63
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
قال: فلما سمع الرهبان من مالك ذلك نزلوا وفتحوا الباب وسلموا لنا القس.
فقال له خالد: يا عدو الله أردت أمرًا وأراد الله خلافه ثم إنه عرض عليه الإسلام فأبى وقال: أنا هربت منكم من الشام ثم أوقعني المسيح لي أيديكم وما أظن إلا أن المسيح مسلم فافعل ما أردت فضربوا عنقه.
قال عامر بن هبار: وخرج إلينا أهل الدير بأجمعهم ومعهم الطعام والعلوفة فأكلنا وأقمنا عندهم إلى الليل.
فقال شيخهم الذي أشار عليهم بقبض القس الرومي لخالد: أيها السيد إني قد تفرست فيك الشجاعة فبألله من أنت من أصحاب محمد فقال: أنا خالد بن الوليد المخزومي.
فقال: أنت وحق ديني الذي فتحت بلاد الشام وأذللت ملوكها وبطارقتها وإن صفتك عندي ثم إنه دخول الدير وأتى ومعه سفط ففتحه وإذا فيه بين أوراقه ورقة وفيها صفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وزيه وصورته وصورة أبي عبيدة وصورة خالد بن الوليد والسيف في يديه مشهور.
قال: ما زلت أسمع أخبارك كلها فلم عزلك عمر بن الخطاب وولى غيرك فقال خالد: اعلم أن عمر هو الإمام وهو الخليفة ومهما أمرنا فلا نخالفه فإن الله أمرنا بذلك في كتابه فقال تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59]. فطاعته فرض علينا لأنه يحكم بالعدل ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وإنا قد وجهنا إليه خمس الغنائم من الفتوح كلها من الأموال فما ازداد في الدنيا إلا زهدًا ولا إثر الدنيا على الآخرة بل مجلسه على التراب ولبسه المرقعة ويمشي في سوق المدينة متواضعًا راجلًا فالتواضع لباسه والتقوى أساسه والذكر شعاره والعدل في الرعية دثاره وما زال يعطف على اليتيم ويرفق بالأرملة والمسكين ويرفد أبناء السبيل فظ في دين الله غليظ على أعداء الله قائم بشعائر الله لا يستحي من الحق ولا يداهن الخنق.
فقال القس: أكانت له الهيبة على عهد نبيكم.
قال خالد: نعم سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: استأذن عمر فأذن له فدخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.
فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله.
قال: (عجبت من هؤلاء اللواتي كن ضدي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب).
فقال عمر: أنت أحق أن يهبنك وقال لهن: يا عدوات أنفسكن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: نعم أنت فظ غليظ دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًا إلا سلك فجًا غيره). قال فلما سمع القس ذلك قال: بركة نبيكم عادت على إمامكم وعليكم.
فقال خالد: وما يمنعك من الدخول في ديننا.
فقال: حتى يشاء صاحب هذه الخضراء ثم قال لخالد: أريد أن أعطيكم من صلبان هذا الدير حتى تكمل حيلتكم.
قال وأخرج لهم صلبانا كثيرة فأخذها خالد ودفعها لرفاعة بن قيس وبشار بن عون وتزيوا بزي الذين قتلوهم من آل غسان وارتحل خالد بعدما وكل بالدير عشرة من أهل وادي القرى لئلا يخرج أحد بأخبارهم ويقربوا للملك بذلك.
قال وعدنا إلى سياق الحديث فلما أشرف أصحاب ابن المقوقس عليهم رأوهم وقد لبسوا خلع الملك وعلقوا الصلبان وشدوا الزنانير ورفعوا صليبًا من فضة كان قد أخرجه لهم القس فلما صقعوا للحجاب ركبوا وساروا حتى وصلوا إلى سرادق الملك فترتجلوا وأخذوا لهم إذنًا فأذن لهم فدخلوا ودخل أولهم رفاعة وبشار ومن معه وخدموا الملك وسجدوا له ولم يدخل خالد ومن معه ووقفوا مع بقية العرب خارج السرادق وإن الملك لما رآهم قال لهم: يا معاشر العرب أنتم تعلمون محبتنا لكم وتقريبنا لكم وقد طلبتم أن تكونوا لنا عونًا على هؤلاء العرب فإن نصحتم لنا في دولتنا شاركناكم في مملكتنا وقاسمناكم في ملكنا ونعمتنا.
فقال له فاعة: أبشر أيها الملك سوف ترى ما نبذله في محبتك يوم الحرب.
قال فخلع عليه وخرج من عنده وأمر لهم بخيام ضربت في عسكرهم.
قال: حدثنا عامر بن أوس عن جرير بن صاعد عن نوفل بن غانم عن سهل بن مسروق.
قال لما قدم الجيش الذي وجه عمر بن الخطاب مع رفاعة وبشار وكان من أمرهم ما ذكرناه ونظر إليهم عمرو بن العاص ومن معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلوا ينظرون إليهم وإلى زيهم.
فقال معاذ لعمرو: ما هؤلاء من المتنصرة وإن نفسي تأبى ذلك.
فقال عمرو: والله يا أبا عبد الرحمن لقد نظرت بنور الله وإنني نظرت فيهما واحداُ واحدًا ورأيتهم بزي وادي القرى وزي الطائف.
فقال شرحبيل بن حسنة: وأنا نظرت أعجب من ذلك إني رأيت خالد بن الوليد في جملتهم ولاحت لي عمامته وقلنسوته وثيابه التي كانت عليه يوم دخول طرابلس.
فقال يزيد بن أبي سفيان: أنا والله رأيت مالكًا الأشتر النخعي وعرفته بطول قامته وركبته على فرسه ثم قالوا: لا بد أن ينكشف لنا خبرهم على جليته فهم في الحديث إذ قد أتاهم نعيم بن مرة فلما رأوه تهللت وجوههم فرحًا وسرورًا فلما وصل إليهم وسلم عليهم وحدثهم بالحديث كله سجدوا لله شكرًا وقال بعضهم لبعض: أيقظوا هممكم وكونوا على يقظة مات أمركم فإذ سمعتم التكبير في عسكر العدو فبادروا إليهم.
قال ابن إسحق: ولله في خلقه تدبير وذلك أنه لما جن الليل جمع أرسطوليس بن المتوقس أرباب دولته وقال لهم: قد ضاق صدري من هؤلاء العرب وقال لهم: قد غلا السعر عندنا لأن أهل البلاد قد أجلت من خوفهم وإن خيلهم تضرب إلى الريف من هذا الجانب وإلى الصعيد من هذا الجانب والنوبة والبجاوة ما يأتينا منهما أحد للفتنة التي هي بينهم والرأي عندي أن نحارب هؤلاء العرب صبيحة عيدهم.
قالوا: أيها الملك هذا هو الرأي.
فقال: أخرجوا السلاح وفرقوه على من ليس معه سلاح.
.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق