95
فتوح الشام ( للواقدي )
قال مصعب بن عدي:
وكنت في بعلبك من أصحاب سعيد بن زيد وقد جعلنا محاصرين البطريق والروم في الضيعة ونحن دون الخمسمائة رجل فما شعرنا إلا والبطريق والروم قد تبادروا إلينا من كل مكان فنادى بعضنا بعضًا واجتمعنا قال: والله لقد كبوا علينا الخيل وأحاطوا بنا بعدما كنا أحطنا بهم وكان شعارنا في ذلك اليوم الصبر الصبر قال: فبينما نحن كذلك في أشد الحرب وأعظم الكرب إذا سمعنا صوتًا عاليًا قد ملأ الجبل ومناديًا ينادي ويقول: أما من رجل يهب نفسه في الله ويستنفر المسلمين فإنهم بالقرب منا ولا يعلمون ما نزل بنا.
قال مصعب بن عدي: فلما سمعت الصوت همزت جوادي بكعبي وكان جوادًا عتيقًا يسبق الريح الهبوب أو الماء إذا انسكب من ضيق الأنبوب وكأنه الطود العظيم والله لقد خرج من تحتي كأنه البرق ولم تلحق منه الروم إلا الغبار بعدما قتلت منهم رجلين ولقد نظرت إلى فرسي وهو يشب إلى الصخرة ويسلك الوعرة حتى أشرفت على عساكر المسلمين فناديت النفير النفير يا أمة البشير النذير.
فلما سمع أبو عبيدة ذلك صاح بالرماة.
فأجابه خمسمائة رام من أصحاب القسي العربية فضمهم إلى سعيد بن زيد وقال له: أسرع يرحمك الله والحق بأصحابك قبل أن يأتي العدو إليهم.
ثم نادى بضرار بن الأزور وأصحابه وقال له: أدرك أخاك سعيد بن زيد.
قال فسار المسلمون مثل الجراد المنتشر حتى علوا على شلة الجبل وأشرفوا على الروم وهم محدقون بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو زيد بن ورقة بن عامر الزبيدي: وكنت ممن شهد القتال على الضيعة مع أصحاب سعيد بن زيد وقد أحاطت بنا الروم وقد صبرنا لهم صبر الكرام.
وقد صرع متا سبعون رجلًا مما بين جريح وقتيل ونحن في أشد ما يكون من القتال والجراح وقد طمعت الروم فينا حتى سمعنا التهليل والتكبير ولحقنا النفير فلما أشرفت علينا راية المسلمين وجدف الروم على أعقابهم مدبرين إلى الضيعة راجعين ولحقنا من تأخر منهم وكثر فيهم القتل والجراح لكثرتهم وتحصن القوم في الضيعة فأحطنا بهم من كل جانب وما تركنا منهم أحدًا يخرج رأسه من كثرة النبل وورد الخبر إلى الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه بمن استشهد من المسلمين ومن قتل من الكافرين وأن القوم قد لزمهم الحصار وأن لا زاد عندهم ولا ماء فقال أبو عبيدة: الحمد لله.
ثم قال للمسلمين: معاشر الناس ارجعوا إلى أموالكم واضربوا خيامكم حول المدينة فإن الله عز وجل كاد عدوكم وهو منجز لنا ما وعدنا من نصره.
قال فعندها رجع المسلمون إلى أموالهم ومواضعهم التي كانوا فيها أول مرة وضربوا خيامهم وأنفذوا طوالعهم وأرسلوا إلى المرعى خيولهم وإبلهم وسرحوا إلى الحطب عبيدهم وأضرموا النيران في عسكرهم وذهب منهم الخوف وأتاهم الأمان وإن أهل بعلبك افترقوا على السور وجعلوا يضربون على وجوههم ويصيحون بلغتهم فقال الأمير أبو عبيدة لبعض التراجمة: ما يقول هؤلاء فقال له الترجمان: أيها الأمير إنهم يقولون: يا ويلهم ويا عظم ما أصابهم ويا خراب ديارهم ويا فناء رجالهم حتى ظفرت العرب ببلادهم.
قال الواقدي: فلما دنا المساء أرسل الأمير أبو عبيدة إلى سعيد بن زيد يقول له: يا ابن زيد الحذر الحذر على من معك من المسلمين واجتهد رحمك الله أن لا يفوتك من الروم أحد ولا تفسح لهم قدمًا واحدًا فيخرج منهم واحد.
.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق