117
فتوح الشام ( للواقدي )
قال الواقدي: ثم إن الملك هرقل لما قلد أمر جيوشه ماهان ملك الأرمن وأمره بالنهوض إلى قتال المسلمين ركب الملك هرقل وركب الروم وضربوا بوق الرحيل وخرج الملك هرقل ليتبع عساكره على باب فارس وسار معهم يوصيهم وقال لقناطير وجرجير والديرجان وقورين: ليأخذ كل رجل منكم طريقًا وأمر كل واحد منكم نافذ على جيشه.
فإذا لقيتم العرب فالأمر فيكم لماهان ولا يد على يده واعلموا أنه ليس بينكم وبين هؤلاء إلا هذه الوقعة فإن غلبوكم فلا يقنعوا ببلادكم بل يطلبونكم حيث سلكتم ولا يقنعون بالمال دون النفس ويتخذون حريمكم وأولادكم عبيدًا فاصبروا على القتال وانصروا دينكم وشرعكم.
قال الواقدي: ثم وجه قناطير بجيشه على طريق جبلة واللاذقية وبعث جرجير على طريق الجادة العظمى وهي أرض العراق وسومين وبعث قورين على طريق حلب وحماة وبعث الديرجان على أرض العواصم وسار ماهان في أثر القوم بجيوشه والرجال أمامه ينحتون له الأرض ويزيلون من طريقهم الحجارة وكانوا لا يمرون على بلد ولا مدينة إلا أضروا بأهلها ويطالبونهم بالعلوفة والإقامات ولا قدرة لهم بذلك فيدعون عليهم ويقولون لا ردكم الله سالمين.
قال وجبلة بن الأيهم في مقدمة ماهان ومعه العرب المتنصرة من غسان ولخم وجذام.
قال الواقدي: حدثني من أثق به أن الطاغية هرقل لما بعث جيوشه إلى قتال المسلمين وكان للأمير أبي عبيدة في جيوش الروم عيون وجواسيس من المعاهدين يتعرفون له الأخبار فلما وصل جيش الروم إلى شيزر فارقتهم عيون أبي عبيدة وساروا طالبين عسكر المسلمين فلم يجدوهم على حمص فسألوهم عنهم فأخبروهم أنهم رحلوا لأن الأمير أبا عبيدة رضي الله عنه لما فتح حمص ترك عندهم من يأخذ الخراج والذي تركه عندهم رجال من أهل حمص من كبرائهم ورؤسائهم وجعل الجواسيس يسيرون حتى وصلوا إلى الجابية وحضروا بين يدي الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه وأخبروه بما رأوه من عظم الجيوش والعساكر فلما سمع أبو عبيدة ذلك عظم عليه وكبر لديه وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وبات قلقًا لم تغمض له عين خوفًا على المسلمين فلما طلع الفجر أذن فصلى بالمسلمين فلما فرغ من صلاته أقسم على المسلمين أن لا يبرحوا حتى يسمعوا ما يقول ثم قام فيهم خطيبًا وحمد الله تعالى وأثنى عليه وذكر النبي صلى الله عليه وسلم وترحم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه ودعا للمسلمين بالنصر وقال: يا معاشر المسلمين اعلموا رحمكم الله أن الله ابتلاكم ببلاء حسن لينظر كيف تعملون وذلك عندما صدقكم الوعد وأيدكم بالنصر في مواطن كثيرة واعلموا أن عيوني أخبروني أن عدو الله هرقل استنجد علينا من كبار بلاد الشرك وقد سيرهم إليكم وأثقلهم بالزاد والسلاح {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون} [الصف 8]. واعلموا أنهم قد ساروا إليكم في طرق مختلفة ووعدهم طاغيتهم أن يجتمعوا بإزائكم على قتالكم واعلموا أن الله معكم وليس بكثير من يخذله الله تعالى وليس بقليل من يكون الله تعالى معه فما عندكم من الرأي رحمكم الله تعالى.
ثم قال لبعض عيونه: قم وأخبر المسلمين بما رأيت فقام الرجل وأخبر الناس بما رأى من الجيوش الثقيلة وعددها وعديدها فعظم ذلك على المسلمين وداخل قلوب رجال منهم الهيبة والجزع وجعل بعضهم ينظر إلى بعض ولم يرد أحد منهم جوابًا فقال أبو عبيدة رضي الله عنه: ما هذا السكوت عن جوابي رحمكم الله فأشيروا علي برأيكم.
فإن الله عز وجل يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وشاورهم في الأمر} فإذا قال الواقدي: فتكلم رجل من أهل السبق وقال: أيها الأمير أنت رجل لك رفعة ومكان وقد نزلت فيك آية من القرآن وأنت الذي جعلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمين هذه الأمة.
فقال عليه السلام: لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة رضي الله عنه عامر بن الجراح أشر أنت علينا بما يكون فيه الصلاح للمسلمين.
فقال الأمين أبو عبيدة رضي الله عنه: إنما أنا رجل منكم تقولون وأقول وتشيرون وأشير والله الموفق في ذلك.
فقام إليه رجل من أهل اليمن وقال: أيها الأمير الذي نشير به عليك أن تسير من مكانك وتنزل في فرجة من وادي القرى فيكون المسلمون قريبًا من المدينة والنجدة تصل إلينا من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإذا طلب القوم أثرنا وأقبلوا إلينا كنا عليهم ظاهرين.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق