إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 25 يونيو 2014

33 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


33

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

قال خالد لواحد من المعاهدين ألهم طريق إلى قلعتهم غير هذا‏.‏
قال‏:‏ نعم ولكن كن ههنا فإنك تفوز بهم إن شاء الله تعالى فنزل خالد ومن معه في الوادي وهم يرقبون الطريق فما مضى من الليل إلا قليل إذ سمع وقع حوافر الخيل والبطريق أمامهم والخيل من ورائه وهو يزجرهم ويحثهم على المسير فلما توسطوهم صاح خالد صيحة شديدة ووثب خالد كأنه الأسد وخرج عليهم هو وأصحابه فما كان قصد خالد غير البطريق وظن أنه يولنا فضربه ضربة رماه نصفين وقد وضعوا السيف فيهم وجعلوا يطلبونهم وهم في الهرب فلم ينج منهم إلا من أطال الله أجله وحازوا جميع ما معهم وأتوا برأس البطريق إلى أبي عبيدة على رأس رمح فوجدوه متلهفًا على قدومهم فلما أشرف خالد بمن معه من الأسارى والأسلاب والدواب هللوا وكبروا‏.‏
فأجابهم العسكر بالتهليل والتكبير‏.‏
قال وأتى خالد ومن معه بالرأس والأسلاب والأسارى فكانوا أزيد من ثلثمائة أسير ورؤوس القتلى سبعمائة فعرضوا عليهم الإسلام فأبوا وقالوا‏:‏ نحن نعطيك الفداء‏.‏
فقال خالد‏:‏ نضرب رقابهم قبال القلعة لنوهن بذلك عدو الله قال فضربت رقابهم قبال القلعة‏.‏
فقال خالد‏:‏ إنا كنا نظن أنا محاصرون القوم وإذا نحن بخلاف ذلك وهم يرقبون غفلتنا وينتظرون غرتنا وقد قتلوا جمالنا والدواب والصواب أن نجعل عليهم حرسًا في كل طريق يمكننا ولا يمكننا أن يخرجوا من قلعتهم ونضيق عليهم ما استطعنا وقال أبو عبيدة جزاك الله خيرًا يا أبا سليمان ما أبصرك بالأمور فلما كان من الغد وصلى أبو عبيدة بالناس صلاة الفجر دعا بعبد الرحمن بن أبي بكر وبضرار بن الأزور وسعيد بز زيد بن عمرو بن نفيل وقيس بن هبيرة وميسرة بن مسروق ففرقهم حول القلعة ومعهم من اختاروا وأمرهم أن يمسكوا الطريق والمسالك على يوقنا حتى لو طار طائر منها أو إليها اقتنصوه وأقام القوم على ذلك مدة فلما طال عليهم ذلك ضجر أبو عبيدة لطول مقامه فأمر الناس بالرحيل عنهم وعزم أن يتباعد عنهم‏:‏ أي عن القلعة لعل أن يجد منهم غفلة فينتهزها‏.‏
قال فبعد عن المدينة فنزل بقرية بقرب منها يقال لها النيرب وهو يريد حيلة يصل بها إلى يوقنا‏.‏
قال ويوقنا لا ينزل من القلعة ولا يفتح بابها ففكر أبو عبيدة غاية الفكرة وقال لخالد‏:‏ يا أبا سليمان إن جواسيس عدو الله تكشف إخبارنا وتوصلي إليه وتخوفه فإني أقسم عليك يا أباسليمان إلا ما جلت في عسكرنا جولة واختبرت أمم الناس فلعلك تقع بأحد من جواسيسه‏.‏
قال فركب خالد وأمر الناس إن يدوروا في عسكرهم وأن يقبضوا على كل من أنكروه‏.‏
قال فبينما خالد في طوافه إذ نظر إلى رجل من العرب المنتصرة وبين يديه عباءة يقلبها فجعل خالد يرقبه فاستراب الرجل منه فناداه وقال‏:‏ من أي الناس أنت يا أخا العرب‏.‏
قال‏:‏ أنا رجل من اليمن‏.‏
قال‏:‏ من أيها قال‏:‏ فأراد أن يقول وينتمي إلى غير قبيلته فجرى الحق على لسانه فقال‏:‏ أنا من غسان فلما سمع خالد كلامه قبض عليه وقال له‏:‏ يا عدو الله أنت عين علينا لعدونا‏.‏
قال‏:‏ وما أنا متنصر وأنا مسلم فأتى به إلى أبي عبيدة وقال‏:‏ أيها الأمير قد رابني أمر هذا لأنني كل رأيته قط إلا يومي هنا وقد ذكر أنه من غسان ولا شك أنه من عباد الصليب فقال أبو عبيدة‏:‏ اختبره يا أبا سليمان قال‏:‏ وكيف أختبره قال‏:‏ اختبره بالقرآن والصلاة فإن أجابك وإلا فهو كافر‏.‏
فقال له خالد‏:‏ فصل ركعتين واجهر بالقراءة فيهما فلم يدر ما يقول‏.‏
فقال له خالد‏:‏ أنت يا عدو الله عين علينا‏.‏
ثم استخبره عن شأنه فأخبره وأقر أنه عين عليهم فقال له خالد‏:‏ أنت وحدك‏.‏
قال‏:‏ لا ولكنا ثلاثة أنا أحدهم والاثنان قد ذهبا إلى القلعة ليخبرا يوقنا بخبركم وأنا قد تخلفت لأنظر ما يكون من أمركم فقال أبو عبيدة‏:‏ أخبرني أيما أحب إليك‏:‏ القتل أو الإسلام فليس بعدهما شيء‏.‏
فقال الغساني‏:‏ أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ثم رجع أبو عبيدة إلى حلب وما زالت القلعة محاصرة أربعة أشهر وقيل خمسة أشهر وأبطأ خبر أبي عبيدة على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتب إلى أبي عبيدة يقول‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر إلى عامله أبي عبيدة سلام عليك فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم واعلم يا أبا عبيدة أن بانقطاع كتابك وإبطاء خبرك يكثر قلقي ويضني جسدي على إخواني المسلمين وما لي ليل ولا نهار إلا وقلبي عندكم ومعكم فإذا لم يأت منكم خبر ولا رسول فإن عقلي طائر وفكري حائر وكأنك لا تكتب إلي إلا بالفتح أو الغنيمة واعلم يا أبا عبيدة أنني وإن كنت غائبًا عنكم فإن همتي عندكم وأني داعي لكم وقلقي عليكم كقلق الوالدة الشفوقة على ولدها فإذا قرأت كتابي هذا فكن للإسلام والمسلمين عضدًا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعث الكتاب إلى أبي عبيدة‏.‏
فلما ورد عليه وقرأه عليهم‏.‏
قال‏:‏ معاشر المسلمين‏:‏ إذا كان أمير المؤمنين داعيًا لكم وراضيًا عنكم في فعالكم فإن الله ينصركم على عدوكم‏.‏
ثم كتب جواب الكتاب يقول‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏:‏ إلى أبي عبد الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من عامله بالشام أبي عبيدة‏:‏ سلام عليك وإني أحمد الله تعالى وأصلي على نبيه وبعد يا أمير المؤمنين فإن الله تعالى له الحمد قد فتح على أيدينا قنسرين وقد شننا الغارة على العواصم وقد فتح الله علينا مدينة حلب صلحًا وقد عصت علينا قلعتها وبها خلق كثير مع بطريقها يوقنا وقد كادنا مرارًا وذكر له ما جرى له مع أخيه يوحنا وأنه قتل منا رجالًا ورزقهم الله الشهادة على يديه‏.‏
ثم إنه ذكر له من قتل والله تعالى من ورائه بالمرصاد وقد أردنا الحيلة عليه فلم نقدر وأردت الرحيل عنه وعن محاصرته إلى البلاد التي بين حلب وأنطاكية وأنا منتظر جوابك والسلام عليك وعلى جميع المسلمين وبعث الكتاب مع عبد الله بن قرط وجعدة بن جبير فسارا إلى أن اخذا في طريق هيشت العتيقة وجدا في السير حتى قطعا أرض الجفار إلى صكاصكة وهي حصن العرب قريبة من تيما فلما وصلا إليها عارضهما فارس وعليه درع سابغ وعلى رأسه بيضة تلمع وهو معتقل برمح كأنه قد برز إلى عدوه أو قاصد إلى قتال‏.‏
فلما نظر إليهما قصدهما‏.‏
فقال عبد الله بن قرط لجعدة بن جبير‏:‏ يا ويلك أما ترى هذا الفارس وقد عارضنا في مثل هذا المكان على مثل هذه الحالة فقال له جعدة‏:‏ وما عسى أن نتخوف من فرسان العرب ورجالها وليس في هذا الموضع من رفع عمودًا أو ضرب وتدًا إلا وأصبح معنا ودخل تحت طاعتنا وفي شريعتنا فلما قرب الفارس منا سلم علينا وقال‏:‏ من أين أقبلتما وإلى أين قاصدان فقالا له‏:‏ نحن رسولان من الأمير أبي عبيدة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فمن أنت أيها الرجل‏.‏
قال‏:‏ أنا هلال بن بدر الطائي‏.‏
فقالا له‏:‏ ما لنا نرى عليك آلة الحرب‏.‏
قال‏:‏ إني خرجت في طوائف من قومي وجماعة من أصحابي نريد الشام للجهاد لكتاب ورد علينا من عمر بن الخطاب‏.‏
فلما رأيتكما في بطن الوادي قصدتكما لأنظر ما قصتكما ولي أصحاب من ورائي مقبلون‏.‏
ثم سلم عليهما وولى فركبا مطيهما وسارا وإذا بالخيل قد أشرفت والإبل قد أقبلت تتبع هلال بن بدر أرسالًا يتبع بعضها بعضًا إلى أن لحقوه فأخبرهم بقصة صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرحوا بذلك وساروا يريدون الشام وأما عبد الله بن قرط وجعدة بن جبير فإنهما وصلا المدينة ودخلا المسجد وسلما على عمر بن الخطاب وعلى المسلمين ودفعا له الكتاب فلما قرأه استبشر ورفع كفيه إلى السماء وقال‏:‏ اللهم اكف الناس شر كل ذي شر‏.‏
ثم أمر مناديًا في الناس الصلاة جامعة فلما اجتمع الناس قرأ عليهم كتاب أبي عبيدة فلما قرأه قدم عليه من حضرموت وأقاصي اليمن من همدان ومدان وسبأ ومأرب يسألونه أن ينفذهم إلى الشام فقال لهم عمر‏:‏ في كم أنتم بارك الله فيكم قالوا‏:‏ نحن زهاء من أربعمائة فارس وثلثمائة مطية مردفين ومعنا أناس يمشون على أقدامهم لا ركاب لهم فإن كان عند أمير المؤمنين ما يحملهم عليه حتى نصل إلى عدونا فقال لهم عمر‏:‏ وكم يبلغ الرجال الذين معكم قالوا‏:‏ أربعين ومائة رجل فقال لهم‏:‏ عرب أو موال قالوا‏:‏ عرب وموال أذن لهم ساداتهم في الجهاد والمسير إلى الأعداء فعندها دعا عمر بعبد الله ابنه رضي الله عنه وقال‏:‏ امض إلى مال الصدقات فأت القوم بسبعين راحلة ليعتقبوا عليها ويحملوا زادهم وميرتهم على ظهورها فأسرع عبد الله بن عمر وأتى بسبعين بعيرًا وسلمها إليهم وقال لهم‏:‏ جدوا رحمكم الله إلى إخوانكم المسلمين وأسرعوا إلى حرب عدوكم ثم كتب إلى أبي عبيدة‏.‏
أما بعد فقد ورد علي كتابك مع رسلك فسرني ما سمعت من الفتح والنصر على أعدائكم ومن قتل من الشهداء وأما ما ذكرته من انصرافك إلى البلاد التي بين حلب وأنطاكية وتترك القلعة ومن فيها فهذا رأي غير صواب تترك رجلًا قد دنوت من دياره وملكت مدينته ثم ترحل فيبلغ إلى جميع النواحي أنك لم تقدر عليه ولم تصل إليه فيضعف ذكرك ويعلو ذكره ويطمع من يطمع ويجترئ عليك أجناد الروم خاصتهم وعامتهم وترجع إليه الجواسيس وتكاتب ملوكها في أمرك فإياك أن تبرح عن مجاهدته حتى يقتله الله أو يسلم إليك إن شاء الله تعالى أو يحكم الله وهو خير الحاكمين وبث الخيل في السهل والوعر والضيق والسعة‏.‏
‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق