64
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
هذا ما جرى عنده وليس عنده خبر بما جرى في قصره بعد.
نتائج المعركة قال ابن إسحق: وكان عن حسن تدبير الله تعالى لعباده المؤمنين أنه كان للمقوقس أخ شقيق واسمه أرجانوس وكانا متحابين وكان المقوقس لا يقطع أمرًا دونه وكانا إذا ركبا لا يفترقان وإذا جلسا يجلسان معًا على السرير وكان المقوقس قد دخل في خلوته التي ذكرنا وكان أخوه من محبته قد رتب هناك من يعرفه لما يخرج من خلوته فلما كان في هذه النوبة استبطأه فأتى إلى ابن أخيه فرآه على السرير.
فقال له: ما فعل الملك إنه في خلوته إلى الآن وقد رأى أن طالعه ضعيف مع هؤلاء العرب وقد أمري أن أكون مكانه حتى يرى ما يريد من قتالهم أو صلحهم قال: فكتم أرجانوس الأمر في نفسه وعلم أن أخاه قد قتل وكان أرجانوس ممن يعتقد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويعلم أن دعوته تطرف المشرق والمغرب وأن الملوك تضمحل في أيام أصحابه وسينزلون على البلاد فترك أرجانوس الأمر موقوفًا ولم يبد ما في نفسه لأحد فنما خرج ابن أخيه مع العسكر جمع أرجانوس الذين تركهم ابن أخيه لحفظ البلد في قصر المشع - قال لهم: اعلموا أن العقل هو عمدة قوى ابن آدم لأن الله قد خصه به دون سائر المخلوقات وإن أخي قد قتله ولده لا محالة وقد كان محبًا لكم ومشفقًا عليكم وأعلموا أن هؤلاء العرب قد كان قدامهم من ملكه أعظم من ملككم وما ثبت بين أيديهم وليس بين دولتكم وبين أن تزول وتضمحل إلا أن يلتقي الجيشان وإن ظافر بكم هؤلاء العرب قتلوكم ونهبوكم وسكنوا في مساكنكم وايتموا أولادكم.
فقالوا: أيها الملك فما يكون عندك من الرأي وما تفعل قال: إني أرى من الرأي أن تستيقظوا لأنفسكم وتغلقوا أبواب هذا القصر ولا تدعوا أحدًا يدخل عليكم من جند الملك ولا هو نفسه فإنهم لا يقدرون أن يقاتلوكم والعرب من ورائهم وأنه يعدي الجانب الغربي ويمضي إلى إسكندرية ونعقد لنا صلحًا مع هؤلاء العرب على أنفسنا وأولادنا وحريمنا ونسلم لهم بعد ذلك.
فمن أراد يتبعهم ومن أراد يعطيهم الجزية.
قال: فاستصوبوا رأيه وعلموا إنه نطق بالحق كان أرجانوس له في سرايته ألف مملوك.
قال: فاحتوى على قصر الملك وأخذ الخزائن والأموال ومخلق أبواب قصر الشمع وفعل ما فعل وليس عند ابن أخيه خبر إلى أن ذهب من الليل نصفه أو أكثر فجاء إليه بعض خدمه وأخبره بما فعل عمه فأيقن بتلفه وخروج ملك مصر منه.
قال فبينما هو في حيرة في أمره إذ كبر خالد بن الوليد ومن معه في وسط عسكره فسمع عمرو وأصحابه التكبير فكبروا ووقعت الخذلة على الكفار وحملت فيهم المسلمون ووضعوا فيهم السيوف فلما نظر أرسصوليس إلى ما نزل به والكبسة التي وقعت بعسكره لم يكن له دأب إلا أن ركب وأحدقت به مماليك أبيه وأرباب دولته وطلبوا بالهزيمة وقصدوا البحر وعدوا الجانب الغربي وطلبوا إسكندرية فجازوا على مدينة مريوط وفيها الموبذان الساقي ومعه ثلاث آلاف من عسكره فلما أن صاح الصائح في مصر بأن الملك انهزم وما ثبت أحد من عسكر القبط وولوا والسيف يعمل فيهم وغرق منهم في البحر خلق كثير ونصر الله المسلمين وانهزموا.
قال ابن إسحق: حدثني من أثق به أنه قتلى في تلك الليلة من عسكر القبط خمسة آلاف وغنم المسلمون أثقالهم وما كان فيها من الأموال فلما أقبل الصباح اجتمع خالد بالمسلمين وسلم بعضهم على بعض وهنوهم بالسلامة ودخلوا مصر وملكوا دورها وأحاطوا بقصر الشمع فأشرف عليهم أرجانوس بن راعيل أخو المقوقس وقال لهم: يا فتيان العرب اعلموا أن الله قد أمدكم بالنصر وقد فعلت في حقكم كذا وكذا ولولا حيلتي على ابن أخي لما انهزم منكم وقد ظفرتم الآن ونحن نسلم إليكم على شرط أنكم لا تتعرضون لنا ولا تمدون أيديكم لنا بسوء ومن أراد منا أن يبقى على دينه يؤذي الجزية ومن أراد أن يتبعكم يتبعكم.
فقال له معاذ بن جبل: قد نصرنا الله على الكفار بصدق نياتنا وصلح أعمالنا واتباعنا للحق وإنا ما قلنا قولًا إلا وفيناه ولا استعملنا الغدر ولا المكر وأنتم لكم الأمان على أنفسكم وأموالكم وحريمكم وأولادكم ومن بقي منكم على دينه فلن نكرهه ومن اتبع ديننا فله ما لنا وعليه ما علينا فلما سمع أرجانوس ذلك نزل إليهم بالمفاتيح فأمنوه وأمنوا من كان معه في القصر وجمعوا أكابر مصر ومشايخها وقالوا لهم: إن الله قد نصرنا عليكم وقد انهزم ملككم منا وأنتم الآن في قبضتنا وقد صرتم مماليكنا ومن أسلم منكم قبلناه ومن أبى استعبدناه فقالوا: أيها الملك ما هكذا بلغنا عنكم.
قال: وما الذي بلغكم عنا.
قالوا: سمعنا عنكم أن الله قد أسكن الرحمة في قلوبكم وأنتم تعفون عمن ظلمكم وتحسنون إلى من أساء إليكم وأنت تعلم أننا قوم محكوم علينا ولو كان الأمر إلينا لاتبعناكم فارفقوا بنا وانظروا في أحوالنا فقال عمرو لأصحابه وللأمراء: ما ترون من الرأي في أمر هؤلاء القوم فقال شرحبيل بن حسنة: اصنع ما أمر الله به من العدل فيهم وأحسن إليهم وطيب خواطرهم فإننا إذا قصدنا غير هذه المدينة وسمع أيها الأمير عنك أهل المدينة الأخرى ما فعلته مع أهل مصر يسلمون بغير منازعة ولا حرب فقال معاذ بن جبل وخالد بن الوليد والمقداد وعمار ومالك وربيعة ويزيد: القول الذي قاله كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المعمول به فقال عمرو لأهل هصر: قد أمناكم على أنفسكم وأولادكم وحريمكم منة منا عليكم وقد وضعت عنكم جزية هذه السنة وفي السنة الآتية نأخذ منكم الجزية من كل محتلم أربعة دنانير ومن أسلم منكم قبلناه قال فلما سمع أرجانوس ابن راعيل كلام عمرو قال: لقد أنصفت وإن الله بهذا نصركم وقد وقفت الآن على صحة دينكم وأنا أشهد أن الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله واشهدوا على أن كل ما تركه أخي من الأموال والأصول والثياب والمتاع هو هبة مني إليكم بما فعلتم مع أهل بلدي.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق