إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 25 يونيو 2014

50 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


50

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


قال‏:‏ فركب القس وعليه ثوب من الديباج الأسود وعليه برنس من الشعر فركب بغله شهباء وأخذ بيده صليبًا من الجوهر وسار حتى وصل إلى المسلمين فوقف بحيث يسمعون كلامه‏.‏
فقال‏:‏ يا معشر العرب إني رسول إليكم من الملك فلسطين بن هرقل يسألكم أن تنفذوا إليه أفصحكم لسانًا وأجرأكم جنانًا وإنه والله يريد صلحكم ولا يبغي قتالكم لأنه عالم بدينه بصير بأموره وليس يحب سفك الدماء ولا فساد الصور فلا تبغوا علينا فالباغي مقهور والمبغي عليه منصور وقد قال لنا المسيح‏:‏ لا تقاتلوا إلا من بغى عليكم وإن الملك يريد أن تبعثوا إليه رجلًا من أفصحكم لسانًا وأجرأكم جنانًا ثم سكت‏.‏
قال‏:‏ فلما سمع عمرو كلامه‏.‏
قال‏:‏ أيها الناس قد سمعتم ما قاله هذا الأغلف فمن منكم يبادر إلى مرضاة الله تعالى ورسوله وينظر ما يتكلم به مع ملك الروم فتقدم إليه بلال بن حمامة مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان غلامًا أسود طويلًا من الرجال كأنه النخلة السحوق بصاص من السواد عيناه جمرتان كأنهما العقيق جهوري الصوت‏.‏
فقال‏:‏ يا عمرو أنا أسير إليه فقال‏:‏ يا بلال إنك قد حطمك الحزن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيضًا إنك من جنس الحبش ولست من العرب لأن العرب لهم الكلام الجزل والخطب والفصاحة‏.‏
فقال بلال‏:‏ بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تركتني أمضي إليه‏.‏
فقال عمرو‏:‏ لقد أقسمت علي بعظيم اذهب واستعن بالله ولا تهبه في الخطاب وأفصح في الجواب وعظم شرائع الإسلام‏.‏
فقال بلال‏:‏ ستجدني إن شاء الله حيث تريد‏.‏
قال‏:‏ فخرج بلال نحوهم وهو كالنخلة السحوق عريض المنكبين كأنه من رجال شنوءة وكان من عظم خلقته إذا نظر إليه أحد يهابه وكان لابسًا يومئذ قميصًا من كرابيس الشام وعلى رأسه عمامة من صوف متقلدًا بسيف ومزودة على عاتقه وبيده عصا‏.‏
قال‏:‏ فلما برز بلال من عسكر المسلمين ونظر إليه القس أنكره وقال‏:‏ إن القوم قد هنا عليهم فإنا دعوناهم نخاطبهم فبعثوا إلينا بعبيدهم لصغر قدرنا عندهم‏.‏
ثم قال‏:‏ أيها العبد أبلغ مولاك وقل له إن الملك يريد أميرًا منكم حتى يخاطبه بما يريد فقال بلال‏:‏ أيها القس أنا بلال مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤذنه ولست بعاجز عن جواب صاحبك فقال له القس‏:‏ قف مكانك حتى أعلم الملك بأمرك وعاد القس إلى الملك وقال له‏:‏ أيها الملك إنهم قد بعثوا بعبد من عبيدهم يخاطبك وما ذاك إلا استصغارًا لأمرنا عندهم وهو عبد أسود‏.‏
قال فأرسل له رجلًا يقول له‏:‏ أيها العبد أبلغ مولاك وقل له إن الملك إنما يريد أميرًا منكم حتى يخاطبه‏.‏
فقال له بلال‏:‏ أيها الرجل أنا بلال بن حمامة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولست بعاجز عن جواب صاحبكم‏.‏
فقال فلسطين‏:‏ ارجع إليهم وقل لهم بعث إليكم ملك النصرانية أيليق أن تبعثوا له بعبد من عبيدكم‏.‏
فرجع الترجمان إلى بلال وقال له يا أسود‏:‏ إن الملك يقول لك‏:‏ لسنا ممن نخاطب العبيد بل يأتينا صاحب جيشكم أو المؤمر عليكم فرجع بلال وهو منكسر وأخبر عمرًا بذلك‏.‏
فقال لشرحبيل‏:‏ أنا أمضي إليه‏.‏
فقال شرحبيل‏:‏ يا عبد الله إذا مضيت أنت فلمن ندع المسلمين‏.‏
فقال عمرو‏:‏ الله لطيف بعباده وهو أرحم الراحمين بخلقه ولكن خذ الراية واخلفني في قومي‏.‏
فإن غدر الروم فالله الخليفة عليكم فوقف شرحبيل في مقام عمرو وأخذ الراية وخرج عمرو نحو القوم وعليه درعه ومن فوقه جبة صوف وعلى رأسه عمامة من صنع اليمن مصبوغة صفراء قد أدارها على رأسه كورًا وأرخى لها عذبة وفي وسطه منطقة وقد تقلد سيفه واعتقل رمحه وسار عمرو حتى ولف بإزاء الترجمان الذي أرسله فلسطين بن هرقل فلما رآه الترجمان ضحك فقال‏:‏ مم تضحك يا أخا النصرانية‏.‏
قال‏:‏ من دناءة رؤيتك وحملك هذا السلاح ما الذي تصنع به ولم تحمله معك وما نريد حربًا فقال عمرو‏:‏ إن العرب حمل السلاح شعارهم ووطاؤهم ودثاوهم وإنما حملت السلاح معي استظهارًا ولعلي أن ألقى عدوًا فيكون ذلك حصنًا من عدوي وأحامي به عن نفسي‏.‏
قال الترجمان‏:‏ شيمتكم أيها العرب الغدر والمكر فكن مطمئن الجانب‏.‏
ثم عطف الترجمان إلى فلسطين بن هرقل وأحبره بما سمع من مقالة عمرو بن العاص وقال‏:‏ أيها الملك إن أمير العرب قد قدم علينا وعليه من الباس كذا وكذا فتبسم الملك من قول القس وقال‏:‏ قل له يتقدم إلينا‏.‏
قال‏:‏ فلما قدم أخذ الملك في التأهب لقدوم عمرو عليه وزين ملكه وأوقف القسوس عن يمينه وشماله والحجاب بين يديه واقبل على الترجمان وقال له‏:‏ يا أخا العرب قد أذن لك الملك فسار عمرو على جواده وعسكر قيسارية تتعجب منه ومن زيه إلى أن وقف على قبة الملك ثم ترجل ومشت الحجاب أمامه حتى وقعت عينه على عين فلسطين فأدناه ورخب به وبش في وجهه وقال‏:‏ مرحبًا بأمير قومه وأراد أن يجلسه على السرير فامتنع عمرو من ذلك وقال‏:‏ بساط الله أطهر من بساطك لأن الله تعالى جعل الأرض بساطًا وأباحنا إياها فنحن فيها سواء وما أريد أن أجلس إلا على ما أباحه الله ثم جلس على الأرض باركًا وتوك رمحه أمامه وسيفه على فخذه الأيسر فقال له فلسطين‏:‏ ما اسمك‏.‏
قال‏:‏ اسمي عمرو وأنا من العرب الكرام أرباب الحزم المعظمين في القوم‏.‏
قال فلسطين‏:‏ إنك لفتى كريم من عرب كرام يا عمرو إن كنت من العرب فنحق من الروم وبيننا قرابة وأرحام متصلة ونحن وأنتم في النسب متصلون ومن يكونون متصلين في النسب ما لهم يسفك بعضهم دم بعض‏.‏
فقال عمرو‏:‏ إن أنسابنا لاحقة من أبينا ونسبنا الأعلى هو دين الإسلام وإذا كان أخوان قد اختلفا في الدين كان حلالًا أن يقتل أحدهما أخاه وقد انقطع النسب بيننا وقد ذكرت أن نسبك لاحق بنا فكيف يكون نسبك ونسبنا واحدًا ونحن قريش وأنتم بنو الروم‏.‏
‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق