38
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
قال الواقدي: فسمع يوقنا له ودعا له.
فبينما هو كذلك إذ أتى إليه الموكل بجسر الحديد وأخبر الملك أنه قد قدم عليهم مائتا بطريق من فرسان حلب وهم يزعمون أنهم من بيت واحد من الرومية من بني عم يوقنا وأنهم قد هربوا من العرب فلما سمع ذلك قال ليوقنا: أيها الدمستق والسكندر قم واركب وأشرف على هؤلاء القوم فإن كانوا من بني عمك فأهل بهم وضمهم إليك ليكونوا عسكرك وإن كانوا غير ذلك فآت بهم لأرى فيهم ما أرى وإياك أن يكونوا من قبل العرب ممن رجع إلى دينهم من أهل سيجر وحماة والرستن وجوسية وبعلبك ودمشق وحوران فقال: نعم أيها الملك فركب وركبت معه الفرسان من الملكية والسريرية وأتوا إلى جسر الحديد وأمر أصحاب الدرك أن يأتوا بالمائتين فلما رآهم يوقنا رحب بهم ونظروا إليه وهو في ذلك الزي والحشمة وخلعة الملك عليه فترجلوا وقبلوا ركابه فقال لهم: كيف خلصتم من أيدي العرب.
فقالوا: أيها السيد إننا خرجنا مع أمير من أمرائهم وأغرنا على منبج وبزاعة فلما رجعنا نريد حلب أخذنا على عزاز فوجدناهم قد ملكوها فلما كان الليل تركناهم وأتينا.
قال الواقدي: وهذا كله وحجاب الملك يسمعون فلما حضروا أخبروا الملك بذلك ودخل يوقنا بهم على الملك فخلع عليهم وأنزلهم وأمرهم أن يكونوا في خدمة يوقنا وأعطاه دارًا بإزاء قصره فقال يوقنا: أيها الملك أنت تعلم أن هذه الدار لا يدوم نعيمها وأن السيد المسيح شبهها بالجيفة وطلابها بالكلاب يتجاذبونها.
كما روي عن المسيح أنه رأى طائرًا حسنًا مزينا بكل زينة فنزع جلده تراه أقبح ما يكون منظرًا فقال له: من أنت.
قال: أنا الدنيا ظاهري مليح وباطني قبيح وإنما ضربت لك هذا المثل أيها الملك لتعلم أنه ما خلا جسد من حسد وإذا أقبلت الدنيا على أحد كثرت حساده وأنا أخاف من الحساد أن يتكلموا في عند الملك ويرموني بالبهتان وبما لا أفعله فإن كان الملك ينفر مني فليول هذه الوظائف غيري وأنا ما أبرح على ركابك.
ثم إنه بكى فقال له الملك: أيها الدمستق ما ونيتك هذا الأمر إلا وقلبي وخاطري واثق بك ومن تكلم فيك بشيء سلمته إليك تفعل به ما تريد فشكره يوقنا وأراد الخروج إلى وظيفته التي ولاه إياها وإذا بخيل البريد قد أقبلت من مرعش وهم رسل ابنته زيتونة وأنها خائفة من العرب وهي تريد القدوم عليك حتى ترى ما يؤول من الأمر وأنها تسألك أن ترسل لها جيشًا يوصلها إليك فلما سمع الملك ذلك.
قال: ليس لهذا الأمر إلا الدمستق يوقنا فقبل الأرض وقال: السمع والطاعة لأمرك فضم إليه ألف فارس ومائتين من أصحابه من المدبجة والقياصرة.
قال الواقدي: فسمار بالألفين والمائتين فارس وقد رفع الصليب فوق رأسه وجنبت الجنائب عليها الرخوة المذهبة وسار يجد السير إلى أن وصل إلى مرعش وأخذ زيتونة بنت هرقل وهي الصغرى وكان الملك قد ولاها على تلك البلاد وزوجها بنوسطير بن حارس وكانوا يسمونه سيف النصرانية لشجاعته وكان قد قتل على اليرموك من جراحات أصابته.
قال الواقدي: فلما أخذ يوقنا ابنة الملك وعاد يطلب بها أنطاكية أخذ على الجادة العظمى لعله يلقي أحدًا من جواسيس المسلمين أو يرى معاهدًا فيرسله ليعلم أبا عبيدة أنه قد تمكن من الملك ومن البلد فلما وصل مرج الديباج وكان ليلًا وإذا بخيله التي على مقدمته قد أتته وهم مذعورون فقال لهم: ما بالكم.
فقالوا له: أيها السيد الدمستق هناك عسكرًا نازلًا فقربنا منهم فإذا هم عرب وهم نيام ولا شك أنهم مسلمون فقال لهم: خفوا أهبتكم وأيقظوا خواطركم وانصحوا لدينكم وجاهدوا عدوكم وقاتلوا عن ابنة الملك ولا تسلموها إلى أعدائها وكونوا خير جند قاتل عن نعمة صاحبه وإذا تمكن الحرب بيننا وبينهم فاعتمدوا على الأسر وإياكم والقتل واعلموا أن العرب وأميرهم لا بد لهم أن يقصدوا الملك ومن معه فإن أسروا منا أحدًا يكن عندنا الفداء فقد وجدت في كتاب حرفناس الحكيم: إن من نظر في عواقب زمانه توشح بوشاح أمانه ومن أهل أمره خاف حذره ومن أكثر الغدر حل به الأمر سيروا على بركة الله.
قال الواقدي: فشرعوا الأعنة وقوموا الأسنة وقصدوا ذلك العسكر فلما أحسوا بهم بادروا إليهم واستقبلوهم وهم ينادون بعيسى ابن مريم والصليب المفخم: من أنتم.
فقال لهم يوقنا: ومن أنتم.
فقالوا: نحن أصحاب جيش بن الأيهم.
فلما سمع يوقنا ذلك ترجل عن دابته وسلم عليهم وسلمت العرب المتنصرة على الروم فقال جبلة: من أين جئتم فقال له: من مرعش ومعي ابنة الملك وأنتم من أين جئتم.
فقال جبلة: من العمق وقد أتينا بميرة أهلها فلما رجعت ووصلت إلى مرج دابق لقيت كتيبة من فرسان المسلمين رهم زيادة عن مائتي فارس وهم لابسون زينًا فلما وصلنا إليهم إبتدرونا بعزم شديد وحرب عتيد وإذا مقدمهم لا يصطلى له بنار فلقد أباد منا رجالًا وجندل منا أبطالًا ونحن في ألفي فارس وهم مائتان وكان فينا كالنار المحرقة فما زلنا نقاتلهم حتى أسرناهم بعدما قتل الفارس منهم الفارس والاثنين والثلاثة منا وبقي أميرهم إلى آخر الناس فقصدنا جواده بالسهام حتى قتلناه ووقع فهجمنا عليه وأخذناه أسيرًا فإذا هو من أصحاب محمد وهو ضرار بن الأزور ونحن قاصدون بهم إلى الملك هرقل ليرى فيهم رأيه فأظهر لهم يوقنا الفرح وقال: وحق ديني لقد فزت بالفخر بأسرك لهؤلاء وهذا الغلام فلقد بلغني عنه ما فعل بأبطال الشام وفرسان الروم ثم سار القوم جميعًا يطلبون أنطاكية.
قال الواقدي: حدثني الشريد بن عاصم عن شروان بن مجزل عن قادم بن بشر عن زائدة بن معمر.
قال: حدثنا بشار عن عوف عن صالح عن عبد الله عن جده مسروق قال المؤلف: وحدثني هذا الحديث عباد بن عاصم عن عمران بن حصين.
قال: لما فتح المسلمون حصن عزاز وترك مالك الأشتر عليها سعيد بن عمرو الغنوي والتقى بالفضل بن العباس ورجعا بالغنائم إلى حلب استبشر أبو عبيدة بسلامة الناس وبفتوح عزاز فسأل مالكًا عن يوقنا فحدثه فيما بينه وبينه سرًا وأنه قصد أنطاكية ليدخل على كلب الروم بحيلة ولم يكن له وجه يعود إليك به فقال أبو عبيدة: الله ينصره ويظفره ويغفر له فلقد ظهر لنا منه ما لم يكن لنا في حساب ثم إنه كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتابًا يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من أبي عبيدة عامر بن الجراح إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب سلام عليك.
فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو واصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أما بعد: فإن الله سبحانه له المنة علينا التي يستوجب بها الحمد من جميع المسلمين إذ فتح علينا مستصعب قلاع الكفر وحصونه وأذل لنا ملوكهم وأورثنا أرضهم وديارهم وأنه سبحانه قد فتح علينا قلعة حلب وأردفها بحصن عزاز وأن البطريق يوقنا صاحب حلب قد أسلم وحسن إسلامه وقد صار عونًا للمسلمين على الكافرين من بعدما قاسينا منه ما الله عالم به فالله يجازيه فلقد نصر الله به الدين ونصح للمسلمين وأباد المشركين وقد دخل أنطاكية يدبر حيلة على كلب الروم وقد ألقى بنفسه إلى الهلاك في طاعة الله ورسوله ولقد كتبت هذا الكتاب ونحن معولون على المسير إلى أنطاكية نقصد طاغية الروم فما بقى حصن سواء لأعدائنا قريبًا منا ونحن طامعون في أخذه وأخذ سريره وكنوزه كما وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزودنا بالدعاء منك فإنه سلاح المؤمنين ودمار الكافرين والسلام عليك وعلى من معك عن المسلمين ورحمة الله وبركاته.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق