340
فتوح الشام ( للواقدي )
وطلبت القسوس والشمامسة والرهبان وأمرتهم أن يحلفوهم على أن يكونوا يدًا واحدة ولا يخامروا عليها ففعلوا ذلك وصعدوا على الأسوار وشهروا السلاح وآلة الحرب وأقاموا الصلبان والرايات والأعلام وتولت كل طائفة بحفظ برج من الأبراج.
قال: فلما نظر عياض إلى ذلك وأنهم قد عولوا على القتال من أعلى الأسوار جمع أمراء جيشه إليه وقال لهم: إن هذه المدينة حصينة وهي عين ديار بكر ومتى فتحها الله علينا ملكنا ديار بكر فما الذي ترون من الرأي.
وكيف يكون قتالها وأعداء الله قد تحصنوا بهذا الحصن المنيع.
فقال خالد: أيها الأمير اعلم أننا ما ملكنا الله البلاد بقوة ولا بكثرة مدد ولا بعدد بل بتيسير الله لنا نرجو الله أن يفتحها بركة نبينا صلى الله عليه وسلم وبذلك وعد الله نبيه وأن هؤلاء القوم إن باطشونا على ظاهر مدينتهم بالقتال رجونا تسهيلًا الأمر وإن أقاموا على ما هم عليه فالصبر فإن عاقبة الصبر النصر ولعل أن يأتي في العرضيات ما لم يكن في الحساب واكتب إلى هذه المرأة كتابًا وخوفها ثم منها بكل جميل فلعل الله تعالى أن يلين قلبها للإيمان أو تسلم لنا صلحًا فدعا عياض بداوة بياض وكتب إليه يقول: بسم الله الرحمن الرحيم وصلواته على سيدنا محمد وآله من عياض بن غنم أمير جيوش المسلمين بأرض ربيعة وديار بكر إلى مريم الدارية.
أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى قد نصرنا وجميع الكفار قد ظفرنا وعلى قبض ملوكها أيدنا وما نزلنا على بلد إلا ملكناه ولا قابلنا جيشا إلا هزمناه والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين وليس حصنك بأمنع من تدمر ولا حصن هو الحصن المنيع الذي بناه سليمان بن داود وما هو إلا أن نزل عليه المسلمون حتى ملكوه وكذلك بعلبك وحلب وأنطاكية دار الملك هرقل ولم يبق بين أيدينا صعب إلا سهله الله علينا وبذلك وعدنا الله في كتاب العزيز فقال: {وكان حقًا علينا نصر المؤمنين} [الروم: 47]. فإذا وصل إليك كتابي هذا فسلمي تسلمي وإياك أن تخالفي تندمي ومهما أردت بلغناك ولسنا نكرهك على فراق دينك ولا أحدًا من أهل بلدتك قال الله تعالى: {لا إكراه في الدين} [البقرة: 256]. وإن تمسكت بالهوى فستعلمون من أضعف ناصرًا وأقل عددًا وسلام على عباده الذين اصطفى ثم طوى الكتاب وختمه وسلمه إلى رجل من المعاهدين وقال له: ادن من الحصن وناولهم الكتاب وقف حتى يردوا عليك الجواب.
قال فذهب ودنا من السور وناداهم بلغتهم وأشار إليهم بالكتاب فأدلوا له حبلًا فرابطه لهم ووقف ينتظر الجواب.
قال فأوصلوا الكتاب إلى الملكة مريم فقرئ عليها فلما فهمت ما فيه قالت لأرباب دولتها: ما تقولون فيما كتب إليها أمير العرب.
قالوا: أيتها الملكة الرأي لك فمهما أمرتينا به امتثلناه.
فقالت: يا قوم أنتم تعلمون أن النار ولا العار ومتى سلمنا لهؤلاء العرب عيرتنا الروم ويقولون كيف سلمتم مدينتكم وما حاصرتم سنة ولا عشرة أيام ومدينتكم أحصن بلاد الروم وإذا شئتم كان لكم موضع تزرعون فيه والمياه عندكم وكل ما تحتاجون إليه وقد وصلت إلي الكتب من جميع ديار بكر ووعدوني أن يرسلوا عساكرهم لنصرتنا فقالوا: أيتها الملكة هذا هو الرأي الرشيد فاكتبي للقوم كتابًا أن يقطعوا طمعهم منا فكتبت تقول: أما بعد: فقال وصلني كتابك وفهمت خطابك فأما ما ذكرت من نصر الله لكم أما علمت أن المسيح يمهلكم ولا يهملكم وإنما ذلك استدراج لكم ثم يأخذكم بعد ذلك وكأنكم بالملوك وأبناء الملوك وقد أقبلت عليكم بسواعد شداد وسيوف حداد وجيوش وأمداد فيأخذون منكم بالثأر ويكشفون عن عباد المسيح العار وما كنا بالذي نسلم حصننا إليكم أبدًا فإن شئتم المقام وإن شئتم الرحيل والسلام.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق