إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 يونيو 2014

51 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


51

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

قال‏:‏ يا عمرو أليس أبونا آدم ثم نوحًا ثم إبراهيم وعيصو بن إسحق واسحق أخو إسماعيل وكلاهما ولد إبراهيم ولا ينبغي للأخ أن يبغي على أخيه بل يجود عليه‏.‏
فقال‏:‏ إنك لصادق في قولك الذي قلت وإن عيصو ونحن بنو أب واحد وأبونا نحن إسماعيل صلوات الله عليه وإن كان نوح عليه السلام قسم الأرض شططًا حين غضب على ولده حام وعلم أن أولاد حام لن يرضوا بها فاقتتلوا عليها زمانًا وهذه الأرض التي أنتم فيها ليست لكم وهي أرض العمالقة من قبلكم لأن نوحًا عليه السلام قسم الأرض بين أولاده الثلاثة سام وحام ويافث وأعطى ولده سامًا الشام وما حوله إلى اليمن إلى حضرموت وإلى غسان والعرب كلهم ولد سام وهم قحطان وطسم وجديث وعملاق وهو أبو العمالقة‏.‏
حيث كانوا من البلاد وهم الجبابرة الذين كانوا بالشام فهذه العرب العاربة لأن لسانهم الذي جبلوا عليه العربية وأعطى حامًا الغرب والساحل وأعطى يافث ما بين المشرق والمغرب و‏{‏إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 128‏]‏‏.‏ ونريد أن نرد هذه القسمة فنأخذ ما في أيديكم من العمارة والأنهار عوضًا عما نحن فيه من الشوك والحجارة والبلد القفر فلما سمع فلسطين كلام عمرو بن العاص علم أنه رجل ماكر‏.‏
فقال له‏:‏ صدقت في قولك إلا أن القسمة قد جرت فإن نقضتموها كنتم من الباغين علينا واعلم أنه ما حملناكم على ذلك وأخرجناكم من بلادكم إلا الجهد العظيم فقال له عمرو‏:‏ أيها الملك أما زعمت أن الجهد أخرجنا من بلادنا فنعم كنا نأكل خبز الشعير والذرة فإذا رأينا طعامكم واستحسناه فلن نبارحكم حتى نأخذ البلاد من أيديكم وتصيروا لنا عبيدًا ونستظل تحت أصول هذه الشجرة العالية والفروع المورقة والأغصان الطيبة الثمار فإن منعتمونا مما ذقناه من بلادكم من لذيذ العيش فما عندنا إلا رجالًا أشوق إلى حربكم من حبكم الحياة لأنهم يحبون القتال كما تحبون أنتم الحياة‏.‏
قال‏:‏ وأفحم فلسطين عن جوابه فرفع رأسه إلى قومه وقال‏:‏ إن هذا العربي صادق في قوله وحق الكنائس والقربان والمسيح والصلبان ما لنا معهم ثبات‏.‏
قال عمرو‏:‏ فوجدت إلى وعظهم سبيلًا وقلت‏:‏ معاشر الروم إن الله عز وجل قد قرب عليكم ما كنتم تطلبون‏.‏
إن كنتم تريدون بلدكم فادخلوا في ديننا وصدقوا قولنا فإن الدين عند الله الإسلام‏.‏
قال فلسطين‏:‏ يا عمرو إنا لا نفارق ديننا وعليه مات آباؤنا وأجدادنا‏.‏
قال عمرو‏:‏ فإن كرهت الإسلام فأعطنا الجزية منك ومن قومك وأنتم صاغرون‏.‏
قال فلسطين‏:‏ لا أجيبك إلى ذلك لأن الروم لا تطاوعني إلى أداء الجزية ولقد قال لهم أبي ذلك من قبل فأرادوا قتله فقال‏:‏ هذا ما عندي من الأعذار ولقد حذرتكم ما استطعت ولم يبق بيننا حكم إلا السيف والله يعلم أني دعوتكم إلى أمر فيه النجاة فعصيتموه كما عصى أبوكم عيصو عن أمه فخرج من الرحم قبل أخيه يعقوب وأنتم تزعمون أنكم أقرباؤنا في النسب وإنا لبراء إلى الله عز وجل منكم ومن قرابتكم إذ أنتم تكفرون بالرحيم أنتم من والد عيصو بن إسحق ونحن من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام وإن الله اختار لنبينا خير الأنساب من لدن آدم إلى أن أخرج من صلب أبيه عبد الله فجعل خير الناس من ولد إسماعيل فتكلم بالعربية وتكلم إسحق على لسان أبيه فولد إسماعيل العرب ثم جعل خير الناس كنانة ثم جعل خير العرب قريشًا وخير قريش بني هاشم ثم جعل خير بني هاشم بني عبد المطلب وخير بني عبد المطلب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فبعثه رسولًا واتخذه نبيًا وأهبط عليه جبريل بالوحي وقال له‏:‏ طفت مشارق الأرض ومغاربها فلم أر أفضل منك‏.‏
قال‏:‏ فخضعت جوارح القوم حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجلت قلوبهم ودخلت الهيبة في قلب فلسطين حين سمع كلام عمرو‏.‏
فقال‏:‏ صدقت في قولك كذلك الأنبياء تبعث من خير بيوت قومها على لسان ربها ثم قال له‏:‏ يا عمرو وهل في أصحابك رجل بين كلامه سريع الجواب إذا سئل‏.‏
فقال له‏:‏ اعلم أني والله أحب أن أمضي وآتيك بهم لتقف على صحة قولي ثم وثب وسار إلى عسكره وركب وأتى جيشه فحمدوا الله المسلمون على سلامته وباتوا يتحادثون فلما صلى عمرو بالناس صلاة الفجر أمرهم بالركوب إلى قتال عدوهم‏.‏
قال‏:‏ فأسرعوا إلى ذلك واستووا على متون خيولهم واصطفوا للحرب والقتال‏.‏
قال الواقدي‏:‏ حدثنا عروة بن زبد عن موسى مولى الحضرميين عن موسى بن عمران وابن الصباح لما كان يوم الحرب صف فلسطين جيشه ثلاثة صفوف وقدم المشاة وعدل الميمنة والميسرة ورفع الصليب أمامه وتقدم أمام الجيش فنظر عمرو إلى فلسطين وقد رتب عساكره وعزم على الحرب فهيأ المسلمين وصفهم صفًا واحدًا وجعل في الميمنة الحماة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم شرحبيل بن حسنة كاتب الوحي وصابوب بن جباية الليثي عن شماله وكان أحد فرسان المسلمين فبينما الناس كذلك إذ خرج فارس من الروم وعليه ديباج ودرع وجوشن وفي عنقه صليب من الذهب فحمل حتى خطى برمحه من الميمنة إلى الميسرة ومن الميسرة إلى الميمنة ثم إلى القلب ثم وقف بإزاء جيش المسلمين وركز رمحه بازائه وأخذ القوس بيده وفوق سهمها ورمى رجلًا من الميمنة فأثبت السهم فيه فجرحه ورمى آخر من الميسرة فقتله فنظر إليه عمرو وما قد صنع فصاح بالمسلمين‏:‏ ألا ترون هذا العلج اللعين وما يصنع بقوسه‏.‏
فمن يكفينا أمره ويزيل عن المسلمين شره فخرج إليه رجل من ثقيف وعليه بردة دنسة وبيده قوس عربية قد فوق سهمها وخرج إلى العلج يريده فنظر إليه العلج وليس عليه شيء من الحديد يستره إلا فروة دنسة وما معه من السلاح غير القوس فازدرى به وبلبسه وأطلق سهمًا من كبد قوسه فوقع سهمه في صدره فاشتبك في الفروة ووقع غير مصيب وكان اللعين أرمى أهل زمانه‏.‏
ما رمى قط شيئًا إلا نفذ فيه فغضب لذلك وهم أن يرميه بسهم ثاني فامتعط الثقفي نبلة ورمى بها نحوه فلم يرها لصغرها وخفاء موقعها فاشتبكت النبلة في حلق العلج فخرجت من قفاه فما تمالك العلج إلا أن وقع صريعًا فأسرع الثقفي إلى جواده فأخذه واستوى على متنه ونزع بيضة المشرك عن رأسه وجعل يسحبه نحو جيش المسلمين فاستقبله ابن عم له وكلمه فلم يجبه من فرحه بما صنع‏.‏
ثم أقبل إلى عمرو فأعطاه إياه فنظرت الروم إلى فعل الثقفي فغاظهم ذلك وجعلوا يشيرون إلى السماء فعلمنا أنهم يقولون إن الملائكة تنصرنا قال‏:‏ ونظر فلسطين إلى ذلك فعظم عليه وقال لبعض البطارقة‏:‏ اخرج إلى هؤلاء العرب وحام عن دينك فخرج البطريق وعليه ديباجة خضراء ودرع حصين ومن تحت الدرع جوشن منيع وفي عنقه صليب من الذهب الأحمر ومعه غلام من ورائه يجنب جنيبة وعليه سيفه ودرقته فخرج حتى وقف بين الصفين فجعل يسأل القتال فلما نظر المسلمون إليه أقبلوا إليه ينظرون ولا يخرج إليه أحد‏.‏
فقال عمرو‏:‏ معاشر العرب من يخرج إليه ويهب نفسه لله عز وجل فخرج إليه رجل من العرب وهو يقول‏:‏ أنا أكون ذلك فقال عمرو‏:‏ بارك الله فيما تريد وحمل صاحب المسلمين عندما خرج مصممًا واستقبله البطريق وجعلا يتجاولان ساعة وهما يتعانقان بالسيوف إلى أن خرجت لهما ضربتان فسبقه البطريق بالضربة فأخذها الرجل بالدرقة فقدها نصفين وكانت جلد بعير بطانة واحدة فلم يصل إليه من الضربة شيء وجعل الرجل ضربة في أثرها فقطعت البيضة وسلكها فتقهقر البطريق إلى ورائه ولم يصل إليه أذى فلما رجعت إليه روحه حمل على المسلم وضربه فجرحه جرحًا فاحشا فألوى إلى أصحاب فصاح به رجل من العرب‏:‏ من وهب نفسه لا يرجع من بين يدي عدوه‏.‏
فقال الرجل‏:‏ أكل كفاك هذه الضربة حتى توبخني إن الله ليلومني بأن ألقي بيدي إلى التهلكة ثم شد جراحه وعظم عليه ما قال ابن عمه فلما خرج قال له ابن عمه الذي خاطبه‏:‏ ارجع فخذ هذه البيضة واجعلها على رأسك‏.‏
فقال‏:‏ ثقتي بالله أعظم من حديدك ثم دلف نحو البطريق وهو يقول‏:‏ يقول لي عند الخروج للقا دونك هذا الترس فاجعله وقا من علج سوء قد بغى وقد طغى أقسمت بالله يمينًا صادقا لأتركن البيض فوق المرتقى وأدخل الجنة دار الملتقى قال‏:‏ فدعا له المسلمون بالنصر وقالوا‏:‏ اللهم أعطه ما تمنى وحمل على البطريق وضربه ضربة هائلة فوقعت على عاتقه وخرجت من علائقه ثم حمل في جيش الروم فقتل رجلًا وجندل أبطالًا ولم يزل كذلك حتى قتل رحمه الله تعالى‏.‏
فقال عمرو‏:‏ هذا رجل اشترى الجنة من الله البطريق قيدمون قال الواقدي‏:‏ وكان هرقل حين بعث ولده فلسطين إلى قيسارية بعث معه بطريقًا كل البطارقة وكان اسمه قيدمون وكان من أفرس الروم ويقال إنه خال فلسطين وقد كان لقي عسكر الفرس وعسكر الترك وعسكر الجرامقة قال‏:‏ وكان اللعين يحفظ سائر اللغات‏.‏
فقال فلسطين‏:‏ لا بد لي من قتال العرب‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق