333
فتوح الشام ( للواقدي )
فقال: يا قوم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في كتاب الله العزيز: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} [النساء: 78]. ولا بد أن أثبت لهم ثم إنه رمى رجلًا من الذين يجرون الحبال فقتله وثانيًا وثالثًا فقتلهما قال فهربت البطارقة عن الحبال وقالوا: لا طاقة لنا بالوقوف في هذا المكان من هذا الغلام.
فقال مرسيوس: البسوا الدروع واستتروا ففعلوا وقعدوا في الحبال ورمى بحجر فوقع في رجل من بجيلة فقتله ولم يزل حتى قتل ستة رجال قال: وإن جميل بن سعد يرمي فلا تخطئ نباله وهو يقول: واشوقاه إلى الشهادة وأن أصل إلى دار العلم والشهادة فنودي من سره إن أردت ذلك فبادر إلى ذلك ولا تخف ولا تخاذر وأطلق عنان فقال: ها أنا أتقدم وجناني في الحقيقة لا يتألم قد بعت منك نفسي فأقبل شراها فعسى أن آتي الجنة وأراها.
فقيل له: قد قبلناك فامرح وأطلق لسانك بشكرنا وافرح فمن باع نفسه منا لم يكن بمغبون واسمع ما سطرناه في الكتاب المكنون {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون} [آل عمران: 169].
قال: فبينما هو كذلك إذ عبر عليه عدو الله ورماه وكذلك جميل قصده بنبلة فوقعت في صدره ومرت من ظهره ونظر جميل إلى الحجر وقد قصده فعلم أنه ميت فالتفت إلى ابن عم له اسمه رافع بن خالد وقال له: بلغ العجوز سلامي وأنشدها هذه الأبيات وجعل يقول: أيا رافعًا ألا حملت رسالتي تخبر أني قد لقيت حمامي وإن جئت أمي رافعًا وعشيرتي فخصهم مني بكل سلام وإن سالت عني العجوز فقل لها قتيل حجار لا قتيل سهام طريحًا بباب الحصن لما تطايرت عن الحجر الصلد الأصم عظامي ولست أبالي إن قتلت لأنني أرجى بقتلي في الجنان مقامي قال: وعلم عياض بقصته فبكى رحمة لأمه وأمر به فدفن بعدما صلى عليه وبلغ خبره إلى أمه فصبرت صبر الكرام وقالت: يا بني عشت سعيدًا ومت شهيدًا وسلكت سبيل آبائك فرحمك الله وآنس غربتك ونفعني بك يوم القيامة ثم قرأت {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وأنا إليه راجعون} [البقرة: 156].
قال: حدثنا معمر بن الجون النهائي وكان ممن حضر مع جده سراقة فتح وأس العين.
قال: لما قتل ابن سعد فرحت الروم وإن عدو الله مرسيوس صاحب الأمر بعد شهرياض لما رأى أن المسلمين معولون على حصاره مضى في الليل إلى بيعة نسطوريًا وصلى بها وقرب القربان وكان من بغضه للمسلمين قد صور على باب البيعة صورة رجل من العرب وكتب عليه هذا نبي العرب فكل من دخل البيعة يبصق عليه وكان في داخل البيعة صورة القيامة والميزان والصراط والجنة والنار وصور عيسى وبيده الصليب وأمه تحت لوائه على باب الجنة.
قال: فلما صلى قال لعاصم بن رواحة: لقد أردت الليلة أن أقرب عشرة من هؤلاء العرب الأسرى في بيت المذبح.
فقال له عاصم: ليس هذا برأي أيها الملك حتى ترى ما يكون من أمر العرب وهذا بين يديك.
قال فسكت وخرج وإن عاصمًا لم يترك في البيعة أحدًا من الروم واستوثق من أبواب البيعة ودخلت الصحابة إلى بيت المذبح فوجدوا فيه سلاحًا كثيرًا مما كان يجتمع من النذور فأخذوه وعولوا على أنهم في صبيحة غد إذا أشتغل أهل المدينة بالقتال ليورثون في المدينة.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق