إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 25 يونيو 2014

49 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


49

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


  فتح قيسارية

الشام بساحل البحر قال سبيع بن ضمرة الحراني‏:‏ كنت مع عمرو بن العاص حين سار إلى قيسارية فدخلنا قرية من قرى الشام وكان البرد شديدًا ونظرنا إلى كرومها ونظرت إلى كرمة في دار من دور القرية وفيها عناقيد مدلاة أكبر ما يكون فأخذنا منها وأكلنا فبردنا ولحقنا البرد الشديد من شدة برد ذلك العنقود‏.‏
فقلت‏:‏ قبح الله هؤلاء الملاعين بلدهم بارد وعنبهم بارد وماؤهم بارد وأنا أخاف الهلاك من شدة برد بلادهم‏.‏
قال‏:‏ فسمعني رجل من أهل البلد فأراد أن يقرب إلي لأداعبه فقال لي‏:‏ يا أخا العرب إن كنت تجد البرد من العنب فاشرب من مائه‏.‏
قال سبيع‏:‏ ثم إنه دلنا على دن كبير فيه خمر فشربت أنا وجماعة من عرب اليمن فسكرنا فجعلنا نتمايل شكرًا فأخبر بذلك عمرو بن العاص فكتب إلى أبي عبيدة يعلمه بذلك فكتب إليه أبو عبيدة‏:‏ أما بعد فمن شربها فحده عليها وأقم حدود الله كما أمر ولا تخش لومة لائم فلما وصل الكتاب إلى عمرو دعا بسبيع بن ضمرة وأصحابه فجلدهم بالسياط‏.‏
قال سبيع‏:‏ فلما ضربني عمرو وأوجعني‏.‏
قلت‏:‏ والله لأقتلن العلج الذي دلنا على الخمر حتى شربناها وأكلنا الحد فأخذت سيفي ودخلت القرية أطلب العلج فلما رأيته ووقعت عيني عليه أردت قتله فولى هاربًا فتبعته وهو يقول‏:‏ ما ذنبي عندك‏.‏
فقلت‏:‏ أنت دللتني على ما يغضب الله حتى أكلت الضرب فقال‏:‏ والله ما علمت أنه محرم عليكم‏.‏
قال‏:‏ فناداني عبادة بن الصامت وقال‏:‏ يا سبيع إياك أن تقتله فإنه تحت الذمة‏.‏
قال‏.‏
فتركته ومضى العلج وأتى إلي بتين وجوز وزبيب وقال‏:‏ كل هذا بذاك فإنه يدفئك‏.‏
قال‏:‏ فأكلته فوجدته طيبًا فقلت‏:‏ لحاك الله أين هذا كان قبل أن أضرب بالسياط قال الواقدي‏:‏ ثم إن عمرًا ارتحل فنزل بموضع يقال له محل وبلغ الخبر فلسطين بن هرقل وكان قد أتاه المنهزمون من عسكر أبيه ولجؤوا إليه واكتمل جيشه في ثمانين ألفًا ثم إنه دعا برجل من المتنصرة وقال له‏:‏ امض وأحزر لي عسكر العرب واكشف لي أخبارهم فوصل إليهم ولجأ إلى قوم من اليمن وهم يصطلون حول النار فجلس بينهم يسمع حديثهم فلما أراد القيام عثر في ذيله‏.‏
فقال‏:‏ باسم الصليب كلمة أجراها الله على لسانه فلما سمعوا قوله علموا أنه متنصر جاسوس للروم فوثبوا إليه وقتلوه ووقع الصائح في العسكر فسمع عمرو الضجة‏.‏
فقال‏:‏ ما الخبر قيل‏:‏ إن قومًا من اليمن وقعوا بجاسوس‏.‏
من الروم فقتلوه‏.‏
قال‏:‏ فغضب عمرو وطلبهم وقال‏:‏ ما حملكم على قتل الجاسوس‏.‏
وهلا أتيتموني به لأستخبره‏.‏
فكم من عين تكون علينا ثم إنها ترجع فتصير لنا لأن القلوب بيد الله يقلبها كيف شاء‏.‏
ثم إنه نادى في جيشه‏:‏ من وقع بغريب أو جاسوس فليأت به إلي‏.‏
قال‏:‏ وإن فلسطين استبطأ الجاسوس فعلم بقتله فأرسل غيره فأشرف على القوم من فوق شرف عال وحزرهم وعاد إليه فأخبره أنهم في خمسة آلاف إلا أنهم كالأسود الضارية أو كالعقبان الكاسرة يرون الموت مغنمًا والحياة مغرمًا فلما سمع ذلك قال‏:‏ وحق المسيح والقربان لا بد من قتالهم‏.‏
فإما أن أبلغ المراد أو أموت صبرًا ثم إنه جمع عسكره واختار منهم عشرة آلاف فارس شدادًا وولى عليهم بطريقًا اسمه بكلاكون وهو صاحب جيشه وقال‏:‏ سر بهؤلاء فأنت طليعة جيشي فسار من ساعته ثم إنه عقد صليبًا آخر وسلمه إلى دمستق العسكر وأسمه جرجيس بن باكور وضم إليه عشرة آلاف وقال له‏:‏ إلحق بصاحبك فسار في أثره فلما كان في اليوم الثاني خرج فلسطين ببقية الجيش وترك ابن عمه قسطاس في قيسارية يحفظها وترك عنده عشرة آلاف‏.‏
قال بشار بن عوف‏:‏ فبينما نحن نازلون إذ أشرف علينا البطريق الأول في عشرة آلاف فارس فلما قربوا منا رأيناهم فحزرناهم فإذا هم عشرة آلاف‏.‏
قال‏:‏ ففرحنا وقلنا‏:‏ نحن خمسة آلاف وعدونا في عشرة آلاف فكل رجل منا يقاتل اثنين فبينما نحن كذلك إذ أشرف علينا البطريق الثاني في عشرة آلاف فقال عمرو رضي الله عنه‏:‏ اعلموا أن من أراد الله واليوم الآخر فلا يرتاع من كثرة العدو ولو تزايد المدد فإن الجهاد أوفر متجرًا وأعز قدرًا وأي فخر عند الله ممن يقتل في سبيل الله وصفوف الكفار ويكون حيًا عند الله يرتع في مروج الجنة وينال من الله سابغ النعمة والمنة فقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 169 170‏]‏ الآية ولو أن الجاسوس الذي قتلتموه لم تعجلوا عليه لأخبرنا بمسير هنا الجيش إلينا وكثرته وكنا قد أخذنا حذرنا على أنفسنا واحتطنا ولكن أمر الله لا يرد‏.‏
ثم إنه جمع أبطال الموحدين وقال‏:‏ قد رأيت أن ننفذ إلى أبي عبيدة نعلمه ليمدنا بالخيل والرجال فإن هذا جيش عظيم‏.‏
ثم قال‏:‏ أيها الناس من يركب ويسير إلى الأمير أبي عبيدة ويعلمه بما قد صرنا إليه‏.‏
فلعله أن ينجدنا كما أنجد يزيد بن أبي سفيان‏.‏
وهو محاصر قنسرين وأجره على الله‏.‏
المعارك في فلسطين فقال له ربيعة بن عامر‏:‏ يا عمرو ألق بنا العدو وتوكل على الله فإن الذي نصرنا في مواطن كثيرة ونحن في قلة ينصرنا اليوم على بقية القوم الكافرين‏.‏
قال‏:‏ فقنع عمرو بكلام عامر بن ربيعة وقال‏:‏ والله صدقت وأمر الناس بالتأهب إلى لقاء العدو فركب المسلمون ورفعوا أصواتهم بالتهليل والتكبير فأجابتهم الجبال والتلال والأوعار والأشجار والأحجار ومن في تلك الأرض من العمار وقالوا‏:‏ إلهنا ومولانا إنا نسمع أصواتًا موحدة غير مشركة ولا ملحدة في التوحيد وقد أسمعتنا كلام التوحيد وأريتنا وجوه أهل التمجيد والتحميد إلهنا ما أطيب سماع ذكرك ومن لنا أن نوفي بشكرك‏.‏
قال‏:‏ وضجت الوحوش والسباع إلى مولاها شاكرة لما أعطاها وأولاها ونادت عالم سرها ونجواها‏:‏ يا من جمع الوحوش راضية بما آتاها أخرج رزقها ومرعاها تغدو خماصًا وتروح بطانا إلى باب سيدها ومولاها يا من لو توارت دودة تحت الأرضين السبع لرآها ولو كانت في غلس الظلمات تحت اليم المظلم حبة لرزق عبد لبلغه إياها إلهنا إنا سمعنا أصوات توحيدك في هذه الأرض وما كنا عهدناها ونسمع آيات ما كنا عرفناها ولا سمعناها سبحانك يا من قدرته لا ننساها ويا من إحسانه وفضله لا يتناهى‏.‏
قال‏:‏ فهتف بهم هاتف من الجو كم لله من مستح في الجبال وفراها تحت تخوم الأرض وثراها وفي فلوات البراري المقفرات وفي قعور البحار الزاخرات وماها‏.‏
قال‏:‏ فارتاع عسكر الكفار لما سمعوا في الجو هذه الأصوات وكأنما الأرض وأقطارها وأهلها تجاوبهم وكان فلسطين قد أتى وسمع ذلك ونظر إلى جيش العرب وقد زاد في عينيه أضعافًا فقال‏:‏ وحق ديني لما أشرفت على القوم ما كانوا في هذه الكثرة وما كانوا أكثر من خمسة آلاف وقد زاد الآن عددهم وتزايد ملاهم ولا شك أن الله قد أمدهم بالملائكة ولقد كان أبي هرقل على بصيرة من أمر هؤلاء العرب وليس جيشي هذا بأعظم من جيش ماهان الأرمني لما لقيهم باليرموك في ألف ألف ولقد ندمت على خروجي إليهم ولكن سوف أدبر حيلة على هؤلاء العرب ثم إنه دعا بقس عظيم القدر عند النصرانية وهو قس قيسارية وعالمها وقال له‏:‏ اركب إلى هؤلاء القوم وكلمهم بالتي هي أحسن وقل لهم‏:‏ إن ابن الملك يسألكم أن تنفذوا إليه أفصحكم لسانًا وأجرأكم جنانًا فابعثوا به ولا يكون من طعام العرب‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق