32
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
قال الواقدي
: ولقد حدثني عبد الله بن سليمان الدينوري وكان ممن نقل أخبار الشام وفتوحه عن ثقات المسلمين.
قال: حدثني عمرو: أن يوقنا انتخب ألفين من خيار بطارقته وأبطاله وقال لهم: انزلوا مسرعين وليحذر بعضكم بعضًا وميلوا على طرف عسكر المسلمين إذا خمدت نيرانهم واغتنموا غرتهم وأمر عليهم وزيره فنزلوا ليلًا من القلعة وجعلوا يدورون حول العسكر إلى أن أتوا إلى مكان وقد خمدت نيرانهم وكان القوم بادية من أهل اليمن مثل مراد وبني كلاب وعبيدهم.
قال عبد الله بن صفوان البكي: كنا تلك الليلة غادين من عدونا آمنين لكثرتنا وقد غفل حرسنا فلم نشعر إلا وجماعة الروم قد هجموا علينا وهم ينادون بلغتهم وقد أعلنوا التبهرج بزينتهم فلا نعلم ما يقولون ووضعوا السيف فينا فكان النجيب منا من استوى على جواده وطلب النجاة وهو لا يعلم من أين هي ولا كيف يتخلص وقد وقعت الجندلة في أبطال المسلمين وعساكرهم والقوم ينادون النفير النفير دهينا ورب الكعبة وهم يسرعون إلى خيمة أبي عبيدة وينادون: أيها الأمير كبسنا يوقنا فعندها ركب الأمير في بعض الرجال وجعل يدور حول العسكر فنظر صاحب الروم إلى العرب وقد لحقته فصاح بأصحابه: من كان أخذ شيئًا فليتركه وبطلب نجاة نفسه.
قال عبد الله بن صفوان: أخذوا من رجالنا نحو خمسين رجلًا من أخلاط الناس وأكثرهم من ربيعة ومضر ومضوا يجمع بعضهم بعضًا ويطلبون القلعة فلما نظر خالد إلى ذلك حمل في أصحابه واقتطع من الروم زهاء من مائة رجل ووضع فيهم السيف فقتلهم عن آخرهم فلما وصل أصحاب يوقنا إلى القلعة فتح لهم وأدخلهم فلما أضاء الفجر وطلعت الشمس دعا يوقنا بالمسلمين الخمسين رجلًا وهم موثقون بالحبال فقربهم إلى موضع ينظرهم المسلمون ويسمعون أصواتهم وهم يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله حتى قتلوا عن آخرهم فلما نظر أبو عبيدة إلى ذلك أمر مناديًا ينادي في عسكره عزيمة من الله ورسوله ومن الأمير أبي عبيدة: على كل رجل لا يكل حرسه إلى غيره وليكن كل رجل منكم حارس نفسه ولا يتكلم بعضكم مع بعض.
قال فأخذ القوم حذرهم وأعدوا حرسهم وأقبل يوقنا يدبر أمره في مكيدة أخرى ليكيد بها المسلمين إذ علم أنهم محاصرون ومع ذلك جواسيسه تأتيه بالأخبار في الليل والنهار وكان أعظم جواسيسه من متنصرة العرب لأنهم كانوا يحسنون لسان الرومية.
قال: فبينما يوقنا ذات يوم جالس في قلعته والبطارقة من حوله وقد أضر بهم الحصار وأشد ما كان عليهم من أهل المدينة لأنهم لا ينظرون إلى رجل من أصحابه يعرفونه إلا أخذوه وسلموه للمسلمين وإذا بجاسوس قد أقبل وهو من عيونه فقال له: أيها السيد إن أردت أن تكيد العرب فهذا وقتك فقال له يوقنا: وكيف ذلك.
وما الذي عندك من الخبر قال: إن العلافة منهم قد خرجوا إلى وادي بطنان وقد صالحوا أهله وعلوفة العرب وميرتهم منه وقد رأيت منهم جمالًا وبغالًا ومعهم طائفة منهم وعليهم القمصان الخلقة وبأيديهم الرماح المشبعة وهم يقصدون القرى في طلب الميرة وهم قليلون وليس هم في كثرة.
فلما سمع يوقنا ذلك من جاسوسه اختار ألفًا من أصحابه وقال لهم: أصلحوا شأنكم فوحق المسيح لأضيقن على العرب مسالكهم ولأقطعن عليهم طرقاتهم.
فلما أقبل الليل فتح لهم الباب وسار الجاسوس أمامهم حتى استقاموا على الجادة وجعلوا يسيرون تحت جنح الليل فبينما هم كذلك إذ هم براع ومعه سرح من البقر يريد بها بلده وقد خرج بها من بلد آخر وهو يسير بها سيرًا عنيفًا فلما نظروا إليه أسرعوا نحوه وقالوا: أحسست بأحد من العرب قد عبر عليك قال: نعم والشمس عند الغروب قد اصفرت وهم نحو مائة رجل على خيول وهم مسرعون ومعهم جمال وبغال وهم يريدون الميرة من هذا الوادي من الذين هم في صلحهم ولسنا نخاف منهم فقال له المقدم عليهم: الآن قد ألقيت علينا من صلح أهل هذا الوادي ما لم يكن عندنا منه خبر فبحق المسيح أخبرنا بأي طريق ذهبت العرب.
فقال: من ههنا وأومأ بيده إلى الشرق فصار البطريق بمن معه ولم يعرفوا أن صاحب البقر منهم حتى إذا قرب الصبح أشرفوا على خيل المسلمين وكان الأمير عليها يقال له مناوش فلما نظر مناوش إلى خيل الروم قد أقبلت أقبل على أصحابه وقال: يا بني العرب هذا بطريق من بطارقة الروم قد أقبل إلينا فدونكم إياه والجهاد والصبر على الشدة تنالوا الجنة ثم حمل وحمل معه أصحابه فحملت عليهم الروم فثبت لهم المسلمون واقتتلوا قتالًا شديدًا وقتل مناوش بن الضحاك والغطريف بن ثابت ومنيع بن ثابت ومنيع بن عاصم وكهلان بن مرة فقتل من المسلمين ثلاثون رجلًا كلهم من طيء وانهزم الباقون وملكت الروم ما كان مع المسلمين من الإبل والبغال وعاد المسلمون منهزمين فعند ذلك أقبل البطريق على أصحابه وقال: ارموا الأحمال عن هذه الدواب واعقروها وسوقوا بقية الدواب بما عليها فإنها لنا ميرة واطلبوا الجبل واختفوا عن أعين العرب وإلا ففي هذه الساعة تطلع علينا خيول العرب كالرياح تهزمكم فأكمنوا حتى إذا جاء الليل طلبنا القلعة واعتصمنا بها ففعلوا ذلك وقتلوا الجمال وساقوا الدواب والتجؤا في الجبل إلى قرية فأقاموا بقية يومهم يرقبون الليل ليرجعوا إلى القلعة وأقاموا لهم ديدبانًا.
قال عوف بن صباح الطائي كنت في الخيل لما قتل عمي مناوش ونحن في قلة وقد دهمتنا الخيل فلما نظرنا إلى كثرة الروم وشدة بأسهم مع قلتنا أخذنا على أنفسنا وأتينا المسلمين فبادر إلينا أبو عبيدة وقال لنا: ما وراءكم قلنا: الحرب والطعان قال منا مناوش وقتل معه خلق كثير من فرساننا وأخذ ما كان معنا من الزاد والدواب.
فقال أبو عبيدة: وما الذي دهاكم وقد حاصر الله الروم وما يجسر أحد أن يخرج منهم.
قالوا: لا علم لنا غير أنا رأينا بطريقًا عظيمًا قد أشرف عليها وهو في عدة حسنة وخيول كثيرة مستعدين للقتال لا نعلم علاهم ولا من أين أتى مددهم فهجموا علينا ونحن سائرون فأصيب أميرنا وقتل رجالنا وأخذوا ما كان معنا من الدواب والزاد فلما سمع أبو عبيدة ذلك دعا بخالد بن الوليد إليه وقال: يا أبا سليمان أنت لها والمعد لمثلها وأنا واثق بالله ثم بك مع أني أستخير الله في جميع أموري سر على بركة الله تعالى وخذ معك من المسلمين من أردت لعلك أن تقفو القوم وتعاني موضع أثر الوقعة وتتبع آثارهم عسى الله أن يوقعنا بهم واطلبهم أينما كانوا وحيث ساروا لعلك تأخذ بثأر المسلمين واعلم أننا صالحنا أهل الوادي وأننا لا ننقض عهدنا ولا نحول عن قولنا إلا أن يكون القوم قد مكروا بنا فنجد إلى قتالهم سبيلًا فاتق الله فيهم سر يرحمك الله.
قال: فأسرع خالد إلى خيمته ولبس سلاحه واستوى على متن جواده وهم بالمسير وحده.
فقال له أبو عبيدة: إلى أين يا أبا سليمان قال له: أسارع إلى ما أمرتني به.
فقال له: خذ من أردت معك من المسلمين فقال خالد: أنا أمضي وحدي وما أريد أحدًا فقال له أبو عبيدة: كيف تمضي وحدك وعدوك في عدد كثير.
قال خالد: لو كانوا في ألف أو ألفين ألقاهم بمعونة الله تعالى.
فقال له أبو عبيدة: إنك كذلك ولكن خذ معك رجالًا قال فأخذ ضرارًا وأمثاله وسار حتى أتى إلى موضع الوقعة فرأى القتلى مطروحين ورأى حولهم أهل الوادي وهم يبكون خوفًا من المسلمين على أنفسهم وذراريهم وأن العرب تطالبهم بهم فلما طلع عليهم خالد ومن معه كأنهم شعلة نار تصارخ القوم في وجهه والقوا أنفسهم بين يديه فقال لهم خالد: من هؤلاء القوم الذين قتلوا أصحابنا.
قالوا: إنا نحن بريئون من دماء أصحابكم ونحن في صلحكم فاستحلفهم خالد أنهم لا يعلمون من قتلهم فحلفوا له فقال لهم: من الذي أوقع بأصحابي.
فقالوا: بطريق بعثه يوقنا من القلعة ومعه ألف فارس من أشد قومه وأن لهم في عسكركم عيونًا يخبرونه بما أنتم فيه كل ساعة فقال لهم: وفي أي طريق قصدوا.
قالوا: في هذا الطريق فقال خالد: أو ما حلفتم أن ما عندكم علم بهم قالوا: هذا الذي يخبرك من أهل حلب قد أتى يشتري طعامًا ولولا أنك أقبلت في هذه الساعة ما كنا عرفنا من قتلهم فقال له خالد: أعلى هذا الطريق أخذوا.
فقال له الرجل: نعم ورأيتهم يطلبون الجبل فقال خالد لأصحابه إن القوم علموا أنهم لا بد لهم من خيل تطلبهم وتتبعهم وقد عدلوا عن طريقنا حتى إذا هجم عليهم الليل رجعوا إلى قلعتهم فعولوا على المسير في طلبهم.
ثم إنهم أرخوا الأعنة وخالد يقدمهم وقد أخذ معه رجالًا من المعاهدين يقفون بهم أثر الطريق والقوم فلما حصلوا على الطريق.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق