إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 25 يونيو 2014

48 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


48

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

وطوى الكتاب وختمه وقال‏:‏ معاشر المسلمين من يسير بكتابي هذا إلى أمير المؤمنين فأسرع بالإجابة زيد بن موهب مولى عمير بن سعيد مولى عمرو بن عوف فقال‏:‏ أنا أيها الأمير أوصله إن شاء الله تعالى فقال أبو عبيدة‏:‏ يا زيد أنت لست مالك نفسك وإنما أنت مملوك فإن أردت المسير فسل مولاك أن يأذن لك في ذلك فأسرع زيد إلى مولاه عمير فانكب على يديه يقبلهما فمنعه من ذلك وذلك أن عميرًا كان رجلا زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة‏.‏
ما يملك من الدنيا سوى سيفه ورمحه وفرسه وبعيره ومزادته وقصعته ومصحفه وكان الذي يصيبه من الغنائم لا يدخر منه ولا يأخذ إلا ما يقوته وكان يفرق الباقي على قرابته وقومه فإن فاض شيء يرسله إلى عمر رضي الله عنه يفرقه على فقراء المسلمين المهاجرين والأنصار‏.‏
قال‏:‏ فلما أراد زيد أن يقبل يد سيده منعه وقال له‏:‏ ما الذي تريد فقال‏:‏ يا مولاي تأذن لي أن أكون رسولًا للمسلمين بشيرًا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏.‏
فقال عمير بن سعيد‏:‏ تريد أن تكون بشيرًا للمسلمين وأمنعك من ذلك‏.‏
إني إذًا لآثم امض فأنت حر لوجه الله تعالى وأرجو عتقك أن يجيرني الله من النار‏.‏
قال‏:‏ ففرح زيد بذلك وعاد إلى أبي عبيدة فأخبره أن ببركة كتابه صار حرًا فسر أبو عبيدة وسار زيد على نجيب من نجب اليمن دفعه إليه وكان سابقًا‏.‏
قال‏:‏ فجعل زيد يطلب أقرب الطرق حتى قدم المدينة ودخلها وإذا بها ضجة عظيمة ولأهلها ضجيج وهم يهرعون نحو البقيع وقباء فقلت لنفسي‏:‏ إن لهم أمرًا فتبعتهم لأرى ما شأنهم وأنا أحسب أنهم يريدون حربًا فرأيت رجلًا فعرفته فستمت عليه فعرفني وقال‏:‏ أنت زيد قلت‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ الله أكبر ما وراءك يا زيد قلت‏:‏ البشارة والغنيمة والفتح‏.‏
قلت‏:‏ ما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قال‏:‏ إنه خارج يريد الحج ومعه أزواج النبي صلى الله عليه وسلمة يحج بهن والناس يشيعونه‏.‏
قال زيد بن وهب‏:‏ فأنخت بعيري وعقلته وأسرعت مهرولًا حتى وقفت بين يدي عمر رضي الله عنه وهو يمشي راجلًا ووراءه مولاه يقود بعيرًا وقد رحله بعباءة قطوانية وزاده وجفنته عليه والهوادج بين يديه سائرة وعن يمينه علي بن أبي طالب وعن يساره العباس بن عبد المطلب ومن ورائه المهاجرون والأنصار وهو يوصيهم بالمدينة‏.‏
قال زيد بن وهب‏:‏ فلما وقفت بين يديه ناديت‏:‏ السلام عليك يا أمير المؤمنين أنا زيد بن وهب مولى عمير بن سعيد أتيتك بشيرًا‏.‏
قال عمر‏:‏ بشرك الله بخير فما بشارتك قلت‏:‏ هذا كتاب من عاملك أبي عبيدة يخبرك أن الله قد فتح على يديه أنطاكية‏.‏
قال‏:‏ فلما سمع عمر بذكر أنطاكية وأن الله فتحها خز لله ساجدًا يمرغ خديه على التراب ثم إنه رفع رأسه من سجوده وقد تترب وجهه وشيبته من التراب وهو يقول‏:‏ اللهم لك الحمد والشكر على نعمك السابغة ثم قال‏:‏ هات الكتاب رحمك الله فناولته إياه فلما قرأه بكى فقال له علي كرم الله وجهه‏:‏ مم بكاؤك‏.‏
قال‏:‏ مما صنع أبو عبيدة بالمسلمين وبما استعقب رأيه في الموحدين ثم قال‏:‏ إن النفس لأمارة بالسوء ودفع الكتاب إلى علي فقرأه على المسلمين إلى آخره‏.‏
قال زيد بن وهب‏:‏ ثم رأيت عمر قد هدأ من بكائه وقد زاد فرحه وأقبل علي وقال‏:‏ يا زيد إذا عدت فأمعن النظر في أتيانها وأعنابها واحمد الله كثيرًا فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين ليس هذا أوانه‏.‏
قال‏:‏ ثم جلس عمر على الأرض ردعا بدواة وقرطاس وكتب إلى أبي عبيدة كتابًا يقول فيه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر إلى عامله بالشام أبي عبيدة عامر بن الجراح سلام عليك وإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو أصلي على نبيه وأشكره على ما وهب من النصر للمسلمين وجعل العاقبة المتقين ولم يزل بنا لطيفًا معينًا‏.‏
وأما قولك لم نقم بأنطاكية لطيبها فإن الله عز وجل لم يحرم الطيبات على المؤمنين الذين يعملون الصالحات فقال‏:‏ ‏{‏يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 51‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 57‏]‏ الآية فكان يجب عليك أن تريح المسلمين من تعبهم وتدعهم يرغدون في مطعمهم ويريحون أبدانهم من نصب القتال مع من كفر بالله وأما قولك إنك منتظر أمري فالذي آمرك به أن تدخل وراء العدو وتفتح الدروب فإنك الشاهد وأنا الغائب وقد يرى الشاهد ما لا يراه الغائب وأنت بحضرة عدوك وعيونك تأتيك بالأخبار فإن رأيت أن دخولك إلى الدروب بالمسلمين صواب فابعث إليهم بالسراية وادخل معهم إلى بلادهم وضيق عليهم المسالك ومن طلب منك الصلح فصالحهم ووف لهم بما تقدر وأما قولك إن العرب أبصرت نساء الروم فرغبت في التزوج فمن أحب ذلك فدعه إن لم يكن له أهل بالحجاز ومن أراد أن يشتري الإماء فدعه فإن ذلك أصون لفروجهم وأعف لنفوسهم وما تحتاج أن أوصيك في أمر فلنطانوس صاحب رومية أوسع عليه في النفقة وعلى من معه فإنه قد فارق أهله وملكه وأمره ونهيه والسلام عليك وعلى جميع المسلمين‏.‏
وطوف الكتاب ودفعه لزيد بن وهب وقال له‏:‏ انطلق رحمك الله وأشرك عمر في ثوابك فأخذ زيد الكتاب وهم أن يسير فأمره أن يقف وقال له‏:‏ على رسلك حتى يزودك عمر من قوته ثم إن عمر أناخ راحلته وأخرج له تمرًا وأعطاه صاع تمر وصاع سويق وقال‏:‏ لا زيد اعذر عمر فهذا ما أمكنه ثم إن عمر قبل رأس زيد بن وهب فبكى زيد وقال‏:‏ يا أمير المؤمنين أو بلغ من قدري أن تقبل رأسي وأنت أمير المؤمنين وصاحب سيد المرسلين وقد ختم الله بك الأربعين فبكى عمر وقال‏:‏ أرجو أن يغفر الله لعمر بشهادتك‏.‏
قال زيد بن وهب‏:‏ فاستويت على كور ناقتي وهممت بالمسير فسمعته يقول‏:‏ اللهم احمله عليها بالسلامة واطو له البعيد وسهل له القريب إنك على على شيء قدير‏.‏
قال زيد بن وهب‏:‏ ففرحت بدعوة عمر رضي الله عنه وعلمت أن الله لا يرد دعوته إذ كان لربه طائعًا ولنبيه تابعًا فجعلت أسير والأرض تطوي لي تحت أخفاف مطيتي فكنت والله في اليوم الثالث عند أبي عبيدة وقد رحل عن أنطاكية وقد نزلت على حازم‏.‏
قال زيد‏:‏ فلما وصلت إلى عساكر المسلمين سمعت ضجة وجلبة وقد ارتفعت الأصوات فسألت رجلًا من أهل اليمن ما سبب ذلك‏.‏
قال‏:‏ فرحًا بما فتح الله على المسلمين‏.‏
وهذا خالد قد أتى وكان قد ضرب على شاطئ الفرات وأغار بخيله وقد صالحه أهل منبج وبزاعة وبالس وأتى برجالهم وأموالهم وافتتحها صلحًا وقد فتح منبج وبزاعة وبالس وقلعة نجم في العشر الأوسط من المحرم سنة ثماني عشرة من الهجرة وصالحهم بعد رد أموالهم على مائة ألف وخمسين ألف دينار وأخذها بعد أن نزل صاحبهم جرفناس وسار بأموالهم وعبيده وخيوله إلى بلاد الروم وولى على منبج عباد بن رافع التميمي وعلى الجسر نجم بن مفرج وولى على بزاعة أوس بن خالد الرابعي وعلى بالس بادر بن عوف الحميري وبنى له بها قلعة إلى جانب بالس من الشرق وسماها باسمه وعاد خالد بالأموال والأثقال يوم قدوم زيد بن وهب‏.‏
قال‏:‏ فأتيت أبا عبيدة وهو جالس وخالد إلى جانبه ولد قدم مال الصلح فأنخت ناقتي وسلمت عليهم ودفعت الكتاب إلى أبي عبيدة ففضه وقرأه على المسلمين فلما سمعت المسلمون ما فيه‏.‏
قال أبو عبيدة‏:‏ معاشر المسلمين إن أمير المؤمنين قد جعل أمر الدخول إلى الدروب إلي وقال‏:‏ أنت الشاهد وأنا الغائب وأنا لا أفعل شيئًا إلا في أيكم فما تشيرون علي أن أفعل رحمكم الله فلم يجبه أحد وأعاد القول ثانية فلم يجبه أحد والله أعلم‏.

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق