إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 25 يونيو 2014

47 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


47

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

قال‏:‏ أيها الملك إني دخلت في دينهم واطلعت على أمرهم وكشفت سرهم فرأيت القوم لا يستمعون إلى الباطل ولا يحيدون عن الحق ولا ينامون الليل من كثرة اجتهادهم ولا يتكلمون بغير ذكر ربهم ينصفون المظلوم من الظالم ويواسي غنيهم فقيرهم الأمراء منهم في زي المساكين والعزيز والذليل عندهم سواء‏.‏
فقال له فلنطانوس‏:‏ فإذا وقفت على سرهم ورأيت فضلهم فما منعك أن تقيم عندهم وبينهم‏.‏
فقال يوقنا‏:‏ منعني من ذلك صحة ديني وصحبة قومي لأني لم أر فراقهم‏.‏
قال فلنطانوس‏:‏ إن النفوس الزكية الباقية إذا رأت الحق جذبها جاذب اليقين إلى حضرة طلب الإخلاص من المعيشة الذميمة إلى أن ترقى إلى أعلى عليين‏.‏
قال‏:‏ فخرج يوقنا وقد رسخ كلام فلنطانوس في قلبه فقال‏:‏ والله ما تكلم بشيء إلا وهو منقوش على صفحة صدري وكلامه يشهد بقبول عقله لصحة دين الإسلام وأقام يوقنا على قلق من ذلك حتى أقبل الليل فأتى إلى فلنطانوس فراه وهو على نية الركوب إلى ما ذكرناه فلما وقف بين يديه صقع له‏.‏
فقال له فلنطانوس بأي حجاب حجب الله الظالمين عن اتباع سبيل المتقين فالحق واضح لمن طلبه والباطل خفي عمن اتبعه‏.‏
فقال يوقنا‏:‏ أيها الملك ما معنى هذا الكلام الذي أشرت إليه فقال‏:‏ لو أنك رأيت بعين البصيرة لما رجعت عن ملتهم ولا أردت بدلًا غيرهم وإنما أنت طلبت نعيمًا يؤول إلى الزوال ويفضي بصاحبه إلى النكال‏.‏
قال‏:‏ فسكت يوقنا وخرج من عنده وجعل يتجسس عليه ومضى ووقف على الطريق الذي يمضي إلى المسلمين فركب فلنطانوس وخرج من سرادقه فوجد بني عمه قد أخذوا أهبتهم وهم أربعة آلاف فارس وقدموا عزمهم وساروا يدًا واحدة يطلبون جيش الموحدين وقد تركوا عزهم وفارقوا دينهم فلما قربوا من جيش المسلمين ظهر لهم يوقنا وبنو عمه المائتان‏.‏
فقال يوقنا لفلنطانوس‏:‏ أيها الملك عولت على أن تكبس المسلمين فقال‏:‏ لا والقديم الأزلي وإنما أنا قاصد إليهم وداخل في دينهم وملتهم وأكون من جملتهم فمن نظر إلى الدنيا بعين الفناء عمل للآخرة فما الذي يمنعك يا يوقنا مما نحن عولنا عليه فقال يوقنا‏:‏ أيها الملك لقد جذبك جاذب الحق عن طريق الضلال ثم إنه حدثه بحديثه وأنه عازم على أن يغدر بالروم فقبله فلنطانوس وفرح بمقالته وقال له‏:‏ كيف تقدر على ذلك وما أرى معك إلا نفرًا يسيرًا‏.‏
فقال‏:‏ أيها الملك إن في داخل بيتي مائتين من المسلمين من أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام عشرين ألفًا من الروم ولقد رأيت أن تعود أنت وقومك ولا تستعجل ونبعث رجلًا إلى أمير المسلمين يخبره بما نحن معولون عليه فإذا كان غدًا تقف أنت وجيشك حول الملك هرقل وأدخل أنا البلد وأطلق المائتي أسير وأعطيهم سلاحًا ويحمل جيش العرب وتحمل أنت وعسكرك على مركب هرقل وتقصده بنفسك فتقبض عليه وتكون قد جاهدت وأسير أنا ومن معي في داخل البلد فنملكها إن شاء الله تعالى وإن أردت أن ترجع إلى دار ملكك ويكون أمرك مكتومًا علينا فحول أمر جيشك لمن تثق به من بني عمك‏.‏
قال فلنطانوس‏:‏ ما فعلت هذا ولي نية في ملكي ولا في ملك الدنيا بل إذا قضي هذا الأمر ونصر الإسلام قصدت مكة فأحج وأزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم أرجع إلى بيت المقدس فأقيم فيه إلى أن أموت فمن يذهب إلى أمير العرب برسالتي ويخبرهم بما قد عولنا عليه فقال له يوقنا‏:‏ اعلم أن لهم عندنا عيونًا وجواسيس ممن هو تحت ذمتهم وأنا أعلمهم بما قد وقع قال‏:‏ فبينما هم في الكلام تحت ستر الليل وإذا بشيخ قصد إليهما فتأمله يوقنا فإذا هو عمرو بن أمية الضمري ساعي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم على يوقنا وعلى من معه وقال ليوقنا‏:‏ إن الأمير أبا عبيدة يقول لك‏:‏ جزاك الله خيرًا عن الإسلام وإنه رأى في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما كان من أمر صاحب رومية وما تحدثتما به وما وقع له مع قومه وما عزمتم عليه وبشره بأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقد تفتح أنطاكية ويزول عز قال الواقدي‏:‏ فتهلل وجه فلنطانوس فرحًا وازداد إيمانًا وقال‏:‏ الحمد لله الذي هدانا للإسلام والإيمان‏.‏
قال الواقدي‏:‏ وذلك أن أبا عبيدة رضي الله عنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم و يقول‏:‏ يا أبا عبيدة أبشر برضوان الله ورحمته وغدًا تفتح أنطاكية صلحًا وان صاحب رومية المدائن الكبرى قد جرى من أمره كيت وكيت هو ويوقنا صاحب حلب وهما بالقرب منك فأنفذ إليهما بنجاز الأمر‏.‏
قال فاستيقظ أبو عبيدة وقص رؤياه على خالد وأنفذ عمرو بن أمية كما ذكرنا‏.‏
قال‏:‏ فلما سمع فلنطانوس ذلك اقشعر جلده وارتعدت فرائصه وقال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله وأشهد أن هذا الدين هو الحق اليقين ثم إنهم عادوا وطافوا بجيش الملك كأنهم يحرسون فبينما يوقنا قد ذهب بأصحابه من عند صاحب رومية وقد قوي عزمهم على ما ذكرنا من أمر كبسهم الملك وإذا بالحاجب قد لقيه والمشاعل بين يديه وقد خرج من أنطاكية ومعه ضرار بن الأزور ورفاعة بن زهير والمائتا أسير وقد عول على قتلهم وأن يرمي غدًا برؤوسهم إلى المسلمين فلما سمع يوقنا ذلك ضاقت الدنيا عليه وقال له‏:‏ أيها الحاجب الكبير أنت تعلم أن المصاف غدًا واقع بيننا وبينهم فإن أنتم قتلتم هؤلاء ورميت برؤوسهم إلى المسلمين فإنهم لا يقعون بأحد منا فيبقون عليه فاتق الله ولا تعجل بذلك ودعهم عندي وراجع الملك في أمرهم إلى أن نرى ما يؤول أمرهم إليه‏.‏
قال‏:‏ فتركهم الحاجب عند يوقنا ومضى إلى الملك وأخبره بما قال يوقنا‏.‏
فقال له‏:‏ دعهم عند الدمستق فرجع إليه وقال له‏:‏ الملك يقول لك احتفظ عليهم فأمرهم لك فأخذهم يوقنا وسار بهم إلى خيمته وصعب عليه إخراجهم من أنطاكية لأنه كان قد عول على أن يملك بهم البلد فلما حلوا في خيمته حقهم من الوثاق وسلم إليهم العدد وأخبرهم بما قد عزم عليه هو وصاحب رومية من القبض على الملك هرقل‏.‏
فقال ضرار‏:‏ والله لأرضين الرب غدًا بجهادنا وكانت قد ختمت جراحاته لأنه كان في الأسر ثمانية أشهر وفرقهم مع بني عمه‏.‏
قال الواقدي‏:‏ حدثنا أبو محمد عن سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن مسعود أن الذي أمر بإخراج الأسرى لم يكن هرقل وإنما كان مملوكه الخاص واسمه تاليس بن ربنوس وكان قد ألبسه تاجه ومنطقته وكان أشبه الخلق به وقال له‏:‏ كن غدًا مكاني فإني أريد أن أكيد العرب وأكمن خلفهم وما ذاك إلا أنه رأى في نومه كأن شخصًا قد نزل من السماء وقلبه عن سريره وكأن تاجه قد طار من على رأسه وكأن شخصًا يقول له‏:‏ قد قرب ما بعد وقد زال ملكك من سورية وقد ذهبت دولة الشقاق والنفاق وجاءت دولة الوفاق وكأن ذلك الشخص قد نفخ في عسكره فأوقد نارًا فاستيقظ مرعوبًا وفسر منامه على نفسه بزوال ملكه وكان قبل نزول العرب قد عبى خزائنه وجمع ما يخاف عليه من التحف ووضعها في المراكب من حيث لا يعلم بذلك أحد من دولته وعبى الزاد والماء ثم إنه أرسل أهل بيته في تلك الليلة بعدما رأى في المنام ولم يدع من حريمه وأولاده وعياله أحدًا وبعده أمر مملوكه تاليس بن رينوس بما أمره أن يفعله‏.‏
قال‏:‏ فلما ركب تاليس فما كان من أمره إلا أن قال للحاجب‏:‏ أخرج الأسارى واضرب رقابهم فأخرجهم وأخذهم يوقنا كما وصفنا‏.‏
قال‏:‏ حدثنا ياسر عن سليمان بن عبد الواحد عن صفوان بن بشر عن عروة بن مذعور عن محمد بن علي عن علي عن شعبة عن قتادة عن أبي الصديق التاجي عن ابن سعد‏.‏
قال‏:‏ ما خرج هرقل من أنطاكية إلا وهو مسلم وذلك أنه كتب إلى عمر بن الخطاب في السر عن قومه إن بي صداعًا لا يسكن فانفذ إلي بدواء أتداوى به فأرسل إليه قلنسوة فكان إذا وضعها على رأسه سكن صداعه وإذا رفعها عاد إليه فتعجب من ذلك وأمر بفتحها فإذا فيها مكتوب‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏
فقال هرقل‏:‏ ما أكرم هذا الاسم وأعزه حيث شفاني الله به وكانوا قد توارثوا هذه القلنسوة إلى أن وصلت إلى صاحب عمورية فلما كان يوم المعتصم ونزل عليها عرض للمعتصم صداع فأرسل إليه صاحب عمورية بالقلنسوة فلما وضعها على رأسه سكن ما به فأمر المعتصم بفتحها فإذا فيها الرقعة ومكتوب فيها‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.
  قال الواقدي
‏:‏ وأما ما كان من أمر تاليس فلما أصبح ركب ورتب عساكر الروم عن آخرها ودارت المواكب حول تاليس بن رينوس وكان كل من رآه يظن أنه هرقل ولا يشك فيه ودار بمواكبه عسكر فلنطانوس صاحب رومية وركب يوقنا ومن معه وهم متنكرون تحت السلاح فكان أول من حمل خالد بن الوليد بجيش الزحف‏.‏
قال‏:‏ وتبعه سعيد بن زيد وتبعه قيس بن هبيرة وتبعه ميسرة وبعده عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وذو الكلاع الحميري وأمثالهم وأطبق الناس بعضهم على بعض فلما اشتبكت الحرب هجم يوقنا ومن معه وحمل ضرار فلله دره لقد أعطى السيف حقه وأخذ بثأره من الروم وكلما قتل واحدًا صاح واثارات أسر ضرار بن الأزور وكان قد قصد عسكر المتنصرة هو وأصحابه ورفاعة بن زهير يشجعهم ويوبخهم ويقول‏:‏ خذوا بثأركم ممن أسركم واحملوا وإياكم أن تفشلوا واعلموا أن الجنة قد فتحت أبوابها وزينت حورها وقصورها وأشرق بنيانها ومرح ولدانها وتجلى ديانها ثم صاح‏:‏ يا فتيان العرب أيكم يرغب في زواج الحور فإن بذل النفوس هي المهور من يريد عرشًا في الجنان ويقوم في خدمته الولدان من يرغب فيما قال الملك الديان ‏{‏متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 76‏]‏ أين من شهد بدرًا وحنين مع سيد الكونين أين من يزيل عن قلبه حجاب الغفلة والرين‏.‏
وافقوا قومًا صارت هممهم إلى دار الأزل فأناخوا بباب من لم يزل محبوبهم فأراد الحق أن يوقفهم على منازلهم ليزيدوا في حسن أفعالهم فكشف عن سرائرهم فرأوا دارًا بناؤها النور قواعدها من الرحمة حيطانها من الذهب ملاطها المسك ماؤها من الحيوان حصباؤها الدر والجوهر ترابها الكافور والعنبر سورها المجيد اللطف ستورها الكرم أشجارها لا إله إلا الله أغصانها محمد رسول الله ثمارها سبحان الله والحمد لله عرضها السموات والأرض سقفها عرش الرحمن فلما كشف لهم عن هذه الأسرار اشتاقوا إلى سكنى الدار قيل لهم‏:‏ لن تصلوا إليها إلا ببذل النفوس في رضا الملك القدوس ثم خلع عليهم خلع الإحسان وتوجهم بتيجان الرضوان ونشر على رؤوسهم رايات الغفران مرسوم على طرازها بقلم السر المكنون ‏{‏ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 169‏]‏ لقد بذلوا النفوس في رضا القدوس‏.‏
قال الواقدي‏:‏ فبينما ضرار يحمل في الأعداء ويذيقهم شراب الردى وإذا هو بفارس يطحطح الكتائب ويفرق المواكب ويصيح واثارات ضرار بن الأزور فتأمله فإذا هو أخته خولة فناداها دارك يا بنت الأزور أنا والله أخوك فأقبلت لتسلم عليه‏.‏
فقال لها‏:‏ إليك عني ما هذا وقت سلام وإن قتال الكفر أفضل من كلامك يا بنت الأزور فاجعلي عنانك مع عناني وسنانك مع سناني وجاهدي في سبيل الله فإن قتل أحدنا فالملتقى في الحشر عند حوض سيد البشر فبينما هم في ذلك إذ نظر إلى جيوش الروم وقد تقهقرت وفرسانهم قد انهزمت وكان السبب في ذلك أن صاحب رومية رحمه الله لما رأى الحرب قد أضرمت نيرانها وعلا دخانها حمل بأصحابه وقصد تاليس بن رينوس فقبض عليه وهو يظن أنه هرقل فصاح الصائح‏:‏ إن الملك هرقل قد قبض عليه فلنطانوس ملك رومية وغدر به فولت الروم الأدبار وقتل المسلمون منهم مقتلة عظيمة لم يقتل مثلها إلا بأجنادين واليرموك وقتل من العرب المتنصرة زهاء من اثني عشر ألفًا وطلب جبلة ولده فلم ير لهم خبرًا فقيل إنهم وأكابر قومهم ركبوا مع الملك هرقل في المراكب وكان جملة من هرب من سادات المتنصرة مع جبلة وابنه خمسمائة من جملتهم ابن عمه قرظة وعروة بن واثق ومرهف بن واثق وهجام بن سالم وشيبان بن مرة‏.‏
قال فسكنوا جزائر البحر فمن نسلهم هذه الإفرنج‏.‏
قال‏:‏ وأخذ المسلمون ما كان من السرادقات والخيام والديباج والمتاع والخزائن وأسروا ثلاثين ألفًا وقتلوا من الروم سبعين ألفًا وولت العرب المتنصرة منهزمين فمنهم من أخذ نحو الدروب ومنهم من طلب قيسارية إلى قسطنطين بن هرقل فلما وضعت الحرب أوزارها وخمدت نارها جمعوا الأموال والأثقال والأسرى بين يدي أبي عبيدة فلما نظر إلى ذلك سجد لله شكرًا وسلم المسلمون بعضهم على بعض وجاء ضرار وأصحابه ويوقنا وفلنطانوس وأصحابه وسلموا على المسلمين وفرحوا بهم فلما وصل فلنطانوس قام إليه المسلمون وقال كبار الصحابة‏:‏ سمعنا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه‏.‏
قال‏:‏ فنظر فلنطانوس إلى تواضعهم وحسن سيرتهم وكثرة عبادتهم فقال‏:‏ هؤلاء والله القوم الذين بشر بهم عيسى عليه السلام قال فأسلم بنو عمه عن آخرهم وجاهدوا في الكفار إلى أن فتحوا جميع الأمصار وبعدها مضى فلنطانوس إلى مكة فحج وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم المختار وسلم على عمر رضي الله عنه فلما رآه وثب إليه قائمًا وصافحه هو وجميع المسلمين وعاد إلى بيت المقدس فجلس يعبد الله فيه حتى أتاه اليقين‏.‏
قال الواقدي‏:‏ ونظر أبو عبيدة إلى جيش أنطاكية وقد تحصنوا فيها وهم لا يحصون فقال‏:‏ اللهم اجعل لنا إلى فتحها من سبيل وافتح لنا فتحًا مبينًا‏.‏
قال‏:‏ وكان على أنطاكية بطريق اسمه صليب بن مرقس وكان جاهلًا في رأيه فعزم على القتال من داخل السور فاجتمع أكابر البلد إلى البترك في الليل وقالوا له‏:‏ اخرج إلى هؤلاء العرب وصالح بيننا وبينهم على ما تقدر عليه‏.‏
قال‏:‏ فخرج البترك إلى أبي عبيدة وحدثه في الصلح فأجابه إلى وذلك فكان جملة ما صالح عليه أهل أنطاكية ثلثمائة ألف مثقال من الذهب فلما تقرر الصلح قال له أبو عبيدة‏:‏ احلف لنا أنكم لا تغدرون بنا فإن مدينتكم مانعة كثيرة الجبال والوعر‏.‏
فقال خالد‏:‏ ومن يحلفه‏.‏
فقال أبو عبيدة‏:‏ يوقنا‏.‏
قال‏:‏ فوضع يوقنا يده على رأس البترك فوق يده وقال‏:‏ قل والله والله والله أربعين مرة وإلا قطعت زناري وكسرت صليبي ولعنتني الشمامسة والديرانيون وخلعت دين النصرانية وذبحت الجمل في جرن ماء المعمودية ونجستها ببول مولود من أولاد اليهود وقتلت كل الشهود وإلا خرقت شدائد مريم وعصبت رأسي وإلا ذبحت القسوس وصبغت بدمائهم ثوب عروس وإلا جعلت مريم زانية به وإلا جعلت في المذبح حيضة يهودية وإلا أطفأت قناديل بيعة جرجيس وجعلت عزيرًا في مقام كالوس وإلا تزوجت يهودية طامثة لا تنقى أبدًا وإلا غسلت أثوابي صبيحة يوم الجمعة وهدمت الكنائس والبيع وأحللت الأعياد والجمع وإلا عبدت اللاهوت وجحدت الناسوت وإلا أكلت لحم الجمل يوم الشعانين وإلا صمت رمضان عاطشًا وكنت للحم الرهبان ناهشًا وإلا صليت في ثياب اليهود وقلت إن عيسى دباغ الجلود إننا لا نغدر بكم ولا كنا إلا معكم‏.‏
قال الواقدي‏:‏ فعندها قام أبو عبيدة ودخل أنطاكية وكان دخوله لخمسة أيام مضين من شعبان سنة سبع عشرة من الهجرة فدخله وبين يديه اللواء الذي عقده له أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعن يمينه خالد بن الوليد وعن يساره ميسرة بن مسروق ودخلها والقراء بين يديه يقرؤون سورة الفتح فلم يزل سائرًا حتى وصل إلى باب الجنان فنزل هناك وخط هناك مسجدًا وأمر ببنائه وبه يعرف إلى يومنا هذا‏.‏
قال ميسرة بن مسروق فنظرنا إلى بلد رطب طيب الهواء كثير الماء والخيرات فاستطابه المسلمون ووددنا لو أقمنا فيه شهرًا لنستريح فما تركنا أبو عبيدة فيه غير ثلاثة أيام ثم إنه كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ سلام عليك وإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو وأصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأشكره على ما فتح علينا ورزقنا من الغنيمة والنصر واعلمك يا أمير المؤمنين أن الله عز وجل قد فتح على المسلمين كرسي النصرانية مدينة أنطاكية وكسر الله عسكرها ونصرنا الله عليهم وهرب هرقل في البحر وإني لم أقم بها لطيب هوائها وإني خشيت على المسلمين أن يغلب حب الدنيا على قلوبهم فيقطعهم عن طاعة ربهم وإني معول على المسير إلى حلب وإني منتظر أمرك فإن أمرتني أن أسير إلى داخل الدروب فعلت وإن أمرتني بالمقام أقمت واعلم يا أمير المؤمنين أن العرب قد نظرت إلى بنات الروم فدعتهم أنفسهم إلى التزوج فمنعتهم من ذلك وإني أخشى عليهم الفتنة إلا من عصمه الله فعجل إلي بأمرك والسلام عليك وعلى جميع المسلمين‏.‏ 


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق