312
تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها
الجزء الثالث في تاريخ سيناء القديم والحديث
الفصل الرابع في تاريخ مملكة النبط في البتراء وعلاقتها بسيناء قديما وحديثا
تجارة النبط
وكان النبط شعبا تجاريا وقد ساعدهم موقع عاصمتهم وحصانتها ووجود النبع الغزير فيها على جعلها محطة للقوافل البرية التي كانت تتردد بين البحر الهندي والبحر المتوسط . فكانت بضاعة الهند تنقل إلى بلاد اليمن عن طريق عدن . وكان أهل اليمن ينقلونها مع محصولاتهم إلى الحجاز . وكان ص 470
النبط ينقلونها من الحجاز إلى البتراء ومن هناك تتفرع إلى مصر " بطريق البتراء " وإلى فلسطين وفينيقية بطريق بئر السبع . وإلى شمالي سوريا بطريق دمشق الشام .
وأما " الطريق من عدن إلى البتراء فالشام " فما زالت مطروقة للآن مع تقدم الملاحة في البحار لأنها طريق الحجاج إلى مكة المكرمة . تمر الطريق من عدن إلى لحج فتعز فزبيد فمكة . وقد حج الشاعر الصوفي الشيخ عبد الرحيم بن أحمد البرعي اليمني من أهل القرن الخامس للهجرة فنظم قصيدة صوفية ذكر فيها المدن والأودية والآبار التي مر بها في طريقه من جبل برع باليمن إلى مكة قال وضمير المؤنث راجع إلى الإبل :
فلعسان فسردد ثم مور فحيران لهن به رسيم
إلى حرض إلى خلب تراءت إلى جيزان جازت وهي هيم
ومرت في ربى ضمد وصبيا ولؤلؤة وغوان تهيم
وذهبان وفي عمق وحلي تساورها المفاوز والرسوم
وفي يبت وفي كنفي قنونا سرت والليل معكر بهيم
فدوقة فالرياضة فاستمرت بجنب الحفر يطربها النسيم
إلى الميقات ظلت خائضات غمار الآل يلفحها السموم
وباتت عند ما وردت إداما تحن فلا تنام ولا تنيم
وفي أم القرى قرت عيون عشية لاح زمزم والحطيم
ومن مكة تتبع الطريق طريق الحج الشامي المشهورة مارة بالمدينة فوادي القرى فتبوك فمعان قرب البتراء فدمشق الشام . وفي سنة 1906 مدت سكة حديد من دمشق إلى المدينة متبعة طريق الحج الشامي عرفت " بسكة حديد الحجاز " . وأما طريق القوافل القديمة من البتراء إلى دمشق فكانت تمر بالشوبك فطفيلة فالكرك فضبان فحسبان فعمان فجرش فالمزيريب فدمشق . وذكر القاضي شهاب الدين العمري الذي عاش في القرن الثامن للهجرة في كتابه " التعريف بالمصطلح الشريف " مراكز الطريق من دمشق إلى الكرك في أيامه وهي حسب تعريفه : ص 471
" طفس فالقنية فالبرج الأبيض فحسبان فديباج فاكريه فالكرك " . وقد أصلح الرومان قديما طريق القوافل من البتراء إلى دمشق كما أصلحوها من البتراء إلى أيلة .
وظلت مدينة البتراء مركزا تجاريا بين الشرق والغرب إلى أوائل القرن الثالث للمسيح إذ قامت مملكة الفرس في الشرق ومملكة تدمر في الشمال وفاز الفرس بتحويل تجارة الهند واليمن عن طريقها القديم وصرفها إلى خليج العجم والفرات .
وفي ذلك العهد كانت الاسكندرية قد صارت مركزا عظيما للتجارة بين الشرق والغرب وأخذت مركز صور فكانت بضاعة الهند وجزيرة العرب تجئ ميناء بيرنيس على البحر الأحمر فتنقلها القوافل المصرية إلى قفط . وتنقل من قفط بالنيل إلى الاسكندرية . فكان تحويل التجارة عن البتراء أكبر ضربة منيت بها بل كانت الضربة القاضية عليها .
" أصل النبط " هذا وقد اختلف المؤرخون في أصل النبط فقال فريق أنهم أراميون وآخر أنهم عرب . أما القائلون أنهم أراميون فحجتهم أن لغة النبط أرامية وأن لفظ النبط عند العرب يطلق على أهل العراق . قالوا لما تغلب نبوخذنصر الثاني على أورشليم وأزال مملكة يهوذا سنة 587 ق. م زحف على مملكة أدوم فأخضعها وجعل في عاصمتها حامية من الجند . وسكن مع الحامية قوم من التجار الأراميين فاشتغلوا بالتجارة وساعدهم مركز البلاد فقووا مع الأيام وأسسوا ملكا .
وأما القائلون أنهم عرب فحجتهم ِ: أولا . أن مؤرخي اليونان واليهود الذين كتبوا عنهم سموهم عربا . ثانيا . إن النبط استعملوا أداة التعريف " ال " . ثالثا أن أسماء ملوكهم كلها عربية محضة كالحارث وعبادة وريبال ومالك وجميلة .
ويؤخذ من تاريخ مصر للمؤرخ شارب الانكليزي المار ذكره أنهم هم الأدوميون أنفسهم قال : " كان النبط قبلا يسمون أدوميين ثم فقدوا هذا الاسم بعد أخذهم القسم الجنوبي من اليهودية " كما مر " المعروف باسم " أدوميا " إذ اليهود لما استرجعوا " أدوميا " سموا أدومي الصحراء نباووث أو " النبط " أه وفي التعريفات " النبط جيل من العجم ينزلون بالبطائح بين العراقين قيل سموا بذلك لكثرة النبط عندهم وهو الماء . هذا أصله ثم استعمل في أخلاط الناس " ص 472
وأما قول الفريق الأول إن النبط تجار إراميون سكنوا مع الحامية التي وضعها نبوخذ نصر بعد أخذه أورشليم سنة 587 ق. م فقول تخميني لم يثبته مؤرخ ثقة . ثم لا يعقل أن تجارا مستضعفين وحامية صغيرة من الجند كلهم أجانب بعيدين بعدا سحيقا عن مركز سلطانهم يؤسسون ملكا قويا في وسط بلاد عربية محضة كالملك الذي أسسه النبط في البتراء بل لو اسسوا ملكا لنسب إلى سلطانهم وزال بزواله .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق