما أنا وهو عبدان لله تعالى ولا يجوز السجود والتعظيم إلا لله الملك المعبود القديم فقال الرجل: بهذا نصرتم علينا وعلى غيرنا من الأمم فقال سعيد بن زيد: فما الذي جاء بك.
قال: جئت لآخذ منك أمانًا لبطريقنا أن لا تنقض لنا عهدًا فقال سعيد بن زيد: ليس من أخلاق الأمراء ومن يقود الجيوش أن يغدر بعد الأمان ولسنا بحمد الله ممن ينقض عهدًا وقد أعطيت صاحبك أمانًا ولمن معه ممن ألقى السلاح وخرج يطلب الأمان مستسلمًا فقال الرجل: نريد منك الأمان ومن أميرك وممن معك فقال سعيد: لكم ذلك فعند ذلك رجع الرجل إلى البطريق وأعلمه بجواب سعيد.
وقال له: اخرج وإياكم والغدر فإنه يهلك صاحبه وإن هؤلاء العرب لا يخونون أمانهم وعهدهم.
قال الواقدي: ولقد بلغني أن البطريق هربيس خلع ما كان عليه من الثياب والديباج وألقى السلاح ولبس ثياب الصوف وخرج حافيًا حاسرًا ذليلًا ومعه رجال من قومه حتى وقف بين يدي سعيد بن زيد فخر سعيد له ساجدًا وقال: الحمد لله الذي أزال عنا الجبابرة وملكنا بطارقتهم وملوكهم ثم أقبل عليه وقال له: ادن مني فدنا إلى أن جلس إلى جانبه وقال له: أهذا لباسك دائمًا أم غيرته فقال: لا وحق المسيح والقربان ما لبست الصوف أبدًا غير الحرير والديباج وما لبست هذا إلا في وقتي هذا فإني ما أريد حربكم ولا قتالكم ثم قال لسعيد: هل لك أن تصالحني على أصحابي هؤلاء وعلى أهل المدينة ومن فيها.
فقال سعيد: أما أصحابك هؤلاء فإني أوفيهم على شرط أن من دخل في ديننا فله ما لنا ومن اختار الإقامة على دينه وألقى السلاح كان آمنا من القتل وعليه العهد أنه لا يحمل علينا سلاحًا ولا يكون لنا حربًا أبدًا وأما المدينة فالأمير أبو عبيدة عليها وقد فتحها إن شاء الله تعالى ثم قال: إن أحببت أن تسير معي إلى أبي عبيدة حتى يسمع كلامك وتصالح عن قومك فسر وأنت في ذمامي فإن اتفق بينكما الأمر وإلا رددتك إلى موضعك هذا ومن أراد الرجوع معك من رجالك إلى أن يحكم الله وهو خير الحاكمين.
فقال البطريق: أنا أفعل ذلك فعندها دعا سعيد بن زيد بن أبي وقاص بن عوف العدوي وقال: يا ابن أبي وقاص كن بشيرًا للأمير أبي عبيدة بما سمعت وأسرع بالجواب.
قال: فأسرع ابن أبي وقاص بن عوف وركب جواده وكان حصانًا شديد العدو وجعل يسير سيرًا حثيثًا حتى الشرف على الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه ووقف بين يديه وسلم عليه وقال: أصلح الله تعالى شأن الأمير أبشرك بأن البطريق هربيس قد أخذ الأمان من سعيد بن زيد وهو يريد أن يقبل به عليك يسألك الصلح والأمان له ولأهل مدينته فلما سمع الأمير ذلك سجد لله شكرًا ورفع وأسه وقال: أيها الناس تقدموا الآن إلى قتال أهل المدينة وأظهروا أسلحتكم عليها وكبروا تكبيرة واحدة لكي ترعبوا بها القوم قال: ففعل المسلمين ذلك فارتجت المدينة وفزع أهل بعلبك وتداعوا للقتال وأحاط المسلمون بالمدينة من كل جانب وكان أول من دمشق إلى المدينة وأعطاهم خبر البطريق المرقال ابن عتبة وقال: حصنوا أنفسكم وأولادكما وأموالكم بالصلح فإن أبيتم ذلك فقد وعدنا الله تبارك وتعالى على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يفتح لنا بلادكم وأمصاركم وغيرها وإن الله تعالى منجز أمره.
فلما سمع أهل بعلبك ذلك فزعوا فزعًا شديدًا واغبرت وجوههم ورعبت قلوبهم وكلت من الحرب أيديهم وقالوا: أهلكنا البطريق وأهلك نفسه ولو كنا صالحنا العرب من قبل أن يوجد بنا هذا الحصار لكان خيرًا لنا.
قال وشدد المسلمون عليهم القتال.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق