إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 25 يونيو 2014

37 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


37

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

فعلمت أنه كتم عني أمره مخافة أن أذيع سره فكتم ما قال لي البارحة فلما رأيت يوقنا وأصحابه أسرى قلت‏:‏ هذا يوقنا قد قتل أخاه يوحنا وعاند العرب وقاتلهم ثم إنه رجع إلى دينهم وما ذاك إلا أنه قد علم الحق معهم فقلت أنا لنفسي‏:‏ قم أنت واقتل أباك وخلص يوقنا وأصحابه وارجع إلى دين هؤلاء فهو الدين الحق لا شك فيه فلما نام أبي بعدما شرب الخمر وسكر قتلته وسرت إلى خلاص يوقنا ومن معه فوجدت أخي لاوان قد سبقني إلى ذلك فقال له مالك‏:‏ يا غلام لم فعلت ذلك‏.‏
قال‏:‏ محبة في دينكم وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فقال له مالك‏:‏ قبلك الله ووفقك‏.‏
ثم خرج مالك من الحصن وولاه سعيد بن عمرو الغنوي وترك معه المائة الذين كانوا مع يوقنا وقدموا إليه صاحب الراوندات ومن معه فعرض عليهم الإسلام فأبوا فضرب رقابهم‏.‏
قال الواقدي‏:‏ حدثني عبد الملك بن محمد عن أبيه حسان بن كعب عن عبد الواحد عن عبد الله بن قرط الأزدي أن فتح عزاز كان هكذا والذي ذكر أن بأت دراس وزوجته قتلنه لم يصح والله أعلم ثم إن مالكًا الأشتر أراد أن يرحل فعرض عليه سبي عزاز فكان ألف رجل من الشباب ومائتين وخمسة وأربعين رجلًا من الشيوخ والرهبان وألفي امرأة من النساء والبنات ومائة وثمالين عجوزًا ونفر إلى شيخ من الرهبان مليح الشيبة واضح الهيبة فقال‏:‏ إن صدقت الفراسة فهذا القس الذي أخبرني به لوقا وأخوه لاوان فدعا بهما وقال‏:‏ هذا هو القس الذي أخبرني به لوقا فقال‏:‏ نعم فقال له‏:‏ يا شيخ إذا كنت عن علماء أهل الكتاب فكيف تكتم الحق عن مستحقيه فقال‏:‏ والله ما كتمت الحق عن مستحقيه وإن خفت من الروم أن يقتلوني لأن الحق ثقيل وقد قتلوا الأبناء والإخوة وذلك لأجل الحق فكيف أنا‏.‏
فقال له مالك‏:‏ أفتدخل في ديننا‏.‏
فقال‏:‏ لست أدخل فيه إلا إذا سألتكم عن مسائل وجدتها في الإنجيل‏.‏
فقال له مالك‏:‏ هات ما عندك فلما أراد القس أن يتكلم وقع الصياح في الحصن فارتاع الناس ووثب مالك لينظر ما خبر الناس‏.‏
وظن أن الروم قد غدرت بهم وإذا بأناس من المسلمين الذين بالحصن يقولون‏:‏ أيها الأمير خذوا حذركم فإنا نرى غبرة على طريق منبج وبزاعة ولا ندري ما هي فركب مالك ومن معه ووقفوا ينتظرون ما ذاك وإذا قد لاح من تحتها خيول الإسلام وهم يسوقون السبايا والأموال والرجال وهم مشدودون في الحبال ووراءهم ألف فارس من المسلمين وأميرهم الفضل بن العباس رضي الله عنه وكان قد أرسله أبو عبيدة حتى غازى منبج والباب وبزاعة فوقع الكثير في الفريقين وسلم بعضهم على بعض وسأل الفضل مالك عن قصته فحدثه أن الله قد فتح عزاز وأذل من فيها وحدثه بما كان من حديث يوقنا وأنني ما منعني من الرحيل إلا هذا القس وسؤاله فقال له الفضل‏:‏ أيها القس قل ما أنت قائل فقال القس‏:‏ أخبرني عن أي شيء خلقه الله تعالى قبل خلق السموات والأرض‏.‏
فقال الفضل‏:‏ أول ما خلق اللوح والقلم ويقال العرش والكرسي ويقال الوقت والزمان ويقال العدد والحساب ويقال أول ما خلق الله جوهرة فنظر إليها فصارت ماء ثم خلق العرش ياقوتة وكان عرشه على الماء وأنه نظر إلى الماء فاضطرب وارتعد وصعد منه دخان فخلق الله منه السماء ثم خلق الأرض وقيل خلق أولا العقل لأنه أراد أن ينتفع به الخلق وقيل‏:‏ أول ما خلق الله نورًا وظلمة ثم دعاهما إلى الإقرار فأنكرت الظلمة وأقر النور فخلق منه الجنة لرضاه عنه وخلق النار من الظلمة لسخطه عليها وخلق أرواح السعداء من النور وأرواح الأشقياء عن الظلمة فلأجل ذلك كل منهم يرجع إلى مستقره ويقال أول ما خلق الله نقطة فنظر إليها بالهيبة فتضعضعت وسالت ألفًا نجعلها مبدأ كتابه العزيز فسبحان من ألف كتابه من نقطة وخلق خلقه من نقطة ثم يميتهم بقبضة ويحييهم بنفخة‏.‏
فلما سمع القس ذلك من كلام الفضل بن العباس قال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله هذا هو العلم الذي استأثر به أنبياء الله تعالى‏.‏
فلما نظر أهل عزاز إلى قسهم وقد أسلم اسلموا عن آخرهم إلا قليلًا منهم والله أعلم‏.
  قال الواقدي
‏:‏ حدثني عاص بن يحيى عن أسد بن مسلم عن دارم بن عياش عن جده‏.‏
قال‏:‏ لما أسلم أهل عزاز بإسلام قسهم الذي كان معتقدهم عول الفضل ومالك على المسير إلى حلب فقال يوقنا‏.‏
أنا والله ما لي وجه أقابل به المسلمين لأني كنت قلت قولًا ودبرت أمرًا فلم يتم لي وإني سائر إلى أنطاكية فلعل الله أن يظفرني بالأعداء وينصرني عليهم فقال له الفضل‏:‏ إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم ليس لك من الأمر شيء فلا تحمل قلبك همًا فقال‏:‏ ودين الإسلام لا أرجع إلا بأمر يبيض الله به وجهي عند إخواني المسلمين فنظر وقد صحبه مائتان من بني عمه كمن قد رسخ في قلوبهم الإيمان ولهم عيال وأولاد في حلب فأخذهم يوقنا وسار يريد أنطاكية فلما قرب من أرضها أخذ منهم أربعة وأمر الباقي أن يتعوقوا خلفه أربعة أيام ثم يأتوا كأنهم هاربون من العرب ليتم ما دبره في خاطره وسار هو والأربعة على طريق حارم والباقي على طريق أرناح وقال لهم‏:‏ الميعاد بيننا أنطاكية فافعلوا ذلك وساروا وسار هو إلى أن أشرف على دير سمعان المشرف على البحر فوجد هناك خيلًا ورجالًا يحفظون الطرقات فلما رأوا يوقنا والأربعة معه بادروا إليهم واستخبروهم عن حالهم فقال لهم يوقنا‏:‏ أنا صاحب حلب وقد هربت من العرب فوكل بهم صاحب الدرك جماعه وأمرهم أن يسيروا بهم إلى الملك فأخذتهم الخيل وأتوا بهم إليه فوجدوه في كنيسة الفتيان يصلي فوقفوا حتى فرغ من صلاته فأوقفوا يوقنا بين يديه وقالوا‏:‏ أيها الملك إن بطرس صاحب الحرس الذي عند دير سمعان قد وجه بهذا ومن معه إليك ويزعم أنه صاحب حلب فلما سمع هرقل ذلك‏.‏
قال له‏:‏ يا يوقنا ما الذي أتى بك وقد بلغني أنك دخلت في دين العرب‏.‏
فقال‏:‏ أيها الملك لقد بلغك الحق وذلك أني ما أسلمت إلا لمكيدة القوم حتى أتخلص من شرهم ومن كراهة منظرهم ونتن رائحتهم وإني قلت لهم‏:‏ أسلم إليكم حصن عزاز وأقتل صاحبها وأخذت منهم مائة سيد من ساداتهم وسرت بهم وأمرت أن ينفذ ورائي ألف حتى إذا صاروا داخل الحصن اقبض عليهم وأرسلهم إليك فعجل دراس علي ولم يفهم ما أضمرته ووثق بكلام جاسوسه ولم يثق بكلامي فقبض علينا فأتت العرب ووضحت السيف في أهلها وذلك أن لوقا قتل أباه رجل من العرب وأنا من جملتهم فلما اشتغلوا بالقتال والنهب هربت أنا وهؤلاء الأربعة وجئنا إليك ولولا محبتي في ديني ما كنت قتلت أخي يوحنا وصبرت على قتال العرب وحصارهم سنة كاملة‏.‏
قال الواقدي‏:‏ فأعانته البطارقة والملوك الذين كانوا حاضرين وقالوا‏:‏ صدق يوقنا أيها الملك وسيظهر لك فعله وعمله وجهاده فانبش وجه الملك لذلك وخلع عليه من لباسه الذي هو عليه وسوره ومنطقه وتوجه وقال له‏:‏ إن كانت حلب أخذت منك فإني وليتك على أنطاكية وأعطاه وظيفة دمستقها وسكندرها يعني واليها‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق